استثمار الحريص

نشر في 02-07-2008
آخر تحديث 02-07-2008 | 00:00
 بلال خبيز

يجدر باللبنانيين أن يتأملوا طويلاً في الحكمة الإيرانية التي قضت أن تبني إيران أنفاق المقاومين بعد حرب يوليو الماضية، في حين تكفلت السعودية، ولا نريد أن ننسى قطر، بإعمار البيوت والمدارس وإعادة انشاء الجسور، ذلك أن طهران تستثمر استثمار الحريص بينما تبدو الرياض كما لو أنها تنفق بلا حساب.

كثيرة هي الأسباب التي تدعو اللبنانيين إلى القلق، حتى في أفضل أحلام اللبنانيين اليوم لا يجرؤون على الحلم بمستقبل مستقر. فالقوة الأشد بأساً والأكثر تسلحاً وقدرة على الحشد في لبنان لا تخفي ولاءها للفقيه الإيراني. بينما الولي الفقيه يصرح علناً بأن حلفاءه واتباعه سيدافعون عنه في حال تعرض لضربة إسرائيلية أو غير إسرائيلية. وهذا يعني على نحو مباشر بالنسبة للبنانيين، أن الاستقرار مستحيل. فحتى لو انصاعت الطوائف كافة لما يمليه «حزب الله» وما يقرره حيال البلد، فإن أي حرب تخوضها إيران ضد جيرانها أو ضد أي طرف في العالم، أكان الولايات المتحدة الاميركية أم إسرائيل، سيؤدي لا محالة إلى دخول لبنان في هذه الحرب من بوابة «حزب الله» وصواريخه. وحيث إن النظام الإيراني فاشل في بناء الصداقات وماهر في استحضار العداوات، فإن اللبناني يدرك أن الحرب قادمة إلى ربوعه لا محالة.

مع ذلك، ورغم هذا اليقين المتفشي في ربوع لبنان كلها، مازال بعضنا في لبنان من سياسيين في المعارضة والموالاة يتصرفون كما لو أن السياسة في لبنان مازالت تعني صناعة المستقبل.

كانت حنة أرنت تقول إن أي أمة أو شعب من الشعوب يستطيع أن يحدد ملامح مستقبله، فمن الضروري أن يكون هذ المستقبل قاتماً، أي أن التيقن مما سيجري في المستقبل لا يكون إلا حين يكون المستقبل كارثياً. على نحو ما يكون الموت هو مستقبل كل حي. واللبنانيون اليوم يستطيعون مشاهدة المستقبل أو الإحساس بضراوته في يومياتهم واشتباكاتهم المتنقلة من موقع إلى آخر، بحيث لم يعد مجدياً البحث في عدد الحقائب السيادية التي قد ينالها أي طرف من الأطراف في الحكومة المقبلة، مادامت السيادة نفسها أصبحت في مهب الريح. وعليه يمكن التندر بمرارة على الذين يطالبون بحقائب خدماتية كوزارة الأشغال العامة أو حقائب سيادية كوزارة المالية أو الخارجية أو الدفاع، بوصف الفوز بهذه الوزارات سيحمل الطرف الذي يفوز بها أعباء إعمار ما قد تهدمه الحروب وإحياء مَن قد يموت أو التعويض لأهله، وإنهاض اقتصاد بات منهاراً، فيتحول الحكم نفسه في لبنان عبئاً على مَن يتحمل مسؤوليته، حتى لو لم يكن ثمة مَن يلاحق الحكام في لبنان بالاغتيالات والسيارات المفخخة.

مع ذلك، ورغم الصعوبات التي تكتنف المستقبل اللبناني برمته، مازال التسابق على الفوز بحصص السلطة اللبنانية على أشده، بل إن حكومة الوحدة الوطنية، ذات الثلث المعطِل، التي نادى بها «حزب الله» وحصل عليها بقوة السلاح، تكاد تشهد آخر فصول وحدتها بسبب التجاذب الحاصل بين القوى السياسية في ما يخص أي حقائب تليق بهذا الطرف أو ذاك. ولنسلم جدلاً أن اللبنانيين جميعاً، وقادتهم السياسيين في مقدمهم، سلموا لـ«حزب الله» والمعارضة من خلفه بما يريد ويشاء، وأن الجنرال ميشال عون حصل على ما يريده من حقائب سيادية وخدماتية، وحاسب البلاد والعباد على الإهدار المتمادي الذي انتشر في العقود السابقة، فهل يستطيع أي كان أن يجيب عن سؤال مفيد، ويكون أشد ما يكون إفادة في الملمات: كيف ستعيد وزارة الأشغال العامة بناء الجسور التي قد تتهدم في الحرب التي يستعد «حزب الله» لخوضها؟ هل ثمة مال طاهر سنوعد به مجدداً؟ ومتى يتمُّ الواعد وعده ويفي الملتزم بدينه؟ قبل زوال إسرائيل أم بعدها؟

هذا ويجدر بنا أن ننبه اللاهثين وراء الحقائب السيادية والخدماتية إلى فحوى الرد الإيراني على أي حرب إسرائيلية تستهدف إيران، إذ أوكل الولي الإيراني مهمة تدمير إسرائيل وهزيمتها إلى «حزب الله» وصورايخ حركة «حماس» التي تصل إلى سديروت. أما مهمة الجيش الإيراني فتكاد تقتصر على إغلاق مضيق هرمز أمام حركة ناقلات النفط. وذلك طبعاً بعد أن تسمح إيران لحلفائها بالتزود بالوقود الكافي لهزيمة إسرائيل وربما أميركا.

حين تكون مهمة لبنان تدمير إسرائيل في المعادلة التي ترعاها قوى الممانعة والصمود في المنطقة، يجدر باللبنانيين أن يتأملوا طويلاً في الحكمة الإيرانية التي قضت أن تبني إيران أنفاق المقاومين بعد حرب يوليو الماضية، في حين تكفلت المملكة العربية السعودية، ولا نريد أن ننسى قطر، بإعمار البيوت والمدارس وإعادة انشاء الجسور، ذلك أن طهران تستثمر استثمار الحريص بينما تبدو الرياض كما لو أنها تنفق بلا حساب.

* كاتب لبناني

back to top