البورصة في 2008: عام استثنائي... 6 أشهر خضراء ومثلها حمراء أطاحت بمكاسب 4 سنوات إيقاف التعامل بحكم محكمة الحدث الأبرز... وقرارات مؤثرة غيَّرت شكل التداولات
لم يكن عام 2008 كسابقه بالنسبة إلى بورصة الكويت، فقد تأثرت بعوامل قوية داخلياً وخارجياً جعلتها تفقد ما حققته خلال 4 سنوات.شهد سوق الأوراق المالية في الكويت عاماً استثنائياً صعباً شارف على الانتهاء، وكان حاله في الأشهر الأربعة الأخيرة منه كحال بقية أسواق العالم، والتي شهدت اضطرابا كبيرا تدنت فيه الثقة بالاستثمار في الأوراق المالية إلى مستويات لم تبلغها منذ سنوات عديدة، وفي هذا التقرير نحاول أن نستعرض ما مرت به البورصة الكويتية من أهم متغيرات وعوامل مؤثرة شكلت صورة المؤشر خلال عام 2008.
تفاؤل كبير في بداية العام مع خفض الضريبةقبل نهاية عام 2007 بيوم واحد قرر مجلس الأمة الكويتي الموافقة على مشروع قانون يعدل بموجبه بعض أحكام مرسوم ضريبة الدخل الكويتية، والقاضي بتخفيض ضريبة الدخل على أرباح الشركات الأجنبية من 55 إلى 15 في المئة، بهدف جذب المستثمر الأجنبي وأحاله إلى الحكومة.وبموجب التعديل الجديد على القانون رقم (3) لسنة 1955 تفرض ضريبة دخل سنوية قدرها 15 في المئة من الدخل الصافي لكل هيئة مؤسسة (منشأة) تزاول عمل التجارة في دولة الكويت، بصرف النظر عن مكان تأسيسها.وحدد القانون الدخل الخاضع للضريبة وأعفى أرباح الهيئة المؤسسة الناتجة عن عمليات التداول في سوق الكويت للأوراق المالية (البورصة)، سواء تمت مباشرة أم عن طريق محافظ أم صناديق استثمار.وكان أثر هذا القرار كبيرا على مستوى مؤشر سوق الكويت للأوراق المالية، فبدأ السوق عامه بعمليات شراء استباقي، قبل دخول مستثمرين أجانب، تبعه عمليات الشراء من قبل مستثمرين أجانب، مما دعم قيمة التداولات ورفعها بشكل واضح، وأيضا بدأ واضحا تغير ملكيات بعض الشركات المدرجة وظهرت أسماء مؤسسات أجنبية تملكت نسبا في بعض المؤسسات المحلية أو الخليجية، كان أبرزها دخول بنك «اتش اس بس سي» «حساب عملاء بشراء نسبة 5 في المئة في مركز سلطان»، وقد اشرنا في تقارير «الجريدة» إلى هذه التغيرات في حينه، وأيضا تملك بنك مورغان ستانلي بشراء نسبة 5 في المئة في بيت التمويل الخليجي في حينه.مما دعم سمعة الشركات المدرجة بسوق الكويت للأوراق المالية، وكان التركيز في حينه على الأسهم القيادية، تبعه بعد ذلك عمليات شراء على أسهم متوسطة وصغيرة مرتبطة بكتل نامية الأرباح بشدة وتوزيعات مغرية.واصل المؤشر ارتفاعاته دون التقاط أنفاس بسبب تكامل عوامل ايجابية عديدة، أهمها ارتفاع أسعار النفط بشكل لافت خلال تلك الفترة.جمعيات عمومية وإعلانات زيادة رؤوس أموال شركات كثيرةخلال شهر مارس الماضي موعد اجتماع الجمعيات العمومية لمعظم الشركات القيادية، وكانت نتائج هذه الاجتماعات بإعلان زيادة رؤوس أموال كثير منها، تتطلب سيولة عالية لم يشهد السوق مثلها طوال تاريخه، كان أبرزها إعلان زين زيادة رأسمالها بنسبة كبيرة تطلبت مبلغ مليار وربع المليار دينار كويتي، أيضا إعلان الصناعات الوطنية بزيادة رأسمالها، والذي ألغي في ما بعد بسبب تراجع سعر السهم بأقل من علاوة الإصدار «وكنا في تقارير «الجريدة» توقعنا فشل بعض الزيادات أو إلغاءها وهو ما حصل بالفعل».اثر هذه الإعلانات جاء لاحقا مع استدعاء زيادة رؤوس الأموال في ما بعد أو قبله بقليل لتوفير السيولة لسد التزامات الزيادة.قرار 9/2008 الخاص بالرهن العقاريأصدر مجلس الأمة قرارا بمنع الرهن العقاري بالكويت وكان ذلك في شهر مارس تحت رقم 9/2008، مما اثر في تداولات السوق وحد من انطلاقته، مما عمل على مرحلة تأسيس إجبارية وبعمليات جني ارباح، وجاءت هذه العلميات منطقية، فكانت من جهة التقاط أنفاس، ومن جهة أخرى التريث والقراءة متأنية بمدى تضرر بعض القطاعات بهذا القانون والحد من أرباحها.وفاة شخصيتين اقتصاديتين مؤثرتين خلال أسبوع فقدت الكويت خلال اسبوع شخصيتين اقتصاديتين مهمتين، وهما جاسم البحر وسامي البدر، في بداية شهر أغسطس توفي جاسم البحر وهو رئيس كتلة البحر المدرج لها نحو عشر شركات في السوق، وبعده بستة ايام فقط فجعت الاوساط الاقتصادية بوفاة رجل اقتصادي مهم آخر الا وهو سامي البدر الذي ترأس مجموعة البدر، وتضم ايضا خمس شركات مدرجة واخرى غير مدرجة. وكان لوفاة الفقيدين أثر كبير في تداولات السوق بشكل عام وتداولات كتلتيهما بشكل خاص، خصوصا انهما من اشهر رجالات البورصة الكويتية خلال الاعوام الماضية. ابريل... قرارات ومؤثرات كثيرة أصدر بنك الكويت المركزي قراراً في بداية شهر ابريل بتحديد سقف القسط بالنسبة إلى قروض البنوك بما لا يتجاوز نسبة الـ40 في المئة للرواتب العادية، وبما لا يتجاوز نسبة 30 في المئة للراتب التقاعدي، إضافة إلى خفض نسبة الفائدة على القروض من 4 في المئة إلى 3 في المئة، إلى جانب وجوب عدم استحقاق أو استقطاع الفائدة مسبقا عند منح القرض أو الخدمة التمويلية.وكان اثر ذلك القرار تخفيض ربحية البنوك، مما أدى إلى تأثر قطاع البنوك في السوق سلبا وهو أهم قطاعات السوق، فقد شهد مؤشر القطاع انزلاقا كبيرا اثر في مؤشر السوق كله.ومع هذه القرارات الاقتصادية المهمة كان سعر النفط يتحرك بقوة إلى أعلى مما يعطي للسوق دفعا إيجابيا، فالنفط يكاد يكون مصدر الدخل الوحيد في دول مجلس التعاون الخليجي.ومع تراجع قطاع البنوك شهدت بعض القطاعات نموا كان أهمها قطاعي العقار والصناعة بسبب عمليات تخارج من استثمارات في دبي، حققت بها بعض الشركات الكويتية أرباحا كبيرة في حينها.أسعار النفط يرتبط مؤشر السوق بأسعار النفط ارتباط طرديا غير مباشر أغلب الفترات، ومع ارتفاع الأسعار الكبير كان يواكبه ارتفاع للمؤشر السعرى بشكل متواز، ويؤكد ذلك وصول المؤشر إلى قمته القياسية بتاريخ 24 يونيو عند 15560 نقطة تقريبا، ووصول أسعار النفط العالمية إلى قمتها القياسية بتاريخ 12 يوليو عند 148 دولارا تقريبا، أي بفارق 16 يوما فقط.بعد ذلك التاريخ سقط المؤشر بشكل متواز مع سعر النفط، وكان ذلك بتأثير عدة عوامل سلبية مجتمعة مازالت تؤثر في المؤشرين بشدة ولم يخرج منها السوق حتى الآن فما هي هذه العوامل؟تصحيح رئيسي مع بداية فصل الصيف فنياً احتاج السوق إلى تصحيح فني بعد أن حقق مكاسب تجاوزت 20 في المئة خلال فترة لم تتجاوز 7 أشهر، خصوصا مع وجود أعذار منطقية سلبية بدت تطل أو كان السوق محتفظا بها في الخفاء.تراجع السيولة ابرز هذه السلبيات، وتداعيات أزمة الرهن العقاري، والتي بدت تطل كأزمة مالية عالمية مؤثرة في مستوى الاقتصاد العالمي لا يمكن إغفالها.بداية معاناة أسواق مالية عالمية عديدة، أثرت بشكل سلبي في أسعار النفط التي بدأت بالتراجع التدريجي.بدء اكتتابات زيادة رأس المالبتاريخ 17 أغسطس بدء استدعاء رأسمال «زين» الكويتية وبعده بفترة وجيزة أعلنت الصناعات الوطنية استدعاء رأسمالها قبل إقفال زيادة رأسمال «زين»، مما أطاح بالسوق بسلبية كبيرة تراجع معها بشكل كبير فاقدا نسبة مؤثرة من قيمته، والكثير من ثقته المعهودة.أعلن مصرف الاخوة ليمان «ليمان براذرز» إفلاسه أخيراً ليكون أكبر مصرف استثماري يتعرض للانهيار منذ عام 1990، عندما طلب بنك دريكسل بيرنهام إشهار الإفلاس وسط انهيار سوق السندات عالية المخاطر.أثر إفلاس «ليمان براذرز»إعلان إفلاس مصرف الاخوة ليمان بتاريخ 16 سبتمبر هو نهاية لمؤسسة مالية عمرها 158 عاما نجحت في تجاوز حربين عالميتين، والأزمة المالية الاسيوية، وانهيار صندوق التحوط (Hedge Fund) الشهير باسم «لونغ تيرم كابيتال مانجمنت» أو (LTCM)، الذي بدأ سقوطه في عام 1998 بعد خسارة قدرها 4.6 مليارات دولار.إن مصرفاً عريقاً مثل «ليمان» جاوز كل هذه الظروف الصعبة لم يفلح في تجاوز أزمة الائتمان العالمية التي عصفت بالأسواق في العامين الأخيرين، ذلك يعني أن ما يعانيه العالم اقتصاديا من جراء أزمة الرهن العقاري كبيرا وكبيرا جدا هو ما أثبتته الأيام اللاحقة.بدأ السوق خلال هذه الفترة وفى شهر رمضان المبارك بالإيمان بارتباطه كاقتصاد مع اقتصاديات العالم، وان السوق قرية صغيرة» كنا قد اشرنا قبلها إلى أهمية الأزمة وتأثيرها في السوق الكويتي بل الاقتصاد الكويتي، وإننا لسنا بمعزل عما يحصل في العالم اقتصاديا، فنحن نصدر النفط وهم يحددون مستوى الطلب عليه.الأزمة المالية العالمية تتصدر الأخباربعد ذلك التاريخ بدأت الأزمة العالمية تسيطر على الأخبار وتتصدر ها متفوقة على الأخبار السياسية، وأصبحت الأسواق العالمية مرتبطة بشكل كبير بين بعضها البعض، تبدأ بمراقبة الأسواق الأميركية مروراً بآسيا منتهية بأسواق أوربا بارتباط غير مسبوق، كذلك بورصات دول الخليج ارتبطت معها بشكل مباشر متأثرة بأداء بورصات العالم، والذي بدأ يسير إلى الأسوأ متراجعا بشكل كبير فاقدا نسبا كبيرة تراوحت بين 20 إلى 40 في المئة، ففي شهر أكتوبر فقدت بورصات اسيا نسبا تراوحت بين 20 و24 في المئة، بينما تراجعت أسواق أميركا وأوروبا بنسب 15 في المئة تقريبا، في حين ان أسواق الخليج تراجعت بنسب وصلت إلى 30 في المئة في شهر أكتوبر فقط.شهر نوفمبر والاستقراربعد تراجع الأسواق بنسب كبيرة استقر الأداء في سوق الكويت للأوراق المالية لعدة أسباب أولها قرار إنشاء صندوق ملياري من قبل لجنة الإنقاذ بعد إعلان خسارة بنك الخليج الكبيرة نتيجة تعامله بمشتقات مالية عالية المخاطر، نتج عنها خسارة كبيرة قاربت مليار دولار ليوقف عن التداول ويبقى كذلك حتى تاريخنا هذا.أيضا شعور المسوؤلين بأهمية متابعة الأوضاع الاقتصادية العالمية ومدى تأثيرها على الاقتصاد الوطني بشكل عام والبورصة الكويتية بشكل خاص.قررت اللجنة إنشاء صندوق ملياري يوجه إلى أسهم الشركات المدرجة بهدفين احدهما استثماري بحت وعلى المدى الطويل، والآخر دعم الثقة في أداء الشركات نتيجة شراء الحكومة بها ودعم أسعارها عند اى هبوط كبير تتعرض إليه هذه الشركات.إيقاف البورصة... قرار تاريخيشهدت البورصة بتاريخ 13 نوفمبر حدثا تاريخيا هو الأول من نوعه، وهو إيقاف التداول بموجب حكم قضائي صادر من المحكمة الإدارية، بعد أن تقدمت مجموعة من المتداولين بطلب الإيقاف نظرا لتضررهم الكبير نتيجة تراجع قيمة أسهمهم بشكل كبير، غير أن إدارة البورصة استشكلت القرار باعتبار أن تداولات سوق الأوراق المالية قرارا سياديا، ليعيد البورصة للتداول بعد إيقاف يومين فقط.نتائج الشركات وتراجعات كبيرةتريثت كثير من الشركات في إعلان بياناتها المالية والخاصة بالربع الثالث، وكان ذلك بسبب تراجع أرباحها وأصولها نتيجة تراجعات حادة بالأسهم والعقار على مستوى دول المنطقة أيضا، مما أدى إلى تدهور قيمة أصول معظم الشركات المدرجة وقطع خطوط ائتمان هذه الشركات ودخولها في نفق شح السيولة المظلم بسبب أوضاع اقتصادية عالمية غاية في التشاؤم.ماذا تنتظر البورصة خلال نهاية العام وبداية العام المقبل؟تكاد الفترة القادمة تكون عنق الزجاجة بالنسبة الى البورصة بشكل خاص وللاقتصاد العالمي بشكل عام، ومن أهمها بالنسبة الى البورصة الكويتية دخول سيولة صندوق الهيئة الجامبو، والذي يؤكد جدية الحكومة بدعم السوق بالسيولة من جهة، وبث الثقة بأداء الشركات وبفرصة الاستثمار بها من جهة أخرى، أيضا دعمها يدعم أصول شركات تتملك في هذه الشركات بنسب جيدة.إعلان نتائج الشركات السنوية المدققة على الأبواب يصاحبها إعلان التوزيعات السنوية والتي يترقبها الجميع فهي ما يثبت ملاءة هذه الشركات ماليا، وهى من يشكل صورة البورصة خلال العام القادم والذي يليه أيضا.لازال قانون هيئة سوق المال تحت التدقيق باللجنة المالية بمجلس الأمة، والسوق خلال الفترة القادمة اشد ما يكون بحاجته، إضافة إلى تغيير مؤشراته المنتظر منذ سنوات.تواجه شركات مدرجة عديدة مشاكل في السيولة وبعضها ملتزم بسداد دفعات قروض، مما شكل مشكلة كبيرة تحتاج إلى حلول ناجعة، خصوصا أن بعضها من كبرى الشركات الاستثمارية والتي تضم أعداد كبيرة من الموظفين لا شك أن وظائف في خطر ما تعثرت هذه الشركة وأفلست.حينها سوف تظهر مشكلة بطالة جديدة تؤثر اقتصاديا كأحد أهم المؤشرات الاقتصادية العامة.عالميا ومع نهاية العام تظهر مؤشرات اقتصادية مهمة خاصة بأداء الاقتصاد العالمي عام 2008 وتقديرات الأعوام القادمة لاشك أنها سوف تؤثر على أداء أسواق العالم، كذلك على أسعار النفط والذي بدأ يتراجع إلى أسعار ما قبل خمس سنوات تقريبا.فضلا عن نتائج الشركات العالمية الكبرى والتي تؤثر أيضا في مؤشرات الأسواق العالمية بشكل عام، والتي كثيرا ما ارتبطت بها أسواق المنطقة.إذن العالم في ترقب نهاية عامه الحالي الصعب وبداية عامه الجديد والذي يقدر أن يكون كسابقه.