مدقّقو الحسابات: دورنا فحص الموازنات وفق معلومات الشركات... لا أكثر
دور مراقب الحسابات في أي شركة، مهم وأساسي، وهذا ما لا ينكره أي كان، ولكن هل يقف هذا الدور عند حدود إبداء الرأي في البيانات المالية، أم يتعداه لوضع نقاط شتى على حروف مرسومة مسبقا من قبل مجالس الإدارات؟!لا يخلو أي من تقارير مدققي الحسابات المعينين من مجالس ادارات الشركات بموافقات الجمعيات العمومية، من تقرير يؤكد ان أعمال التدقيق تتضمن تقييم مدى ملاءمة السياسات المحاسبية المطبقة ومدى معقولية التقديرات المحاسبية، التي اعدتها الادارة، اضافة الى تقييم العرض الشامل للبيانات المالية المجمعة.
ومما يكرر، دائما، في التقارير المحاسبية ان ادلة التدقيق التي تم الحصول عليها كافية ومناسبة لتوفير اساس معقول يمكن من ابداء الرأي على البيانات المالية المجمعة.وينطلق المدقق ليبدي رأيه فيقول: برأينا واستنادا الى تقريري المدققين الآخرين، فإن البيانات المجمعة تعبر بصورة عادلة من جميع النواحي المادية عن المركز المالي المجمع للمجموعة وعن أدائها المالي وتدفقاتها النقدية المجمعة للسنة المنتهية بذلك التاريخ، وفقا للمعايير الدولية للتقارير المالية.ثم يضيف المدقق في تقريره: برأينا ان الشركة تمسك حسابات منتظمة، وان البيانات المالية المجمعة والبيانات الواردة في تقرير مجلس الادارة متفقة مع ما ورد في دفاتر الشركة، واننا قد حصلنا على المعلومات التي رأيناها ضرورية لأداء مهمتنا، وان البيانات المالية تتضمن كل ما نص عليه قانون الشركات التجارية لسنة 1960 والتعديلات اللاحقة له والنظام الأساسي للشركة الام على وجوب اثباته فيها، وان الجرد قد اجري وفقا للاصول المرعية، وانه في حدود المعلومات التي توافرت لدينا لم تقع مخالفات لاحكام قانون الشركات التجارية سالف الذكر والتعديلات اللاحقة له او للنظام الاساسي للشركة الام على وجه يؤثر ماديا في نشاط المجموعة او في مركزها المالي المجمع.والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما دور مدقق الحسابات في الانهيارات التي اطاحت بكثير من المؤسسات المالية المعروفة محليا وعالميا؟«الجريدة» التقت عددا من الخبراء واصحاب الشأن للاجابة عن هذا السؤال:الصقر: دور المراقب ضروري خصوصاً في الأزماتأكد الرئيس التنفيذي في بنك الكويت الوطني عصام الصقر ان دور مراقب الحسابات اساسي لإيضاح الامور، مشيرا الى ان هذا الدور يزداد خصوصا في اوقات الازمات.وحول دور المدقق ازاء ما يحدث في الازمات كالتي تعصف باسواق العالم حاليا، قال الصقر إن المراقب ينبغي ان يكون على قدر من المسؤولية، منوها الى ان الازمات والتي تكون قد ظهرت على خلفية اخطاء من نوع لم تكن لتظهر مع المدقق الا في نهاية العام، ذلك ان المدقق لا يدقق على حسابات هذه الشركة او تلك الا في نهاية العام.ولفت الى ان انكشاف الاخطاء عبر المدقق قد يحدث في امور وبيانات الشركات الاستثمارية او البنوك، لكن في غيرها من الشركات الاخرى فإن هذا الامر متعذر الا في نهاية العام.الجنيدي: سبب الخلل عدم مراقبة الجمعيات العمومية لأعمال الإدارةقال المحاسب القانوني والخبير المحاسبي عصام خليل الجنيدي ان الدور الذي يلعبه مراقب الحسابات بالنسبة إلى المؤسسات التي يقوم بمراجعة حساباتها محدد بإبداء الرأي حول هذه البيانات المالية لهذه المؤسسات، وهذا العمل الذي يؤديه مراقب الحسابات يخضع لمعايير محددة، يتم وضعها من الجهات الإشرافية الحكومية التي يلزم الاستناد إليها في أعماله، وهذه الجهات غالبا ما تستند إلى تطبيق المعايير المهنية الدولية عن طريق إصدار قرارات أو قوانين تتطلب الالتزام بهذه المعايير، وذلك في ظل قواعد العولمة التي تحكم العلاقات الاقتصادية أخيرا، وذلك بغرض السعي إلى توحيد أسس عرض وتقييم البيانات المالية والتي تمكن المستفيدين من هذه البيانات المالية من قراءتها ومقارنتها من مكان الى آخر عبر العالم بغض النظر عن مكان إصدار هذه البيانات.واضاف الجنيدي ان هناك التزاما عاما حاليا باتباع معايير التدقيق الدولية التي تتطلب الالتزام بمتطلبات المهنة الأخلاقية والتخطيطية في أداء أعمال التدقيق من مراقبي الحسابات للحصول على تأكيدات معقولة بأن البيانات المالية لا تحتوي على أخطاء مادية أو قانونية تؤثر في المراكز المالية للمؤسسات التي يتم مراجعتها، وله في سبيل تحقيق هذا الهدف صلاحيات واسعة في ظل قواعد ومتطلبات مهنية واضحة ومحددة.واوضح انه في ظل هذا المفهوم يجب على العامة أن يعلموا أن دور مراقب الحسابات ليس هو محاسبة الإدارة، التي هي مسؤولة عن هذه البيانات المالية وعرضها بشكل عادل وفقا لظروف كل منشأة لاتخاذ القرارات الاستراتيجية بالنيابة عن الإدارة، وهذه القرارات هي في الواقع المؤثر الرئيسي على نتائج أعمال الشركات، إذا ان الدور الحقيقي لمراقب الحسابات كما ذكرنا هو إبداء الرأي المهني في ظل قواعد وإجراءات مهنية محددة يجب اتباعها.وتساءل الجنيدي عن مكمن الخلل في هذه المنظومة، والذي قد يؤدي في النهاية بمؤسسات عالمية إلى حد الإفلاس؟ وقال ان الخلل ينشأ من عدة جوانب أولا من جانب المؤسسات نفسها بسبب قرارات إدارية قد تكون خاطئة أو ربما قد تكون بها جانب من الغش لمصالح خاصة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم قيام الجمعيات العمومية بدورها في مراقبة أعمال الإدارة التي اختارتها.ولفت الى ضرورة تمتع مراقبي الحسابات بالخبرة المهنية اللازمة والالتزام بقواعد وأخلاقيات المهنة التي تحرص كل النظم في العالم أن تضع لها قواعد ومعايير ومواثيق، ومن ثم فإن عدم اتباع هذه المتطلبات يكون له أحد وجهين إما قصور في خبرة مراقب الحسابات بمعرفة دوره الحقيقي ومتطلبات هذا الدور وإما خضوعه لمتطلبات إدارة المؤسسات واتباعه لتعليماتها إما بحسن نية أو سوء نية وهو ما رأينا له أمثلة على المستوى العالمي غير غائبة على الأذهان.وعن مدققي الشنطة فهذا يدل على وجود خلل في فهم الدور الحقيقي لمراقب الحسابات لدى الإدارات التي تتعامل مع مثل هذه الحالات وهذا التعامل قد يتم من مدخلين، الأول أن هذا يؤدي إلى خفض تكلفة بند التدقيق بالاعتماد على هذه النوعية من المدققين غير المؤهلين، والثاني باللجوء إليهم لقلة الخبرة وبالتالي قد يمكن ولو نظريا عدم اكتشافهم لما قد ترغب الإدارة بإخفائه إن كان لديها ما ترغب بذلك، ولذلك نجد أن كل القوانين والأنظمة التي تحكم عملية التدقيق جعلت عملية تعيين مراقبي الحسابات وتحديد أتعابهم بيد الجمعيات العمومية للمؤسسات وليس بيد الإدارة، وذلك لنفي المصلحة التي قد تنشأ بين هذين الطرفين والتي قد تؤثر في النهاية على مصلحة المساهمين أو الشركاء.وذكر أنه في حال وجود قصور في هذه المنظومة فهذا يعني أن هناك مبدأ ما قد تم تجاوزه أو بالأحرى كسره سواء من قبل الإدارات بعدم تنفيذ دورها أو تجاوزها لهذا الدور، وعلى الجهة الأخرى قد يكون من قبل مراقب الحسابات إما بقصور في الخبرة أو تجاوزه لقواعد وأخلاقيات المهنة الواجب اتباعها، وبالتالي فهذا يعني أن الخلل ليس من نقص القواعد والنظم المحددة لهذه المهنة وهي كثيرة ولكن الخلل يأتي دائما من الأفراد ولكل في ذلك هدف. واشار الى ظهور طرح جديد ينظم العلاقة بين المساهمين أو المستثمرين ومجالس الإدارات وباقي أطراف العملية الاستثمارية الأخرى، أطلق عليه حوكمة الشركات، وبدأ بالفعل سن القوانين والتشريعات له في العديد من دول العالم لتطبيقه تحدد مبادئه وأساليب تطبيقه ويهدف إلى تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد وهذا في النهاية يؤدي إلى تعظيم قيمة المؤسسات أو الشركات، بما يؤدي في النهاية إلى تحقيق مصلحة المساهمين أو المستثمرين أنفسهم. الهاجري: تحميل مراقب الحسابات أخطاء وتلاعب الإدارات غير منصف!أشار رئيس جمعية المحاسبين والمراجعين الكويتية محمد حمود الهاجري الى ان مسؤولية مراقب الحسابات تنحصر في إبداء الرأي بالقوائم المالية في ضوء مراجعته لها، وفق المعايير الدولية واحكام القانون والفروض المحاسبية وهو بالتأكيد ليس مسؤولا عن قرارات الادارة، وهو يؤكد أن جميع العمليات نظمت وسجلت وأعدت بشكل سليم ويبدي في النهاية رأيه عن مدى صحة اعداد الحسابات الختامية والاعمال الجردية والرقابة الداخلية، وذلك في حدود ما وقع تحت يديه من ادلة وبراهين.واضاف الهاجري ان من غير الانصاف تحميل مراقب الحسابات أخطاء وتهور وتلاعب الادارات.وعن وصف بعض المدققين بمدققي الشنطة قال الهاجري إنه وصف جارح بعض الشيء لمهنة راقية وحساسة، وهؤلاء ان وجدوا فهم بالتأكيد لا يراقبون حسابات الشركات الكبيرة والمدرجة بالبورصة، مبينا أن الحد من وجودهم مسؤولية الجهاز الحكومي المسؤول عن الترخيص لهم والرقابة على أعمالهم، وكذلك هي مسؤولية من يقع تحتهم او يكتشف سوء عملهم التبليغ عنهم، وبوجود أدله كافية على ممارستهم المهنة بنظام الشنطة على حد تعبيرك.وعن العلاقة بين مكتب التدقيق وادارات الشركات اوضح أن اختيار مراقب الحسابات يجب ان يتسم بالدقة وحسن الاختيار، وعلى اسس مهنية عالية تبعا لخبرة وكفاءة مراقب الحسابات وجهازه الفني، كما انه من الضروري اتباع نظام حوكمة الشركات، وأن تعهد ادارة الشركة الى جهاز تنفيذي مستقل عن ملاك الشركة واعضاء مجلس الادارة ليضفي مزيدا من حسن الاداء ورفع معدلات الرقابة المطلوبة.وقال ان مهنة مراقبة الحسابات ستظل مهملة ومهمشة في الكويت رغم أهميتها القصوى للنظام المالي والاقتصادي، وسيتحمل المهنيون تبعات الأداء المتدني للبعض والاسلوب غير المهني منهم في غياب الرقابة وتطبيق آداب سلوك المهنة ومحاسبة المسيئ منهم.واضاف ان هذا لن يتحقق لغياب الجمعية المهنية المتخصصة وقصور الجهاز الحكومي المسؤول عن المهنة، وليس هناك على ارض الواقع حاليا أي رقابة أو توجيه أو متطلبات تدريبية لمقابلة مستجدات المهنة، ولهذا السبب رفعت جمعية المحاسبين والمراجعين الكويتية مقترح مشروع إنشاء هيئة المحاسبة والمراجعة الكويتية الى وزير التجارة احمد باقر، آملين ان يلقى الاهتمام المطلوب من الحكومة ليتزامن مع انشاء هيئة اسواق المال في تحويل الكويت الى مركز مالي.وأردف بالقول: لن يكون هناك أي اهتمام من قبل السلطة التشريعية والتي فقدنا الامل بان تلتفت الى تدهور الوضع الاقتصادي، فكل اهتماماتها منصبة على زيادة الرواتب والغاء القروض وترسيخ المخالفات والتعديات وإضرام نار الفتن في تغييب كامل للاولويات لبلد يقوم اقتصاده على النفط والمال.البلوشي: مسؤولية المراقب محصورة في فحص عينات وفق معايير محددةقال د. سعد البلوشي عضو جمعية المحاسبين والمراجعين الكويتية ان مسؤولية مراقب الحسابات تنحصر في قيامه بفحص عينات بطريقة ترتكز على نظام متفق عليه، وفق معايير المحاسبة والمراجعة، لافتا الى ان هذا الفحص يعطي تأكيدا بنسبة قد تصل الى 95 في المئة في ان الحسابات سليمة حسب نتائج الفحص الذي تم اجراؤه.ولفت البلوشي الى ان هذا الامر ينبغي تفهمه من جميع الاطراف سواء كان مراقب الحسابات او مجلس الادارة او المساهمين او المستثمرين.واشار الى ان التقرير الصادر عن مراقب الحسابات يبين القيام بفحص عينة من العمليات بناء على معايير المراجعة، وأن القوائم المالية يتم فيها الاعداد من قبل الادارة، وليس من قبل المراجع، وبأن المراجع يجري فحصه بناء على عينات وان النتائج اثبتت حسب الفحص الذي تم على العينة عدم وجود مخالفات جوهرية.ولفت الى انه قد تمر بالمراقب مخالفات صغيرة لا يذكرها، ولكنها ليست مخالفات جوهرية.وأكد ان المراقب يتحمل المسؤولية في حالتين اثنتين هما: عدم القيام بإجراء الفحص على عينات وفق معايير المراجعة، او عدم القيام بواجبه عند رؤيته لأمور خاطئة والسكوت عنها.وقال ان المراقب طالما انه يقوم بواجبه بطريقة مطابقة لمعايير المراجعة فليس عليه ادنى مسؤولية.الأحمد: مراقب الحسابات أحد أطراف الأزمة إذ لم يفصح عن المخاطرأكد عضو هيئة المحاسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، عضو مجموعة «طلال ابوغزالة» عبداللطيف الاحمد، أن الأزمة الاقتصادية العالمية ذات أسباب كثيرة ويمكن أن يكون مراقب الحسابات أحد أطرافها، وذلك من خلال عدم قيام المدقق بالإفصاح عن المخاطر المترتبة على الشركة نتيجة استثمارها في بعض أنواع الاستثمارات ذات المخاطر العالية اما لجهل المدقق بهذا النوع من الاستثمارات ومخاطره أو لرغبة مدقق الحسابات في إظهار بيانات مالية ذات مستوى عال من الملاءة والبعد عن المخاطر.وقال الاحمد ان ما يردع مدققي الحسابات هو المسؤوليات المدنية والجنائية الملقاة على عاتقهم، إن ثبت عدم بذل هذا المدقق العناية المهنية اللازمة أو تواطؤه مع الشركات في مثل هذه الحالات، ولا ننسى ما حدث في شركة «إنرون» للطاقة في الولايات المتحدة الأميركية عام 2002، إذ أدى إفلاسها وثبوت تواطؤ مدقق الحسابات إلى قيام مطالبات أطراف خارجية إلى إفلاس شركة التدقيق وهي أكبر شركة في مجال التدقيق آنذاك.وأعرب عن اعتقاده بأن أفضل إجابة قد تأتي عن طريق وزارة التجارة والصناعة، مؤكدا ان العلاقة بين مكاتب التدقيق وإدارات الشركات تحكمها مجموعة من التشريعات المحلية وأخلاقيات وسلوكيات المهنة المتعارف عليها في العالم، فإذا ما التزمت بها شركات التدقيق، كان ذلك دعماً لها وعائقا في وجه مجالس الإدارات التي تحاول فرض أي ضغوط على مكاتب التدقيق.