قوس اللهيب عند المضيق
هناك مؤشرات في اتجاه التصعيد في حال رفض الجمهورية الإيرانية في نهاية شهر يوليو للمقترحات كافة، حتى وإن التقت الأطراف حول «اسطوانة التكرار الممل»، فلغة التحدي والتحدي المضاد هي الأكثر بروزاً طوال هذه السنوات، وكأننا ننتظر اندلاع الحريق لكل تلك البراميل السابحة في مياه الخليج.تتالت الشهور ونحن نتابع مسألتين بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأميركية، وبينهما إسرائيل المحرِّض الكبير للفتنة وإشعال اللهيب. المسألة الأولى كانت ولاتزال تتمثل في عملية تبادل الاتهامات والتجاذب السياسي الدولي بشأن حقوق إيران في عملية تخصيب اليورانيوم من أجل الأغراض السلمية واحتياجات إيران المستقبلية للطاقة، بينما تردد الولايات المتحدة وإسرائيل «موالها» الدائم بأن التخصيب يتم من أجل أغراض عسكرية، وقد تم تخصيص واعتماد الإجراءات كلها الشرعية والدولية المعنية بمراقبة المشروع النووي الإيراني، وخصصت فرقاً ولجاناً دولية للتفاوض والتفتيش، بل وتواصلت المفاوضات السياسية إلى حد بات العالم يدرك أن المسألة ما عادت فقط هي مسألة تخصيب اليورانيوم، وإنما خلع أظافر النمر الإيراني وتطويق حركته داخل القفص، فالقوى الكبرى والإقليمية لا تحتمل وجود دولة مؤدلجة تحمل من العداء والشراسة الواضحة لخصمين لدودين لديها هما الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالمثل يبادلها الطرف الآخر الكراهية والعداء ذاته. بينما ظلّت المسألة الثانية مرهونة ومرتبطة بالأولى، وهي مسألة الإرهاب ووضع إيران في محور الشر، تلك الثنائية النووية والإرهاب ظلتا طوال سنوات على المحك والهجوم الإعلامي والسياسي والحصار المتنوع، غير أنه في السنوات القليلة الأخيرة تصاعدت تلك الأنماط إلى حد بدا أكثر استنفارا، خصوصاً مع مرحلة ضرب البرجين في نيويورك وما تلاها من قضايا وأحداث أهمها، سقوط حكومة «طالبان» المؤقتة، وانهيار نظام صدام حسين ودخول القوات الأميركية إلى قلب بغداد، فبدت اللعبة والصراع أكثر وضوحاً لدى العالم، وتوترت القضايا والعلاقات بين إيران والولايات المتحدة إلى حد التأزيم، وحينئذ وجدت إيران نفسها مهددة من الجوار العراقي وانتشار القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة بشكل مكثف، ولم يكن تمرين إسرائيل العسكري في صيف 2006 في جنوب لبنان ومواصلتها الحصار في غزة، إلا تعبيراً عن مشروع أوسع في المنطقة طرحت إيران نفسها كبديل للمواجهة العربية والإسلامية من خلال دعمها للقوى المعارضة لسياسات الولايات المتحدة وتدخل إسرائيل المباشر وغير المباشر في شؤون ومصير المنطقة بشكل سافر. ويبدو واضحا أن الخطوات تقترب من إشعال الفتيل بين الأطراف، حتى وإن تم بناء جسور من التفاوض السري والعلني ووجود وسطاء عجزوا عن تخطي العقبات حتى آخر نفس لديهم، وقدموا حزمة من الحوافز لعل إيران تتراجع عن مشروعها النووي الذي زاد من توتر العلاقات في المنطقة عبر لهجة، «العسكرة والقوة»، فكلما توتر الخطاب السياسي بين الخصوم والحلفاء وجدنا بروز استعراض القوة وشهدنا مناورات متواصلة يعبر فيها كل طرف عن استعداده للمواجهة. هذا الخطاب السياسي في نبرته العسكرية يضع منطقة الخليج القائمة على بحيرة من النفط، بجعل مضيقها الضيق نقطة لهيب ينتظر الاشتعال من أول عود ثقاب قادم من الجهتين. وهناك مؤشرات في اتجاه التصعيد في حال رفض الجمهورية الإيرانية في نهاية شهر يوليو للمقترحات كافة، حتى وإن التقت الأطراف حول «اسطوانة التكرار الممل»، فلغة التحدي والتحدي المضاد هي الأكثر بروزاً طوال هذه السنوات، وكأننا ننتظر اندلاع الحريق لكل تلك البراميل السابحة في مياه الخليج. فهل ما نراه فعليا يجسد قلق القوى العالمية ودول المنطقة من حال نشوء «إيران المالكة للنووي»! أم أنها مسألة مخاوف سياسية من المشروع الإيديولوجي الإيراني الذي تقوده قوى الحرس الثوري والصقور المتربعون في طهران، وهم يواجهون صقور ومحافظين جددا في واشنطن؟ فكلما قلّبنا المسألة النووية- سلمياً وعسكرياً- نرى أن تملك باكستان والهند وإسرائيل في تلك الدائرة الجغرافية، يضعنا أمام منطق الحق والحقيقة، بأن إيران من حقها تمّلك ما يملكه غيرها. نحن اليوم أمام اختبار صعب للقوة والتحدي والكارثة المحتملة. فالمسألة ليست في مَن سينتصر؟ فتلك قضية مفروغ منها في ظل توازن القوى، ولكن بأي ثمن ستكون تلك المواجهة القادمة. ما نشهده من تبادل في الخطاب السياسي، ولعبة الخطاب المزدوج بين الولايات المتحدة وإسرائيل يربكنا بخداعه، إذ إن ما تقوله الأولى ترفضه الثانية، بل وتحاول أميركا إشعار العالم بأنها الطرف الذي يهدئ من روع إسرائيل ويؤجل الهجوم الإسرائيلي المحتمل، وكأنما إسرائيل وحدها المعنية باختلال توازن القوى العسكري في المنطقة، ولا يمكنها القبول بذلك كونها «سيدة القوة المطلقة». هذا الوهم المكسور في حرب الجنوب اللبناني سنراه قريبا في امتحان القوة عند مضيق اللهيب وفي تلك المراكز السرية والمعلنة لمشاريع التخصيب، التي سيستهدفها الطيران الإسرائيلي، الذي قام منذ أشهر بمناورات عسكرية على طيران طويل المدى لا يمكن تفسيرها إلا بوجود دولة مستهدفة من إسرائيل تنوي تدمير مواقعها الحيوية. ولن تكون الولايات المتحدة طرفاً متفرجاً أو محايداً، وإنما ستكون لاعباً أساسياً في ذلك التدمير المحتمل والممكن، غير أننا لا نعرف حجم ردود الفعل في حرب خاطفة لن تكون فيها للأرض والجغرافيا أهمية تذكر.* كاتب بحريني