حضارة الصحراء الجديدة

نشر في 20-07-2008
آخر تحديث 20-07-2008 | 00:00
No Image Caption
 سليمان الفليح

إلى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

لو لم يكن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يكتب القصيدة الشعبية التقليدية، التي تتصف بأنها من السهل الممتنع لقلت انه اعظم شاعر سريالي «واقعي»! في هذا العصر، وبالطبع قد يسألني القارئ هنا كيف جمعت السريالية بالواقعية في هذا الوصف المتناقض حقاً، لا سيما اذا عرفنا ان السريالية تخضع الى سطوة الحلم واللامعقول وإطلاق قدرة المخيلة في اللامحدود واللامتخيل ايضا واطلاق حرية العقل الباطن ليملي ما يشاء من اخيلة في منطقة اللاوعي الكلي. بينما الواقعية هي الخضوع التام والشامل الى إملاءات «التعقل» بكل يقظته وتخطيطه، وبالتالي الانقياد اليه بكل ما يمليه على المرء من تصورات مقننة ومدروسة ومقتنة أيضا، وهنا قد يتساءل القارئ عن «شساعة» الفرق بين التفكيرين السريالي والواقعي، بل تناقضهما الصريح.

صحيح ان السريالية كمدرسة فنية انجبت سلفادور دالي وماغريت في الفن التشكيلي وانجبت من جانب آخر بريتون او هو انجبها بشكل ادق- الا انها تمادت بالايغال في الحلم لتصل الى «تريستان تسارا» ليوصلها بدوره الى الدادائية التي تعتبر أكثر حلماً من السريالية ذاتها، الا ان العقلانية «الواقعية» ظلت تراوح في حدود الممكن والملموس والمؤطر والمعتاد الى أن اندمج الحلم بالعقل بفضل المخترعات الحديثة التي لم يكن يتصورها العقل الواعي لولا وجود حالمين حقيقيين جسدوا الحلم حقيقة على ارض الواقع، أي بمعنى آخر ان الذي اخترع الكمبيوتر هو شاعر حالم وروائي خيالي اسمه اسحق عظيموف، الذي تصور ان هنالك آلة صماء تفكر بما يفكر فيه الانسان، وكذلك فعل «الاخوان رايت» في تخيلهما بأن ثمة غرفة من الحديد يجلس فيها أناس وهي تحلق بهم في الفضاء.

والغرفة الحديدية المحلقة هي ما وصفها احد التجار النجديون حينما ذهب هو واخوه الى الهند، وطارا بالطائرة من دلهي الى بومبي وحينام عادا الى مدينتهما عنيزة، واخذ الاخ الصغير يحدث ابناء قومه عن الطائرة او الغرفة المحلقة انبرى اخوه ليدحض كلامه بالقول ان اخي يتوهم لاننا ركبنا في سفينة واختلط عليه الامر، وحينما غادر الرجال المجلس عاتب الصغير شقيقه الاكبر على تكذيبه في حكاية الطائرة، فقال له أخوه: حدث الناس بما يعقل فالسفينة مقبولة لديهم، اما الطائرة فلم تستوعبها عقولهم بعد.

اي انني اود القول ان الشيخ محمد بن راشد هو الذي بمقدوره تحقيق الحلم الى واقع، مثلما عمل فندقا سابحا بل ومدينة سابحة، وها هو اليوم يوقع عقداً مع احدى الشركات على اقامة برج يدور على مدار الاسبوع ليتجه كل يوم الى جهة، اي ان سموه يتحدى المستحيل بل وينفذه بإرادة صلبة وجرأة عالية.

قد يقول قائل من المتنطعين الذين يكرهون الخليج واهله: وماذا بشأن الثقافة والعلم والبنية العليا؟ نحن نقول له: ها إنه اقام مدينة للاعلام واخرى للتراث، ولديه مهرجان سنوي لتكريم الاعلاميين المبدعين، ناهيك عن الجامعات ودور الثقافة، ولعل آخرها مشروع «بيت الشعر العالمي» الذي سيتّحد فيه كل شعراء العالم، يبقى القول اخيرا، وبعيدا عن الرياء، ان محمد بن راشد شاعر وفارس واقتصادي ومعماري يتوازى لديه الابداع في الفن مثلما هو في البناء وهذا امل في تأسيس حضارة عربية جديدة.

back to top