الأزمة الوشيكة مع إيران

نشر في 18-12-2008 | 00:00
آخر تحديث 18-12-2008 | 00:00
 ريتشارد هاس حين يتولى باراك أوباما منصبه في يناير سيجد في استقباله العديد من التحديات العصيبة، أولها الأزمة الاقتصادية الحادة. بيد أنه لن يملك تَرَف التركيز على هذا التحدي على نحو حصري، بل سيكون لزاماً عليه أيضاً أن يتعامل مع مجموعة من تحديات السياسة الخارجية التي ربما تكون أهمها مسألة إيران وبرنامجها النووي، التي ستشكل أولى أزمات السياسة الخارجية في مواجهة إدارة أوباما.

والسبب بسيط. لقد قطعت إيران شوطاً طويلاً نحو امتلاك القدرة على تخصيب اليورانيوم بكميات كافية لإنتاج السلاح النووي. وطبقاً للتقرير الصادر أخيراً عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقد تصل إيران إلى هذه النقطة في غضون عام 2009.

إن امتلاك إيران للسلاح النووي أو القدرة على تصنيع قنبلة أو أكثر في مدة زمنية قصيرة يشكل خطراً حقيقياً. ومع ذلك يظل أحد المسارات المتاحة أمام الإدارة الأميركية الجديدة أن تتبنى خياراً مماثلاً لما حدث مع كوريا الشمالية، وأن تتعايش مع التهديد. ومكمن الخطر هنا أن هذا الخيار من شأنه أن يجعل الشرق الأوسط غير المستقر والميال إلى الصراع أكثر عُرضة لعدم الاستقرار والصراعات.

ففي حال نشوب أزمة قد تنقاد إسرائيل أو إيران وراء إغراء استخدام الأسلحة النووية خشية أن يستخدمها الطرف الآخر إن لم تستخدمها هي. والاحتمال قائم أيضاً في أن تسعى بلدان أخرى مثل مصر أو المملكة العربية السعودية إلى إنتاج الأسلحة النووية أو حيازتها. وتستطيع الولايات المتحدة أن تتخذ بعض الخطوات لتقليص هذه المخاطر، بما في ذلك تقديم أنظمة الدفاع الصاروخية والضمانات الأمنية لبلدان منتقاة، ولكن ليس من الواضح أن مثل هذه الجهود قد تصادف النجاح.

فضلاً عن ذلك، فإن المزيد من الانتشار النووي ليس الخطر الوحيد المحتمل إذا ما استأنفت إيران جهودها النووية. إذ إن ما تقوم به إيران من أفعال، سواء بشكل مباشر أو من خلال جماعات مثل «حزب الله» و«حماس»، سيواصل تأثيره بصورة سلبية في أغلب الأحوال، على مستقبل العراق، وأفغانستان، ولبنان، وفلسطين. إن إيران الآن واحدة من أعظم بلدان الشرق الأوسط قوة. وإيران النووية من المرجح أن تمارس قدراً أعظم من العنف في أنحاء المنطقة المختلفة، على اعتقاد منها بأن قدراتها النووية توفر لها قدراً كبيراً من الحماية.

الخيار الثاني يتلخص في قيام الولايات المتحدة أو إسرائيل أو الاثنتين معاً بتوجيه ضربة إلى المنشآت النووية المعروفة في إيران. ومن المؤكد أن مثل هذه الضربة الوقائية من شأنها أن تدمر بعض أو أغلب المنشآت والمواد النووية الإيرانية الموجودة. ولكن من المرجح أن تنجو بعض القدرات النووية، وقد تعيد إيران بناء برنامجها النووي على مدى سنوات عدة على النحو الذي من شأنه أن يجعل من توجيه ضربة ثانية أمراً أشد صعوبة.

ولن يخلو الأمر من عواقب وخيمة حتى قبل الوصول إلى تلك النقطة بأمد بعيد. فمن غير المحتمل على الإطلاق أن تتقبل إيران ببساطة ضربة عسكرية موجهة إليها من الولايات المتحدة أو إسرائيل. وقد تكون ردة الفعل الانتقامية المتوقعة من جانب إيران أن تهاجم القوات الأميركية في أفغانستان والعراق، وأن تشن هجمات إرهابية في مختلف أنحاء المنطقة والعالم، وأن تعرقل حركة ناقلات النفط في مضيق هرمز. لا شك أن آخر ما يحتاج إليه الاقتصاد العالمي الآن هو أن يتجاوز سعر برميل النفط مئتي دولار، لكن هذا قد يحدث.

الأمر المؤكد هنا أن كلا الخيارين- التعايش مع إيران النووية أو مهاجمتها- ينطويان على مخاطر جسيمة وتكاليف باهظة. إن أفضل النتائج التي من الممكن أن نتوصل إليها لابد أن تكون قائمة على سيناريو يشتمل على إقناع إيران بتجميد جهودها النووية أو تعليقها، أو الأفضل من ذلك أن تتخلى عن اكتساب القدرة المستقلة على تخصيب اليورانيوم. ومن المتصور أن يُـسمَح لإيران بقدر رمزي من «حق» التخصيب، ولكن أي برنامج للتخصيب لابد أن يكون ضئيلاً جدا بحيث لا يشكل تهديداً استراتيجياً. ومن الأهمية بمكان أيضاً أن يكون أي برنامج للتخصيب خاضعاً لعمليات تفتيش شديدة التدخل والمباغتة، حتى يكون العالم على يقين تام من أن إيران لا تعمل سراً على تخصيب اليورانيوم أو إنتاج الأسلحة النووية.

ولكن ما الذي يتطلبه الأمر حتى يصبح في الإمكان إلغاء الجهود الإيرانية الرامية إلى تخصيب اليورانيوم؟

بادئ ذي بدء، يتطلب الأمر تجميع حزمة دبلوماسية تعرض على إيران الحصول على الطاقة النووية ولكن ليس السيطرة المادية على المواد النووية. ومن الممكن تخفيف العقوبات الاقتصادية التي تضر بالاقتصاد الإيراني المضطرب. ومن الممكن أيضاً توفير الضمانات الأمنية لإيران وتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة وغيرها من بلدان العالم.

ليس هناك ما يضمن قبول إيران لمثل هذا العرض. ولكنها قد تقبله، خصوصا الآن بعد أن هبطت أسعار النفط إلى ما دون الخمسين دولاراً للبرميل، وهو المستوى الذي من شأنه أن يجعل الاقتصاد الإيراني في وضع أسوأ من أي وقت مضى.

من المفيد أيضاً أن يكون من الواضح أن إيران ستواجه عقوبات إضافية، بما في ذلك فرض القيود على قدرتها على استيراد النفط المكرر، إذا رفضت تبني تسوية معقولة وعادلة. ومن الأهمية بمكان أن يتم إقناع روسيا والصين بدعم حزمة الشروط والحوافز والعقوبات. فضلاً عن ذلك، فإن احتمالات قبول إيران لمثل هذا العرض قد تتزايد إذا ما طُـرِحت التفاصيل علناً. وقد يقرر الشعب الإيراني في الانتخابات المقبلة المقرر انعقادها في يونيو 2009 أن يختار قادة قادرين على توفير مستويات معيشية أفضل، وأن ينبذ القادة الذين قد يدفعون بالبلاد إلى الحضيض.

ولكن من المحتمل أن ترفض إيران أي تسوية دبلوماسية حتى لو كانت مطروحة بصورة مباشرة من جانب الولايات المتحدة. وإذا ما حدث ذلك فلابد أن يختار أوباما والعالم بين التعايش مع إيران التي تمتلك السلاح النووي (أو القدرة على إنتاجه في وقت بسيط)، أو اللجوء إلى القوة العسكرية لمنع هذه النتيجة. الحقيقة أن كلا الخيارين مُـر، وهو ما يجعل عملية الاختيار هنا أمراً بالغ الصعوبة. ولهذا السبب تتجلى أهمية إعادة صياغة العملية الدبلوماسية ومنحها فرصة أخيرة.

* مدير تخطيط السياسات الأسبق لدى وزارة خارجية الولايات المتحدة، ورئيس مجلس العلاقات الخارجية حالياً.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

غداً: جوزيف ستيغليتز «خبراء الاقتصاد والانتصار المرير»

back to top