رحيل عبدالله الجفري... سيد الكلمة الرشيقة والحلم الجميل كتاباته أشاعت ظلالاً وارفة من الحب والخيال

نشر في 03-10-2008 | 00:00
آخر تحديث 03-10-2008 | 00:00
No Image Caption
ترك رحيل الكاتب السعودي عبدالله الجفري في يوم العيد، (صباح الأربعاء) غمامة حزن في نفوس قرائه، ومحبيه. لم تكن شهرته مرتبطة فقط بوطنه السعودية، بل امتد إلى كل أرجاء الوطن العربي، وأصبح قراؤه ينتظرون زواياه الصحافية ومقالاته ذات الطابع الإنساني واللمسة الوجدانية، وهو في الوقت ذاته روائي وقاص مبدع.

رحل إذن عبدالله الجفري، ذلك الكاتب الصحافي المبدع، رحل وإصداراته الكثيرة لاتزال شاهداً على التنوع وفسحة الأدب في أفقه الواسع الرحيب، يحق للمغرمين بالتصنيف أن يحتاروا في شأنه، هو كاتب صحافي، روائي، ناقد، وشاعر ولكن بخجل شديد، لم يشأ أن يطلق على نفسه صفة الشاعرية.

صنفه بعضهم حين أوج شهرته أواسط الثمانينيات بأنه امتداد لسياق الكتابة الجديدة في السعودية، نسي هؤلاء أن الجفري كان جديداً ومتجدداً في كل ما يكتب، حتى في عمره الستين. منح الصحافة كل عمره وتنقل من صحيفة يومية إلى أخرى، ولكن ماذا منحته الصحافة؟ هل خسر بفعل وجوده في الصحافة أم انه نال من مزياها بعض الشيء. لست جازماً بالنسبة إلى مقاييس الربح أو الخسارة، ولكنني أستطيع أن أقول إن الصحافة اليومية أنهكت ذلك الكاتب الشفاف والإنسان المبدع. لو لم يمنح كل هذا المداد لزواياه الصحافية، لكنا قرأنا مزيداً من رواياته وإبداعاته الوجدانية.

شخصياً تربطني بكتابات الجفري علاقة حميمة فكنت أقرأ بشغف كل ما يكتب من قصص ووجدانيات في أواسط الثمانينيات، ربما بخيال فتى يافع يحلم إلى الرومانسية والصورة المجنحة الجميلة، فتى يخطو أولى خطوات الكتابة ومخاطبة الذات قبل الآخرين. كان الجفري بالتأكيد مبدعاً في ذلك، كان يخصص يوماً من عموده في جريدة «الحياة» للخواطر والتأملات الوجدانية، كنت أنتظر ذلك اليوم من أسبوع إلى آخر، أقرأ خواطره، وأنطلق معها بخيلاتي، أما عموده «ظلال» في «عكاظ» فقد كان رفيقاً دائماً لنا، ولن أبالغ إذا قلت إن أحد أسباب حبي لهذه الصحيفة هو وجود الجفري بين كتابها. عانى الجفري كثيراً في حياته ولم يسلم قلبه المتعب من نوبات المرض، أذكر أن الصحف السعودية نقلت عنه مقولته الشهيرة أوائل التسعينيات حين عاد من إحدى رحلاته العلاجية «أزمة القلب زادتني إصراراً على الحب». هي المقولة التي حمل لواءها الجفري مبدعاً وكاتباً صحافياً حتى رحل عن دنيانا.

الحلم الجميل

ظل الجفري حاملاً الحلم الجميل طوال حياته، لم يتخل عنه، أو يستسلم لضغوط الحياة، ولعل من أعجب ما لاحظ النقاد على كتابات الجفري الإبداعية هو تمسكه بمفردة «الحلم» مضموناً ولفظاً، تطل علينا هذه المفردة في كل القضايا التي يناقشها، فجدلية العلاقة بين المرأة والرجل ترتكز على محور الحلم الجميل، كما أن علاقاتنا العاطفية يربطها شيء من الحلم الشفاف، يظهر هذا الحلم كذلك في عناوين مؤلفاته من بينها: «الحلم المطعون» و«جزء من حلم»، كما لاحظ ذلك الباحث د. جلال أبوزيد هليل، في بعض رؤاه النقدية. يقول عنه: «عبدالله الجفري كاتب له مذاقه، وقلم له خصوصيته بأسلوبه الرشيق الذي يجمع بين روح الفيلسوف ووجدان الشاعر وذهن المصلح وشفافية الحالم الأبدي، ومع هذه الخصوصية التي تجعلك تعرف عمله من لغته فإن الجفري يأخذك إلى زمن العظماء في عالم الكلمة، حيث كان الحكيم وزكي نجيب محمود وإدريس. تلمس وأنت تجوب أرض الجفري وتتجول في رياضه، تلك الأرواح التي حلقت في سماء الثقافة العربية واستمتع بها جيل هو الآن في قمة عطائه، ويعد الجفري حلقة وصل مهمة بين جيلين في الأدب والإعلام معاً.

فقد استطاع ان يدعم الإعلام الأدبي بما يحتاج إليه هذا الإعلام من قضايا تمس اللحظة مثلما يكون لها بعدها الإنساني وتعتمد أيضاً على شاعرية الأداء والجمل السريعة المؤثرة غير المغرقة في المجاز وان كانت تسمح بتعدد المعاني طبقاً لتعدد مستويات القراء الذين يتابعون الإعلام الأدبي».

ولم تكن مفردة «الحلم» وحدها ما يملأ قاموس الجفري فقد كانت جعبته الإبداعية زاخرة بمفردات أخرى، وإن تكن تصب في النهر ذاته، نهر الشفافية والكلمة الرشيقة، يندر أن تقرأ صفحة كاملة مما يكتب الجفري من دون أن تمر عليك مفردات من مثل: الدفء، العطاء، التضحية، الحب، العشق، الوطن، وخفقة القلب، أليس الحب هو وطن الإنسانية، أليست التضحية والعطاء ضرورتين من ضرورات الوجود.

العيد والرحيل

هل كان من قبيل المصادفة أن يرحل الجفري عن عالمنا في يوم العيد، أوله أو ثانيه لا فرق. تختلف «الرؤية» ولكن الموت يوحدنا. منذ عدة أيام خلت كنت أتصفح كتابه «سطر... بدفء الكون» وهو الكتاب الوحيد الذي بقي معي مما اقتنيته من مكتبات مدينة الرياض، حين ولعي بكتابات الجفري أوائل التسعينيات، كنت أتصفحه ولم يخطر لي حينها أنني سأقرأ خبر وفاته بعد أيام معدودات، ولم يخطر لي كذلك أن الجفري سطر في هذا الكتاب كلمات جميلة عن «العيد» داعياً إلى التسامح والتعاطف والأخذ بيد الفقراء. هل كان يدرك رحمه الله أن رحيله سيكون في يوم العيد؟ يقول: «إن منظراً رائعاً يجذبك لتتأمله، «ليلة العيد»... تأمل نفسك كمرآة على وجوه الناس، الفقير فيهم والغني، أنت مثلهم، إذاً، تركض، وتجري وتفتش عن الفرح! أنت مثلهم... تتلفت نحو صبابة من صفاء النفس والروح، لترتفع بك من ذلك الانغماس النفسي والذهني في شؤون وشجون العمر(...) في العيد تطوف رغبة أولى أثيرة على كل الرغائب... فيها مقياس المعنى والروح الذي يتفوق على مقياس المادة وطغيان الذات. في العيد البسمات ينبوع محبة وفرح! النظرات جناحا حمامة بيضاء تصفق بمعنى السلام في مجتمع الناس(...) في العيد هناك الآلاف من المشردين في الخيام وفي الغربة... مئات السنابل الإنسانية على شكل أطفال...وآلاف الأرحام التي تتفتح من خلالها أمومة العالم، والعالم يشردها أو يقتلها».

رحلة الحلم والكتابة

• من مواليد مكة المكرمة عام 1939م.

• تلقى تعليمه بمكة المكرمة إلى نهاية المرحلة الثانوية (قسم أدبي).

• عمل موظفاً بإدارات: الأمن العام، الجوازات والجنسية، ثم وزارة الإعلام (مديرية الصحافة والنشر) و(المديرية العامة للمطبوعات).

• أعيرت خدماته من وزارة الإعلام إلى عدة صحف في سنوات متتالية... فعمل: سكرتيراً لتحرير صحيفة «البلاد» و«عكاظ» و«المدينة المنورة» ثم: مسؤولاً عن التحرير بصحيفة «عكاظ».

• شغل منصب «نائب الناشرين» بالشركة السعودية للأبحاث والتسويق التي تصدر صحيفة «الشرق الأوسط» اليومية، ومجلتي: سيدتي، والمجلة.

• أشرف على صفحات الثقافة والأدب بصحيفة «الشرق الأوسط» يومياً... وعلى إعداد وتقديم ملف الثقافة في مجلة (المجلة)، ونائباً لرئيس تحرير «الشرق الأوسط» للشؤون الثقافية.

• استمر يكتب عموداً يومياً في كل صحيفة احتضنت نشاطاته تحت عنوان: (ظلال) إلى جانب إبداعاته الأدبية في: القصة القصيرة، والرواية، والمقال الأدبي والإبداعي.

• كلف بإنشاء مكتب صحيفة (الحياة) اللبنانية في المملكة العربية السعودية... مع استمراره في كتابة زاوية يومية في نفس الصحيفة بعنوان «نقطة حوار».

• كان يكتب صفحة أسبوعية في مجلة (الجديدة) بعنوان: كلمات فوق القيود، وصفحة أسبوعية في مجلة (اليمامة) السعودية، بعنوان: موانئ في رحلة الغد، وعموداً يومياً بصحيفة «عكاظ» بجدة، عنوانه: (ظلال).

2 ) •شارك بالكتابة في عدد من الصحف والمجلات العربية... فكان يكتب عموداً يومياً في طبعة (الأهرام) الدولية بعنوان «نقطة حوار» قبل إصدار صحيفة الحياة... وكتب في مجلات مصرية بشكل أسبوعي دائم في كل من: آخر ساعة، أكتوبر، صباح الخير... وكان يكتب صفحة أسبوعية في صحيفة (الرأي العام) الكويتية.

• الجوائز التي حصل عليها:

• الجائزة التشجيعية في الثقافة العربية: من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في 20 ديسمبر عام 1984م، تقديراً على كتابه: (حوار في الحزن الدافئ).

• جائزة «علي ومصطفى أمين للصحافة» عام 1992: على مقالاته الرائعة.

• جائزة «المؤتمر الثاني للأدباء السعوديين» بإشراف جامعة «أم القرى»: تقديراً لدوره البارز في إثراء الحركة الأدبية والثقافية في المملكة 1998م.

• جائزة (المفتاحة) لعام 1421هـ- 2000م، عن لجنة التنشيط السياحي بعسير، تكريماً لجهوده المتميزة في الكتابة والصحافة.

• الزمالة الفخرية من «رابطة الأدب الحديث» بالقاهرة.

• شهادة تقدير من «الجمعية العربية للفنون والثقافة والإعلام» التي أسسها الشهيد الروائي يوسف السباعي، وذلك تقديراً لإنجازاته الجليلة وعطائه الوافر للمجتمع في 1986م.

•جائزة تقديرية وشهادة من صحيفة (الرياض) عام 1422هـ، وتسمى: جائزة التنوع والالتزام.

•جائزة تقديرية وشهادة من (جمعية لسان العرب) للحفاظ على اللغة العربية التابعة للجامعة العربية عام 2005م- 1426هـ.

إصدارات المؤلف:

• حياة جائعة

• الجدار الآخر: مجموعة قصصية

• الظمأ

• جزء من حلم

• زمن يليق بنا

• الحلم المطعون: (الطبعة الثانية) رواية.

• تلك الليلة

• أيام معها

• العشب فوق الصاعقة

• العاشقان

• لحظات (الطبعة الثانية)

• نبض: خواطر وتأملات.

• 100 خفقة قلب

• برق لجنون المهرة: مضمون إنساني- إبداعي.

• هذا يخصك سيدتي

• حوار... في الحزن الدافئ: ميلودراما حوارية

• فقط (الطبعة الثالثة): قراءة نفسية في أعماق امرأة متميزة.

• أنفاس على جدار القلب

• حوار... وصدى: رؤية إنسانية عبر الحوار.

• أبواب للريح والشمس: نافذة على رحيق الثقافية.

• رسائل حب عربية: (الطبعة الثانية) شرائح إنسانية- وجدانيات.

• عصر الكلمة العار: فضح لسقوط الفكر المنحرف.

• المثقف العربي... والحلم: بانوراما عن الواقع الثقافي العربي وشروخه.

• الزيدان: زوربا القرن العشرين: صفحات عن المعلم.

• سطر... بدفء الكون: (لوحات إنسانية).

• لوحات... على الشفق: خواطر وتأملات.

• من كراستها الخاصة: وجدانيات.

• وطن... فوق الإرهاب: رؤية لأبعاد الغلو والتطرف في الفكر الديني.

• نزار قباني: حكاية معشبة لصداقة قصيرة آخر سيوف الأمويين الذهبية.

back to top