دراسة المطيري: القانون هو العصا المستقيمة للعدالة

نشر في 07-12-2008 | 00:00
آخر تحديث 07-12-2008 | 00:00
No Image Caption
تنشر «الجريدة» دراسة للمحامي أنور المطيري بعنوان «مبادئ القانون وتحقيق العدالة» وفي ما يلي نعرض الجزء الثاني من هذه الدراسة.

تعتبر دولة الحق والقانون نقيض دولة الاستبداد، التي نجد فيها الحكام يمارسون فيها السلطة حسب هواهم ويقيدهم في ذلك قاعدة قانونية، في حين أن دولة الحق يقيد القانون الحاكم، وباقي السلطات العامة، كما تكون جميع التدابير الفردية التي تتخذها السلطات إزاء المواطنين مطابقة لقواعد قانونية وتخضع السلطات العامة لممثلي الشعب، كما يتم احترام آلية تدرج القوانين مع وجود محاكم مستقلة تسهر على احترام القانون واحترام هرمية القواعد القانونية.

إن مفهوم دولة القانون «ETAT DE DROIT» تشهد تداولاً مكثفاً خلال العقدين الأخيرين من ق20، فتحول على النتيجة ذلك إلى حجة مرجعية في النقاش السياسي بخصوص مشروعية الدولة ودرجة شرعية أعمالها، كما واكبت هذا الاستعمال مجهودات منهجية ترمي في مجملها إلى مقاربة المفهوم بقدر من الدقة والوضوح والشمولية، ويستلزم التنبيه إلى ريادة المدرسة الألمانية في بلورة المفهوم وتأصيله ثم حدث في المدرسة الفرنسية نفس المنحى لاحقاً مع العلم أن النقاش حول «دولة القانون» لم يحسم بعد، إذ مازال الاجتهاد متجدداً بشأن طبيعة المفهوم ونطاقه، وحدود امتداده ليس داخل الفكر السياسي الغربي المعاصر فحسب وحتى في النصوص المنتمية الى أنساق حضارية مغايرة كما هو الشأن للفكر السياسي العربي الإسلامي.

والجدير بالذكر أن مصطلح دولة القانون اعم من دولة الحق والقانون إذ يؤكد سمو القانون على الإدارة على صعيد التطبيق والممارسة، فالدولة لا تكتفي بالامتناع عن التدخل بشكل مخالف للقانون، بل هي مجبرة على التصرف وفق قواعد وأحكامه كما يتجلى هذا في النظرية الألمانية التي يتزعمها «كاري ومالبرغ» لذا فدولة القانون ليست محكومة بالقانون وحسب بل خاضعة له أيضاً.

الدولة مصدر القانون وهو الذي يضمن استمرارها، ولكونها صاحبة الحق في تحديد القواعد المنظمة لتصرفاتها ونشاطها، لذلك تخضع من تلقاء نفسها للقانون وليس بفضل ضغط أو إكراه أو قوه مسلطة عليها من خارجها بسبب أن الدولة في حاجة الى ان يُطبق القانون ويحترم، لأنه كلما نفذ القانون تمتعت الدولة بالمطابقة والملاءمة، علاوة على رغبة المجتمع في رؤية القانون مطبقاً ومنفذاً ومحققاً للعدالة.

أما النظرية الفرنسية فلا تطبق نظام «دولة القانون ETAT DE DROIT» بل نظام الدولة القانونية «LE SYSTEME DE L̓ETAT LEGAL» مبرزاً الفرق بين الوضعيتين، حيث يقيد القانون نشاط الدولة في الحالة الأولى وتكون الأسبقية للدستور دون أن يتعرض القانون لأي شكل من أشكال الاعتراض، في حين تكون في حالة ثانية «الدولة القانونية» أمام وضعية تكفل حماية الأفراد وصيانة حريتهم، حيث تكون الحقوق في منأى عن كل خرق أو مس من أية جهة، بما في ذلك الجهاز التشريعي، فهكذا تكون الدولة القانونية إطارا لتنظيم السلطات في حين تتحقق «دولة القانون» لتكريس مبدأ حماية حقوق الأفراد وحرياتهم.

يمكن القول إن «دولة القانون» هي بديل عن السلطة المطلقة التي يملكها فرد أو مجموعة ما، وهو كذلك بديل لحكم يصدر عن القوة الجسدية أو النفوذ الذي يمتلكه شخص ما أو مجموعة ما من طرف الحاكم أو المال أو العصبية إلى غيرها من إشكال النفوذ، وبهذا المفهوم تكون دولة القانون نقيضها للدولة التعسفية والدكتاتورية من حيث إنها بديل لاغتصاب الحقوق والظلم والتعسف في مقابل تبنيها قيما سامية ونبيلة تحقق الكرامة والحرية للشعوب، فدولة القانون تنظم السلطة على أساس الحق والعدل والإنصاف، وعلى أساس نصوص مكتوبة لا تترك الأهواء والتسلط مجالاً للتدخل، وبالتالي يستطيع المجتمع ضمان حريته الخاصة وضمان مصالحه، فلا يتحرك إلا تحت مظلة القانون الذي يضبط الأحكام ويقيد الحاكمين بنصوص وإجراءات لا يمكن تجاهلها.

فالشعوب في هذه الحالة أو الوضعية لا تقبل أن تفرض عليها القوانين من سلطة عليا دون أن يكون على الأقل قد رضي بها، وبالتالي فالحاجة إلى دولة القانون مطلب أساسي وضرورة ملحة لإحقاق الحق وتكريس مبدأ العدالة وكل ذلك في سبيل إقرار النظام والتقدم للمجتمع.

إن صدور القانون وإقراره في ظل «دولة القانون» لا يستفيد منه الفرد والمجتمع فحسب، ولكنه يمنح للدولة قوة واحتراماً داخل المجتمع الذي تسيره ويمنح سلطتها المصداقية، علاوة على الاحترام الدولي أو الخارجي الذي تكون الدولة في حاجة إليه لتكون مكانتها الدولية محترمة الجانب.

back to top