صناعة الفرحة!

نشر في 11-12-2008
آخر تحديث 11-12-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي يجيء عيد الأضحى هذا العام مع قرب احتفالات عيد الميلاد في الغرب، وفي بلاد الغرب يصنع الناس لأطفالهم عالما سحريا من نسج الخيال بأن يقولون لهم: إن الرجل العجوز الطيب القديس نيكولاس الذي يسكن القطب الشمالي المتجمد، يأتي ليلة الكريسماس على عربته المحملة بالهدايا، عربة أشبه بالزلاجات الثلجية، وتجرها حيوانات خرافية تمشي على الأرض وتطير في السماء. ويدخل القديس المنازل من فتحات المداخن ويضع الهدايا لكل من كان سلوكه حسنا من الأطفال، لأن القديس العجوز القابع في أصقاع القطب الشمالي يتابع سلوك الأطفال طوال العام.

ينهمك الأطفال قبل قدوم أعياد الميلاد بكتابة الرسائل للقديس العجوز، شارحين فيها كيف أنهم يستحقون ما يطلبونه من هدايا، وكيف أن سلوكهم كان مثاليا طوال العام باستثناء فعلة أو فعلتين، وهم نادمون على القيام بها الآن ويعدونه بأن سلوكهم سيتحسن في العام المقبل ليصبح مثاليا تماما.

بعض وسائل الإعلام في الغرب، تتآمر مع الآباء لتأكيد صحة تلك القصة الخيالية، ففي ليلة الميلاد وبينما يجتمع الأهل على مائدة العشاء، أمام التلفزيون، يأتي الرجل الذي يعد برامج الطقس، وبعد أن يتحدث عن درجات الحرارة وعن الثلوج المتوقعة هبوطها، يتأهب الأهل ويحثون الأطفال على متابعة تلك النشرة الجوية المهمة، وما تمضي إلا لحظات حتى يعبر مذيع الطقس عن دهشته معلنا أن الرادار الخاص بالطقس قد لمح جسما غريبا في السماء، يعتقد أنه القديس نيكولاس بعربته التي تجرها غزلان المطر، ويفرح الأطفال لأن الرؤية قد تأكدت، وأن الرجل الطيب العجوز الذي يتابع سلوكهم طوال العام قادم إليهم ومحمل بما طلبوه من الهدايا.

وبالطبع قد قرأ الآباء رسائل الأطفال إلى القديس نيكولاس وجلبوا لأطفالهم الهدايا التي طلبوها، وبهذا يدخل عيد الميلاد عالم الخيال السحري والفانتازيا، مما يخلق جوا خرافيا يحيط بالعيد، جوا نسجه الآباء والأمهات والإعلام وربما الأمة برمتها من أجل إدخال أطفالهم في سحر وفرحة العيد.

أما عندنا، فقد باتت تستوقفني عبارة أسمعها من كثيرين عندما تسألهم عن أحوالهم في العيد وهي: «عيدٌ... بأي حال عدت ياعيد»، وكذلك لا يمل الكتاب من تكرار العبارة ذاتها في عناوين مقالاتهم في كل عيد. هذه العبارة المكررة هي الشطر الأول من بيت في قصيدة كتبها المتنبي عند خروجه من مصر، وبقية القصيدة معروفة، قصيدة حزينة وفيها، بغض النظر عن قيمتها الفنية الشعرية العالية، من العنصرية والحقد ما لو قرأها أوباما لشن حملة جديدة على بلاد العرب. أرجو ألا أُفهم خطأ، فإنني مثل غيري من العرب أرى المتنبى شاعرا عظيما، ولكنه كما يشير اسمه فهو متنبي وليس نبيا وبذا لا يكون منزها عن النقد أو المراجعة. أوباما، وكل ذي بشرة سمراء لن يكون سعيدا عندما يقرأ أبياتا في القصيدة ذاتها مثل: «لا تشتر العبد إلا والعصا معه،... إلى «من علم الأسود المخصي مكرمة/ أقومه البيض أم آباؤه الصيد».. وبقية الأبيات المفعمة بالعنصرية العرقية.

أعتقد أن الحضارات قد «تشك» أحيانا كالأسمنت، أي تتيبس. أتمنى ألا تكون حضارتنا قد «شكَّت». فكلما جاءت مناسبة في بلاد العرب كان الفرح فيها رسميا منمقا ومفتعلا، لا نستطيع الضحك إلا على نكتة مرسومة ومرصوصة رصا، لا نضحك بعفوية، وإن ضحكنا تكون ضحكاتنا كممثل على المسرح نراقب من حولنا وكأنهم يشاهدوننا ونحن نضحك، فرحتنا وبهجتنا ليست، على ما أظن، لأنفسنا وإنما ليشاهدنا غيرنا ونحن نتقمص شخصية المسرور.

ترى لماذا لا يبتهج العرب بعفوية، أو يفرحون بعفوية أو يضحكون بعفوية؟ لماذا تمتلئ أحاديثنا الممتلئة «بالكليشيهات» المنمقة، كلام قيل قبل ذلك مرارا وتكرارا؟

عندما كنا في سنوات الدراسة الإعدادية وبداية الثانوية، وبدأ دبيب العشق يمشي في عروقنا، تفجرت قريحة البعض عن شراء بطاقات مكتوب عليها قصائد أو عبارات غزل، كنا نرسلها إلى الفتيات، إنه كلام غيرنا، أحب به آخرون، وما بقي فيه من رحيق الحب، كلام «شك» وتيبس كما الأسمنت. كان مفيدا عندما كان طريا أو في حالة استخدامه للمرة الأولى. الآن وفي عصر الموبايل والـ«تكست مسج» أو الرسائل القصيرة، تصلنا نكتة فتضحكنا، وما هي إلا دقائق حتى نرسلها لأصدقائنا، كلام لم نكتبه، كتبه غيرنا لإضحاك مَن حوله وقمنا بإرساله لغيرنا ظنا منا أن ما أضحكنا لابد أن يضحك غيرنا.

لا شك أن عيد الأضحى فيه الكثير من البهجة الشخصية لو قررنا في يوم ما أننا أفراد ولسنا قطعانا. لدينا في حضارتنا الكثير ماهو غزل أولي لقصص خيالية تجعل الإنسان في حالة بهجة ووجد مستمرين، مادة خام على المسلمين أن ينسجوا منها بهجة لأطفالهم، شيء أقرب إلى خيال الآباء في الغرب وقصص القديس الطيب المسافر على بساط الريح محملا بالهدايا، علينا أن نقول لبعضنا في العيد شيئا مبهجا خاصا بنا وألا نكرر مقولات بائسة، حتى لو كانت أبياتا لشاعر بحجم المتنبي.

* مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية- IISS

back to top