التصوير الطبقي المحوري... تقنيّة ثوريّة لا تخلو من المخاطر
عندما عانت مورين سكانلان من حصوة مؤلمة في الكلى، شعرت بالرضى لدى طلب طبيبها منها الخضوع لعلاج سنوي بالتصوير الطبقي المحوري (أو المسح الطبقي المحوسب) لمراقبة حالتها.
تضمنت عمليات المسح الطبقي المحوسب إطلاق مئات الأشعة السينية الرقيقة في أحشائها، دُمجت معاً بواسطة حاسوب في صور ثلاثية الأبعاد وتفصيلية على نحو مذهل، تظهر حجم الحصوة وموقعها حتى جزء من الملليمتر. تقول مورين (38 عاماً)، من ويستفيلد في نيوجيرسي وأم لطفلين وتخشى منذ أن عرفت بأمر الأشعة أن تكون صور المسح تسببت بحالة إجهاض: «لم أتردد أبداً، عرفت أنه عليّ الخضوع للتصوير بالأشعة، لكنني لم أدرك مدى قوّته». تعتبر آلة Scanlan ثورة في التقنيات الطبيّة. أصبحت تقنية المسح الطبقي المحوسب، التي استقدمت في سبعينات القرن العشرين، إجراءً نموذجياً لمشاكل شائعة مماثلة كحصوة الكلى، حالات الصداع المستمرة والتهاب الزائدة. يذكر أن أطباء أميركيين أوصوا بإجراء 68.7 مليون صورة بواسطة التصوير الطبقي المحوري العام الفائت، وهو عدد يتخطى بثلاثة أضعاف ذلك الذي تحقق عام 1995، وفقاً لقسم المعلومات الطبّية في شركة IMV، وهي مجموعة بحث في السوق الطبي، مقرّها في دي بلان، إلينوي. هاجس متنامغدا المسح الطبقي المحوسب، الذي يدر عشرات مليارات الدولارات سنويًّا، محرّكاً اقتصادياً للمستشفيات والأطباء، وبدأ ظهور تلك الأجهزة، التي تساوي ملايين الدولارات والتي كانت فكرة غريبة سابقا، في العيادات الخاصة. يقول جيوفري روبين، أحد الاختصاصيين في علم الأشعة في جامعة ستانفورد: «دخلت تلك الظاهرة في ثقافة الأطباء». لكن رافق تلك الثورة هاجس متنام من أن الاستخدام المكثّف للأشعة بدأ يرخي بأثره الطفيف في صحة المواطنين. على الرغم من أن الخطر الذي تولّده صورة واحدة بواسطة التصوير الطبقي المحوري لا يذكر، فإن زيادة طفيفة في التعرّض للأشعة بين عدد كبير من السكان يمكن في نهاية المطاف أن يساهم في عشرات الآلاف من حالات الوفاة نتيجة السرطان سنويًّا. قدّرت دراسة مثيرة للجدل نُشرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في مجلة «نيو إنغلند» الطبّية أن عمليات المسح الطبقي المحوسب المطبقة اليوم يمكن أن تسبب حتى 2% من حالات الوفاة الناجمة عن السرطان في خلال عقدين أو ثلاثة. يقول الأطباء الذين طبّقوا التقنية على أعداد متزايدة إن الخطر الصغير المتزايد هو ثمن ضئيل يُدفع لقاء لقطة للجسم مفصّلة بشكل دقيق، إلى حد يمكنها تحديد الإصابات المتوارية في الجيوب الأنفية، التخثّرات الدموية الدقيقة في الرئتين، طبقات رفيعة من الصفائح على الأوعية الدموية. في هذا الصدد، يقول الاختصاصي في طب الأشعة في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس، الدكتور جوناثن غولدن: «المشكلة هي أن تلك التقنيات بارعة جداً. يرغب الناس في التقاط صورة لكل شيء تحسّباً». يقدر بعض الباحثين أنه كان يمكن تجنّب ثلث عمليات التصوير بالمسح أو استبدالها بتقنيات أقل خطراً، كالتصوير بالأمواج فوق الصوتية أو بالرنين المغناطيسي. يفيد غولدن: «في خلال 20 أو 30 عاماً، سيكون الجدال حول مسألة الأشعة كما الجدال حول التدخين اليوم. سيتساءل الناس عن سبب خضوعهم لهذا التصوير في المقام الأول. في قبو أحد المباني في بيفرلي هيلز في كاليفورنيا، يحدّق الدكتور هومان ماديون في شاشة حاسوب تعرض صورة أصلية بالأسود والأبيض لقلب ينبض نصف نبضة. بعد قلب الصورة، كبّر حجم أحد الشرايين وحدد مساره المشوّه عبر زيادات تبلغ أقل من نصف ملليمتر. من خلال نافذة عازلة للأشعة في الغرفة المقابلة، هيِّئت الآلة، التي هي عبارة عن فتحة مستقيمة تتمركز في وسطها طاولة، للمريض التالي. يقول ماديون، الذي أجرى نحو 8500 صورة بواسطة المسح منذ تركيب الآلة التي يبلغ ثمنها 1.2 مليون دولار قبل أربع سنوات: «ما هي إلا مسألة وقت قبل أن تنتشر تلك الآلة في كل مكان». أنتجت الصور عبر استخدام حزمة من الأشعة السينية تدور حول محور وتصدر صوت طقطقة لثوان قليلة، فتجري مسحاً لجسم الإنسان قطعةً قطعةً كما لو أنه رغيف خبز. يمكن أن تكلّف تقنية المسح من بضع مئات الدولارات لتصوير عضو واحد إلى بضعة آلاف الدولارات للجسم بكامله. منذ أن اشترت عيادة «مايو» في روكستر في مينيسوتا، جهاز المسح الأول في الولايات المتحدة عام 1973، بلغ العدد الإجمالي في الولايات المتحدة 24 ألف آلة. ما يعني أن هناك 82 آلة مسح مقطعي في الولايات المتحدة لكل مليون شخص، وهو عدد يفوق بثلاثة أضعاف تقريباً متوسط العدد بالنسبة إلى باقي الدول الصناعية، وفقاً لتقرير صدر عام 2007 عن معهد ماكينزي العالمي الذي هو عبارة عن مجموعة بحث اقتصادية. وحدها اليابان تملك أعلى كثافة من الآلات أي 93 لكل مليون شخص، وتوجد 70% من آلات المسح في المستشفيات. لكن مع انخفاض أسعارها، أقدمت العيادات الخاصة ومراكز التصوير على تركيب عدد متزايد منها. اليوم، تجني شركات صناعة آلات المسح، بما فيها سيمنز وجنرال إلكتريك، أموالا كثيرة بفضل تلك الأجهزة. يمكن أن تسدّد عمليتا تصوير بالمسح في اليوم ثمن آلة وتشغيلها على فترة خمسة أعوام، وفقاً لكتيب المبيعات الخاص بـ سيمنز. يمكن أن تدرّ 10 عمليات تصوير ربحاً قيمته 400 ألف دولار في السنة. بالنسبة إلى التشخيص، يمكن لآلة المسح المقطعي المحوسب تقديم فوائد ضخمة مقارنةً بمنافستها الرئيسة، آلة التصوير بالرنين المغناطيسي، التي تتجنب إطلاق الأشعة وإنما تكلف أكثر وتتطلب من المريض التمدد في أسطوانة تصدر ضجيجاً لمدة نصف ساعة أو ما يزيد على ذلك. اليوم، يزداد عدد علميات المسح لكل جزء من الجسم بوتيرة سريعة مع اعتماد الأطباء تلك التقنية لإجراء عمليات تنظير القولون، تصوير سرطان الرئة، فحص أوعية الدم، وغيرها من الإجراءات. يقول دانيال روزنثال، أستاذ في علم الأشعة في كلية الطب في جامعة هارفرد: «التحدّث عن خفض عدد عمليات المسح هو أشبه بمحاولة إيقاف المستقبل، فالمعدات والصور أفضل بكثير إلى حد أنه من غير المفيد محاولة وقفها». سرطانبحسب اعتقاد العلماء، غالباً ما تطلق عملية المسح المقطعي السلسلة التالية من الأحداث: تطلق الإشعاعات إلكتروناً من إحدى الذرات، فتشكل بذلك إيوناً يضر بالحمض النووي للخلية. على الرغم من أن الضرر ليس كبيراً كفايةً ليقضي على الخليّة، لكنه كبير بما يكفي ليستحيل إصلاحه. على مر العقدين أو الثلاثة التالية، تنقسم الخلية وتتكاثر، ناشرةً المعلومات الجينية الخاطئة، فتكون النتيجة ظهور السرطان. يختلف الخطر المتزايد مع السن، لكن في بعض الأحيان، يضيف 10% إلى احتمال إصابة شخص بالسرطان البالغ 42%. مع ذلك، يمكن حتى لكمية صغيرة من الأشعة الصادرة من جهاز مسح مقطعي التراكم مع الوقت مع تزايد عمليات المسح. في المقابل، ردت شركات صناعة آلات المسح على الهواجس المتنامية حول خطر الأشعّة عبر تحسين آلاتها، ما يسمح للعاملين باختيار الجرعة الأصغر الضرورية للحصول على صورة مفيدة. غير أن عمليات التصوير الطبقي المحوري أصبحت المساهم الرئيس في التعرّض لمزيد من الأشعة. وتعتبر الفحوص الطبية راهنا المصدر الأكبر للتعرّض للإشعاعات، فتخطت في الآونة الأخيرة الأشعة الكونية، وفق المجلس الوطني للوقاية من الأشعة والمقاييس في أميركا. يتمثل أحد المخاوف في الاستخدام المتزايد لآلات المسح المقطعي لدى الأطفال والنساء الحوامل. يواجه الأطفال، الذين يشكلون 11% من عمليات التصوير بالمسح المقطعي، مخاطر أكبر من الراشدين لأنهم أقل حصانةً تجاه الأشعة ولديهم سنوات مقبلة أمامهم ليصابوا بالسرطان. مثلا، تنطوي عملية مسح معدة لطفل في الخامسة من عمره على خطر 0.1% بتطوير سرطان مميت، وهي نسبة تفوق عشر مرات الخطر لدى الراشدين الذين تخطوا الخامسة والثلاثين من العمر، وفقاً لدراسة أجرتها مجلة «نيو إنغلند». تطرقت الأكاديمية الوطنية للعلوم إلى تلك المسألة في تقرير لها صدر عام 2006، تقول فيه إنه ما من مستوى آمن للتعرّض للإشعاعات وتفرض حتى كميات صغيرة بعض المخاطر على الصحة. لكن سينتيا ماكولوغ، وهي عالمة في الفيزياء الطبية وتشرف على آلات المسح المقطعي التي يبلغ عددها 23 في عيادة «مايو»، تقول إن البيانات حول الآثار الطويلة الأجل التي تولّدها الإشعاعات على مستوى منخفض ما زالت محدودة جداً. ما من شيء يؤكد ما إذا كان هناك مستوى منخفض من التعرّض للأشعة يجب بلوغه قبل أن يصبح خطيراً، على حد قولها. طالما أن عملية المسح ضرورية طبيًّا، فإن «المنفعة في الحالات كافة عملياً تفوق الخطر البسيط في المستقبل»، على حد قول جون بويس، خبير أشعة والمدير العلمي لمعهد علم الأوبئة العالمي في روكفيل، في ماري لاند. لكن الدراسات التي أجريت في السنوات الأخيرة بدأت تتساءل حول مدى ضرورة عمليات المسح المقطعي. في عام 2000، عندما كان عدد تلك العمليات يبلغ نصف المجموع الراهن، أعادت مؤسسة Highmark Blue Cross Blue Shield of Pennsylvania مراجعة 162 ألف طلب عملية مسح وغيرها من إجراءات التصوير، واعتبرت 30% على الأقل منها إما غير مناسبة أو لا تفضي إلى أية معلومات مفيدة. كذلك، ظهرت تساؤلات حول بعض دواعي الاستعمال الروتينية. مثلا، توصّلت إحدى الدراسات إلى أن التصوير بالأمواج ما فوق الصوتية الخالي من أية إشعاعات قد يكون بقدر براعة عملية تصوير طبقي محوري في تشخيص التهاب الزائدة لدى الأطفال. في هذا السياق، اكتشف بحث آخر أن فحصاً عادياً للأعصاب لدى الأطفال الذين يعانون من صداع مزمن يجعل التصوير بواسطة المسح لا فائدة منه. يقر الأطباء أن وقائع الطب الحديث، وهي مزيج معقّد من الأعمال والقانون والنفعية، مارست ضغطاً خفيفاً أدى إلى زيادة عدد عمليات المسح. في إحصاء أُجري عام 2003 شمل 824 طبيباً ونُشر في مجلة «الجمعية الطبية الأميركية»، قال أكثر من نصف أطباء غرفة الطوارئ، جراحو العظام وجراحو الأعصاب، إنهم طلبوا إجراء عمليات تصوير طبقي محوري وغيرها من الفحوص التصويرية لمجرد حماية أنفسهم من الدعاوى القانونية. يقول الدكتور سكوت ليدرهاوس، جراح أعصاب في بومونا، كاليفورنيا: «يأتينا مرضى يعانون من الصداع، فإن لم يخضعوا للتصوير بالمسح وسهونا عن أمر ما، بإمكانهم مقاضاتنا». يضيف: «إن أصرّوا، سأطلب صورة بواسطة المسح. لا أبالي، فالأمر لا يستحق زيادة الطين بلة». ربحمع تحوّل الطب إلى مجال أقل إدراراً للربح، أصبحت آلات المسح المقطعي مصدراً محتملاً لجني العائدات، ما يسمح للأطباء بتقديم خدمات إضافية يستطيعون إضافتها إلى الفاتورة عوضاً عن إرسال المرضى إلى مكان آخر. هناك نزعة فطرية لدى الأطباء لاستخدام الآلات التي اشتروها أو لديهم حصة فيها. أظهرت الدراسات أن الأطباء الذين يملكون معداتهم الخاصة يطلبون إجراء فحوص أكثر بمرتين إلى سبع مرات مقارنةً بأولئك الذين يرسلون مرضاهم إلى مراكز أخرى. أفاد أحد التقارير الصادر عن مكتب المحاسبة الحكومي بأن المحفزات المالية للأطباء شكلت عاملاً رئيساً في ارتفاع عدد عمليات التصوير بالمسح. من جهته، يقول ماديون، التي تعتبر عيادته للأمراض القلبية من ضمن العيادات الأولى في كاليفورنيا التي استحصلت على آلة مسح مقطعي، إن السبب الجوهري للحصول على واحدة هو تأمين راحة المرضى. لكن بما أن «الأطباء يعانون نظراً إلى جنيهم الأموال بصعوبة في عياداتهم الطبية، لم لا يحصلون على آلات خاصة بهم؟» يقول مايدون متسائلاً، ويضيف: «عليك أن تحيا». ما زال الزخم حول تقنية المسح يتشكل، وحتى المرضى يطالبون بهذا الإجراء بغض النظر عما إذا كان يجب أن يدفعوا حياتهم ثمن ذلك. علاوةً على ذلك، توصّل ماديون إلى أنه من أصل عمليات التصوير بالمسح للقلب التي أجريت في عيادته والتي بلغ عددها 6 آلاف، أجري الربع منها لمرضى في منتصف العمر لا تبدو عليهم أية عوارض تشير إلى مشاكل في القلب، وهي حالة لا يغطّيها برنامح الرعاية الصحية الأميركي أو شركات التأمين الخاصة. يُذكر أن كلية أمراض القلب الأميركية وجمعية المسح المقطعي المحوسب لأوعية القلب لا تنصحان بإجراء عمليات مسح لأشخاص لا تظهر لديهم أعراض مرض القلب. لدى هؤلاء المرضى، ما من دليل على أن عملية المسح تؤمّن عناية أفضل من أي فحص طبي وفحص للكولستيرول والمشي على آلة المشي وبضعة أسئلة حول التاريخ العائلي والنظام الغذائي والتدخين. لكن ماديون يعتقد أن البيانات العلمية ستُظهر في النهاية أن التصوير بالمسح ينقذ الأرواح. يعتبر الخطر الملازم للأشعة أمراً «تافهاً» لأن المرضى يكونون في الخمسين من عمرهم أو أكبر سنًّا، ولا يجب تكرار صور المسح لسنوات عدة. يقول: «لهذا الفحص منفعة كبيرة. نشخص بواسطته مرضاً مخفياً». كذلك، لم يشتك أي مريض من ذلك، على حد قوله. لم تظهر على علي نادر، محام في بيفرلي هيلز عمره 46 عاماً، أية عوارض تشير إلى مشاكل في القلب، لكن في خلال جنازة لقريب له توفي نتيجة أزمة قلبية، أخبره أحد أقاربه بنوع جديد من التصوير بواسطة المسح يمكن أن يدقق في شرايينه التاجيّة. لذلك، قرر هو وشقيقه زيارة ماديون في يونيو (حزيران) الماضي للخضوع لعملية تصوير بالمسح التي أظهرت أن شرايينهما جيدة. بلغت الفاتورة الإجمالية ثلاثة آلاف دولار أميركي، مع حسم 500 دولار. يصرّح نادر قائلاً: «أصبحت مرتاح البال أكثر من السابق»، وهو ينوي تكرار عملية المسح مرةً سنويا لمجرد الاطمئنان.