الصراخ على قدر الألم

نشر في 30-09-2008
آخر تحديث 30-09-2008 | 00:00
 بسام عبدالرحمن العسعوسي بعد أن فاز النائب السابق دعيج الشمري في الانتخابات اشتاط صاحب الخبرة الدستورية غضباً وألماً وحسرة، إذ كيف يكون خبيراً دستورياً أكاديمياً ولا يحالفه الحظ، بل يحصل على مركز متأخر، وهو من هو- بحسب اعتقاده طبعاً- وينجح زميله الذي لا يملك كاريزما ولا خبرات قانونية ودستورية؟!

وبصراحة أقول إن خبيرنا معه كل الحق في إلقاء اللوم على جموع الناخبين الذين أسقطوا الخبير وأنجحوا الفقير... فتلك المسألة وهذه الحادثة تركت أثراً كبيراً في نفس وهوى خبيرنا الدستوري، بل أثرت تلك «العقدة» في تصرفات وآراء صاحبنا حتى جنّ جنونه، وما عاد يعرف ماذا يقول أو يعي ماذا يكتب؟! وبمناسبة الحديث عن الخبراء الدستوريين لا يسعنا إلا أن نستذكر ونترحّم على الأستاذ الكبير والعلامة النِّحرير الدكتور عثمان عبدالملك الصالح الذي عندما كان بيننا رحمه الله لم يكن يجرؤ أي أحد في كلية الحقوق أو غيرها لا بالتصريح ولا بالتلويح على قول آرائه طالما عثمان عبدالملك لم يدلِ بدلوه، وكان الجميع يصمت صمت الأبدية ولا تسمع له صوتاً في حضرة الأستاذ الأول عثمان.

لكن، وآه من لكن! فبعد صدور حكم المحكمة الدستورية الأخير الخاص بالطعون الانتخابية مازال خبيرنا الدستوري يعتقد أن هناك من الأعضاء من هو مشكوك في صحة عضويته!! أيعقل هذا بالله عليكم! فأنا أستطيع أن أقبل هذا الكلام من العوام والجهال، لكن أن يقوله خبير دستوري... فهذا والله لا يقبله عقل ولا منطق!

أعتقد أنه ليس بالضرورة أن تكون خبيراً دستورياً لكي تكون محامياً ناجحاً. فبعد أن غزا بعض أساتذة كلية الحقوق مهنة المحاماة وساحات المحاكم- لوجود عيب في قانونها- رأينا وشهدنا بأم أعيننا أنهم يجهلون أبجديات العمل المهني، وكيفية الوقوف أمام قوس المحكمة العادل، بل الأدهى والأمّر من ذلك أنهم «يتخبطون» عند إثبات حضورهم في محاضر الجلسات، بل يجهل بعضهم، وبأسلوب يدعو إلى السخرية والضحك، عمن يحضر أعن المدعي أم المدعى عليه؟!

كنا نشفق على كثيرين منهم ونتساءل: ماذا جاء بهؤلاء إلى هذا «الكار»؟ فقانون المحاماة استثنى بعض «دكاترة» الجامعات للعمل في مهنة المحاماة لإثراء العمل والبحث القانوني، بيد أن حقيقة ما يحدث يوميا وما نشهده عمليا في المحاكم، تؤكد لنا أن بعض هؤلاء الدكاترة لم يضف إلى مهنة المحاماة أي جديد. ونعود مرة أخرى إلى صاحبنا وخبيرنا الذي ركب موجة الطعون الانتخابية، وأنصحه بأن يؤسس شركة مساهمة مقفلة خاصة بالطعون، كما أذكّره بأنه ليس بمقدور المرء أن يستحوذ على كل شيء في وقت واحد، فهو يريد أن يكون محامياً خاصاً، وخبيراً دستورياً، وأستاذاً جامعياً، ونائباً برلمانياً، ومنّظراً سياسياً، ونسي أن «صاحب بالين كذاب» كما يقول المثل. وكان خبيرنا الدستوري قد صبّ جام غضبه، يا إخوة، في مقال له، على أحد نواب الدائرة الثانية الشرفاء دون أن يذكر اسمه، لمجرد أن نائبنا الشريف قال رأيه بصراحة وامتدح حكم المحكمة الدستورية، وطالب بعض «المراهقين» الدستوريين بالنضج الدستوري. وهنا نوجه السؤال إلى فطنة وذكاء القارئ الكريم: هل الموضوع موضوع طعون انتخابية أم أن المسألة أكبر وأعمق من ذلك؟! فحسب ما سمعنا أن هناك ممارسات وأعمالاً خاصة لخبيرنا الدستوري ناقشها مجلس الأمة، وتحديداً اللجنة التعليمية التي أجمع أعضاؤها على أن تلك الأعمال والتصرفات تشوبها شائبة المخالفة للقانون، واشترطت على حضرة الخبير إما فسخ العقد، وإما تقديم الاستقالة من جهة العمل، وإما التقاعد عن العمل. وفي ضوء ذلك يتضح أنه ربما تكون تلك الهجمة المستهجنة من الخبير على النائب سببها مصالح خاصة... وهنا أقول إن الصراخ على قدر الألم... وسأتسلح بالشجاعة وأدعو إلى «مقاطعة» آراء وكتابات ذلك الخبير الدستوري لأنها مغلّفة بمصالح وأهداف غير نبيلة.

***

في ظني أنه ليس من العيب على عضو مجلس الأمة ألّا يعلم مجمل المسائل والإجراءات الدستورية، لكن العيب كل العيب على من يدّعي العلم والدراية الدستورية أن يجهل أن حكم المحكمة الدستورية نهائيٌّ لا رجعة فيه ولا مطعن عليه، والعيب كل العيب أن تسفّه- ولمجرد أن تحصل على شهادة في الدستور- آراء وأفكار الغير، وتبدأ بالتنظير والتقعير الأجوف البعيد عمّا نصت عليه الدساتير والقوانين وما أرسته المحاكم.

back to top