وليد منير

نشر في 29-05-2009
آخر تحديث 29-05-2009 | 00:00
 محمد سليمان هناك شعراء يحيلهم الغضب والتمرد على الواقع إلى عواصف تهز وتجتاح وتقلق، وشعراء يحيلهم الغضب والتمرد نفسه إلى حكماء ومتأملين يعبئون شعرهم بكل صور الاحتجاج، ومن هذا النوع الأخير كان الشاعر المصري وليد منير أحد شعراء السبعينيات الجادين والمتميزين الذي رحل قبل أيام بعد أن مهد لهذا الرحيل بقصائد عديدة منها «غيمة لسفر طويل» التي يقول فيها:

«أفسحوا لي / أنا خارج من عيون المها / داخل في عيون القتيل

أفسحوا لي / أنا عابر من جنازة قلبي / إلى عرس أخطائكم

فلا زمني عبرة للمرايا / ولا حجرٌ في مكاني دليل».

وكأغلب شعراء السبعينيات لم تلق تجربة وليد منير الشعرية ما تستحقه من تأمل ودراسة وإضاءة نقدية، فقد ظلت دواوين هؤلاء الشعراء محاصرة حتى أوائل التسعينيات، ثم صدرت في الأعوام الأخيرة وأربكت القراء والنقاد بكثرة عددها «ما يقرب من مئة ديوان» وبتنوع تجارب الشعراء وتجريبهم وميل بعضهم إلى توظيف كل الأشكال الشعرية، انطلاقاً من محورية الموهبة ودور الشاعر كمبدع وصانع للأشكال التي تلائم تجاربه، لذلك تتجاور في بعض مجموعات وليد منير القصائد التفعيلية والنثرية والعمودية التي تشكل وجه الشاعر وصوته وتجربته، ومن ثم نقرأ من ديوانه الأخير «الروح تعزف الموسيقى» الصادر قبل شهرين عن دار التلاقي في قوله في إحدى قصائده:

«اقرؤوا ما تيسر يا أصدقائي / على روح هذا الفتى العبقري / اقرؤوا ما تيسر

«إنا فتحنا...»

وقد فتح الله دوماً له / في الغرام ممالك من لازوردٍ/ وما كان من مُرسلٍ أو نبي».

وواضح أن الشاعر في مرضه الطويل الأخير كان يحاول بالشعر وبالتشبث بالحياة قهر الغياب وإزاحة الوهن والموت، وقد غلف هذا الهم بظلاله الكثيفة كل قصائد المجموعة، فمنير كان رغم ابتسامته وهدوئه يدرك ويرى ملامح غيابه، ويعرف أنه يخوض معركته الكبرى ضد الفشل الكبدي الذي أنهى قبل شهور حياة القاص والروائي يوسف أبو رية، وشاعر العامية محمد الحسيني، وقبلهما الشاعر محمد فهمي سند، والقاص محمد مستجاب، هي معركة خاسرة إذن خصوصا في بلاد لا ترحب في الوقت المناسب بمساندة الشعراء والكتّاب في محنهم، وتماطل وتسوف لكي تعين الموت على اختطافهم.

قصائد وليد منير مشحونة بالحس الإنساني وبهمومه الذاتية وبقضايا الوجود الرئيسة، وفي مقدمتها الموت- الاغتراب- الزمن والتحول خصوصا أن حياة الشاعر كانت ساحة لتحولات كبيرة ومؤثرة، فقد تخرج من كلية الهندسة وعمل مهندساً في إحدى الشركات، ثم غير مهنته في بداية الثمانينيات، ودرس النقد الأدبي والدراما في أكاديمية الفنون المصرية، وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من المعهد العالي للنقد الفني عامي 1987- 1990 وكان قبل رحيله يعمل أستاذاً للأدب العربي الحديث بجامعة القاهرة، وهذه التحولات كانت بنت ولعه بالتغيير والتمرد على الواقع، وبنت إحساسا حادا بالزمن، وبفاعليته المدمرة التي تحدث عنها في قصائده:

«الجمال الذي هزني / قد يكون هو الموتُ / فالماءُ يعلو ويهبط / والغصن يورق ثم يجف / وحقل النجوم يزول سريعاً / وحتى الجميلات يولدن كي ينتظرن صباحاً

يُعالجن فيه التجاعيد والشيب / لا شيء يبقى».

ورغم هذا الولع بالتغيير لم يكن وليد منير شاعراً صاخباً مغرماً بالتقاليع أو الانقلابات التي هدفها الإثارة ولفت الأنظار، فقد آثر الهدوء والتأمل ومعايشة تجاربه واحتضانها وبلورتها قائلاً في إحدى قصائده:

«ليس من حق أحد / أن يرى غرفة كنزي

فأنا أفتحها وقتما شئتُ / لمن شئت

وأعطيه من البحر سماءْ / ومن الروح جسدْ»

عشرة دواوين صدرت للشاعر من أهمها «قصائد للبعيد البعيد- وبعض الوقت لدهشة قصيرة- وهذا دمي وهذا قرنفلي- وسيرة يد– وقيثارة واحدة وأكثر من عازف– وطعم قديم للحلم» بالإضافة إلى خمس مسرحيات شعرية قصيرة، وأربعة كتب نقدية، وقد صدّر ديوانه الأخير «الروح تعزف الموسيقى» بعبارة «كلهم يريدون مني ووحدك أنت تريدني» لأبي اليزيد البسطامي ليشير بها إلى سعيه كشاعر متميز لامتلاك الشعر والذوبان فيه.

* كاتب وشاعر مصري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top