ما قل ودل: الخصخصة كظاهرة عالمية

نشر في 09-03-2009
آخر تحديث 09-03-2009 | 00:00
 المستشار شفيق إمام بدأت تجربة الخصخصة في الدول العربية عندما شرعت بعض هذه الدول خلال الثمانينيات والتسعينيات من هذا القرن بتطبيق برامج وسياسات للإصلاح الاقتصادي بالاتفاق مع صندوق التنمية الاقتصادية والبنك الدولي، أو بالأحرى بضغوطه المباشرة وغير المباشرة.

تناولت في مقال الاثنين قبل الماضي، الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري في مصر بوقف تنفيذ قرار مجلس الوزراء الصادر بتحويل الهيئة العامة للتأمين الصحي إلى شركة قابضة، سماها باسم «الشركة المصرية القابضة للرعاية الصحية»، لتتولى عن طريق الشركات التابعة لها تقديم الرعاية الطبية لمرضى التأمين الصحي وغيرهم، بالإضافة إلى الخدمات الأخرى المرتبطة بالرعاية الصحية، مع نقل كل أصول المستشفيات والعيادات التابعة للهيئة إلى هذه الشركة، لمخالفة هذا القرار المنظور الاجتماعي للخصخصة، الذي جسده الدستور وجسدته الاتفاقات الدولية والميثاق الدولي لحقوق الإنسان، ولارتباط هذا الحكم بموضوع الخصخصة فقد وعدت بتناول هذا الموضوع، كظاهرة عالمية.

والواقع أن كلمة التأميم في الدول النامية كانت رمزاً للاستقلال والسيادة والسيطرة على الثروة الوطنية بصرف النظر عن خيارات اقتصادها، حراً كان أم اشتراكياً، وشهد العالم في فترة الستينيات والنصف الأول من السبعينيات توسعاً هائلاً في القطاع العام من أجل المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن كلمة التأميم قد باتت الآن خارج القاموس، غريبة على الأذن والعصر... فالخصخصة أصبحت شعار المرحلة، وسيفها يمتد حتى يطول مرافق سيادية مثل الأمن في بعض البلدان، التي انتشرت فيها شركات الأمن، بعد أن بدأت النظرة تتغير في منتصف السبعينيات، في ما يتعلق بدور القطاع الخاص في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع عجز الاقتصادات في الدول النامية عن التكيف مع الأسعار العالمية.

وعندما بات واضحاً مدى التدني في كفاءة المشروع العام نتيجة الخلط بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، وتفشي البيروقراطية وسوء الإدارة إلى جانب انتفاء الكفاءة الاقتصادية، انتشرت الخصخصة منذ النصف الثاني من التسعينيات وعلى نطاق واسع في العالم، وأتت حركة التحول إلى القطاع الخاص بثمارها في بعض الدول المتقدمة مثل اليابان والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.

وتعتبر تجربة اليابان مثالاً حياً لذلك، فقد كانت اليابان من أولى الدول التي أنشأت مشروعات عامة، ثم حولتها إلى الملكية الخاصة عندما باعت حكومة اليابان في عام 1880 كثيراً من المنشآت الحكومية، من بينها 52 مصنعاً وعشرة مناجم وثلاثة أحواض سفن.

وبعد مئة عام باعت شيلي حوالي 130 مشروعاً تملكها الدولة بلغت قيمتها ما يربو على 500 مليون دولار، هذا بالإضافة إلى أن أكثر من 250 مشروعاً تم تأميمها في الفترة ما بين 1971 إلى 1973 قد أعيدت لأصحابها السابقين.

وكان من أبرز نماذج التطبيق في الخصخصة تجربة بريطانيا التي بدأت برنامجاً ضخماً منذ عام 1979، حيث تبنت حكومة المحافظين برئاسة مارغريت تاتشر خلال عقد الثمانينيات منهج الخصخصة... وعندما توحدت ألمانيا وكان نصفها اشتراكياً فقد قامت بتحويله إلى النظام الحر الليبرالي.

ومن أبرز الدول التي قامت بتطبيق الخصخصة في أوروبا فرنسا وإيطاليا وفي دول أميركا اللاتينية الأرجنتين، والبرازيل وشيلي وكولومبيا وكوستاريكا.

واتخذت التجربة الفرنسية في الخصخصة طابعاً تشريعياً منظماً تنظيماً قانونياً محكماً بعد أن قررت الحكومة الفرنسية اتخاذ خطوات جادة نحو الإصلاح الاقتصادي بعد انتخابات عام 1986 وحدد قانون 16 أغسطس 1986 القواعد والإجراءات اللازمة لتطبيق الخصخصة.

وفي سنة 1981 قامت البرازيل بحل مشروعات مملوكة للدولة وبيع 36 مشروعاً آخر... وأعادت باكستان 200 مشروع عام إلى الملكية الخاصة، منها مضارب للأرز ومحالج للأقطان ومطاحن غلال... وتعد تركيا من أولى الدول النامية التي بدأت باتباع آليات السوق والانفتاح على الخارج، حيث حرصت منذ البداية على أسلوب التدرج والتحول الاقتصادي نحو قوى السوق، الذي بدأته عام 1980، وأصدرت الحكومة التركية في عام 1986 تشريعاً يتيح لها تحويل المنشآت العامة إلى الملكية الخاصة.

وشهد مطلع حقبة التسعينيات من القرن العشرين تطوراً مهماً في الدول الاشتراكية التي اتبعت الخصخصة بعد انهيار الإمبراطورية السوفييتية وتفكك الاتحاد السوفييتي إلى جمهوريات مستقلة لا يربطها ببعضها سوى رابطة اقتصادية هشة، تعرف اصطلاحاً «جمهوريات الكومنولث الجديد».

وإذا كان انهيار الإمبراطورية السوفييتية يرجع إلى عدة عوامل فإنه يمكن إرجاعها في المقام الأول إلى الأزمة الاقتصادية التي بدأت ملامحها تتضح في حقبة الثمانينيات، لتنتهي بفقدان حياة الاتحاد السوفييتي في مطلع حقبة التسعينيات، حيث بدأ انتقال الاقتصاد السوفييتي المتدهور من التخطيط المركزي إلى نظام اقتصاد السوق الحديث.

وامتدت تجربة الخصخصة في إفريقيا إلى كل من كينيا وتنزانيا، ونيجيريا، وزامبيا وغانا... وبدأت تجربة الخصخصة في الدول العربية عندما شرعت بعض هذه الدول خلال الثمانينيات والتسعينيات من هذا القرن بتطبيق برامج وسياسات للإصلاح الاقتصادي بالاتفاق مع صندوق التنمية الاقتصادية والبنك الدولي، أو بالأحرى بضغوطه المباشرة وغير المباشرة، ومن هذه الدول على سبيل المثال مصر والسودان وتونس والجزائر والمغرب والأردن واليمن وموريتانيا وغيرها.

back to top