بين أدونيس والغذامي

نشر في 18-01-2009
آخر تحديث 18-01-2009 | 00:01
 آدم يوسف منذ أطلق عبدالله الغذامي مقولاته النقدية الشهيرة: «فحولة القصيدة»، و«الأنساق الثقافية المضمرة»، و«الصنم البلاغي»، لم تتوقف الأقلام الصحافية التي تثير القضية من وقت إلى آخر، لاسيما أن الغذامي يتعرض عبر مقولاته هذه لشخصيات اعتبرها الناس علامة بارزة في تاريخ الثقافة العربية مثل: المتنبي وأبي تمام ونزار قباني وأدونيس.

يبدو الأخير هو الأكثر جدلاً من بين هذه الأسماء، ربما لسبب معاصرته للغذامي، أو لسبب ما عُرف عنه بأنه أحد آباء الحداثة العربية المعاصرة، والغريب أن الغذامي يصر على وصف أدونيس بالتقليدية والرجعية الثقافية، ويحاول جاهداً إثبات ذلك عبر تتبعه لما يسميه بـ«الأنساق الثقافية المضمرة».

التأويل المعجمي لهذا المصطلح الغذامي لا يُفضي إلى نتيجة، فالنسق في اللغة هو ما جاء على نظام واحد، بحسب تعريف كثير من المعاجم، وقد يأتي مُرادفاً لمعنى البنية ومعنى النظام، بحسب الغذامي ذاته الذي يصر على أن فكرة النسق في كتاباته تختلف جذرياً عما يتداوله الكتّاب الآخرون، فهي تكتسب قيماً دلالية وسمات اصطلاحية خاصة، تتيح له تناول النصوص موضع الدراسة عبر ما يسميه بـ«مواصفات الوظيفة النسقية»، وهي أربع مواصفات ليس المجال لذكرها هنا.

المهم أن الغذامي انتهى إلى أن أدونيس يسير عبر كتاباته كلها منضوياً تحت لواء هذه الأنساق المضمرة، فعبر تتبع نتاجه الإبداعي والنقدي وحواراته المحكية والمكتوبة، ينتهي إلى أن أدونيس رجعي ومستبد في رأيه، وهو يبالغ في نفيه للآخر، ويثبت ذلك عبر محورين أساسيين استخلصهما من كتابات أدونيس هما «السحرانية والفحولية»، والمقصود بالسحرانية قولنا إن الشعر يقوم على اللامعقول واللامنطقي، وإنه سحر لفظي وهي المقولة التي تتداولها الثقافة العربية عبر قرونها الممتدة، الأمر الذي يسهل للأنساق المضمرة أن تفعل فعلها لأننا مهيأون بما يكفي لتقبّل هذه الفكرة.

أما المحور الآخر الذي يتخذه الغذامي منطلقاً للهجوم على أدونيس عبر كتابيه «النقد الثقافي» و«ثقافة الصورة» فهو «الفحولية»، التي يرى أن أدونيس نموذج أصيل لها، يدلل على ذلك بتعاظم الأنا الشعرية عنده وهي الأنا الكلية التي تنفي جميع ما عداها وتعتبر ذاتها محوراً للكون.

في مقاله الأخير الذي نُشر في العاشر من الشهر الجاري يطرح الغذامي سؤالاً هو: ماذا لو صار أدونيس زعيماً عربياً؟ الجواب السريع هو: أنه سيكون طاغية سياسياً ومتفرد الرأي والحكم. هذه النتيجة التي انتهى إليها الغذامي جاءت بعد تتبع نصوص أدونيس كما قلنا واستخلاص محوري السحرانية والفحولية.

لم يشأ أدونيس أن يدخل في صراع مباشر مع الغذامي عبر سجال صحافي أو كتابات فكرية معمقة، لكنه لم يلزم الصمت كذلك، فهو يرد عليه في عبارات مجتزأة وعبر حواراته الصحافية، يقول إن الغذامي يجتزئ نصوصه وكلماته من سياقها اللغوي ويطلق عليها أحكاماً مغلوطة، ويمعن أدونيس في السخرية حين وصف الغذامي بأنه يتناول النصوص بعقلية «خطيب جمعة».

الطريف في الأمر أن الغذامي أبدى تفهمه لهذا الوصف الذي أطلقه عليه أدونيس، ويعزو ذلك إلى أن الأخير لا حيلة له في ما يقول لأنه محكوم بـ«الأنساق الثقافية المضمرة» التي تعتمد الفحولية ولاترى إلا ذاتها.

لم تنتهِ معركة أدونيس والغذامي إلى هذا الحد، بل رأينا على الجهة الأخرى مريدي أدونيس ومحبيه ينشطون للدفاع عنه، ومن بينهم الناقد كمال أبو ديب الذي قال صراحة إنه لا مجال للمقارنة بين أدونيس والغذامي وهو أمر مستغرب بحسب رأيه. وطبعاً انتفاء المقارنة هنا يفضي بنا إلى فكرة مفادها تفضيل أدونيس وجعله في مرتبة تفوق الغذامي، فهبت بعض الأقلام في الصحف السعودية للرد على (أبو ديب) بعضها مدفوع بالحماسة على اعتبار أن الغذامي أصبح رمزاً ثقافياً سعودياً لا يقبل المساس، وهي الفكرة ذاتها التي تقودنا إلى سجال عاطفي يجعل أدونيس في مرتبة تفوق المساءلة.

يكون الحوار الفكري مثمراً حين نبنيه على قواعد ومقولات ثقافية وليس انفعالات عاطفية.

back to top