مصلوح والاسلوبية الاحصائية

نشر في 01-03-2009
آخر تحديث 01-03-2009 | 00:01
 آدم يوسف في إحدى محاضرات مادة الأسلوبية لكلية الدراسات العليا في جامعة الكويت، كان د. سعد مصلوح يقدم شرحاً تطبيقياً في قصيدة للشاعر أمل دنقل، تتبع حينها خاصيتي التوازي والتكرار، وكذلك الانزياحات الأسلوبية. لم تكن قاعة الدرس تضم عدداً كبيراً من الطلبة، وبالكاد يتجاوز عددهم خمسة عشر طالباً، إلا أن الجميع كان مشدوداً، إلى المحاضرة، وإلى الاكتشافات والنتائج التي تنتهي إليها الأسلوبية حين تغزو النص بإجراءاتها العلمية والإحصائية الصرفة، ثم تنتهي إلى نتيجة ذات صلة بالمشاعر والوجدان الإنساني.

كان مصلوح يقدم لطلبته، وكنت أحدهم، في كل محاضرة جانباً من جوانب الأسلوبية ابتداء من نشأتها وتكونها أوائل القرن العشرين على يد العالم شارل بالي، وعلاقتها بالاتجاهات اللغوية واللسانية، والخصائص التي تميز التحليل الأسلوبي، عن غيره من مناهج التحليل الأخرى.

لفتني في تلك المحاضرات وقفة تحليلية طريفة عرّج عليها مصلوح في محاضرة مخصصة للأسلوبية الإحصائية، إذ كان يتناول بالدرس والتحليل ثلاثة نصوص نثرية لكل من مصطفى صادق الرافعي، وعباس محمود العقاد، وطه حسين، عمد إلى اختيار ثلاثة آلاف كلمة من كل كاتب من هؤلاء الكتاب، وذلك لاختبار أو قياس الثروة اللفظية لكل كاتب منهم، ومدى تنوعها، وبعد عملية جدولة مطولة، وأسهم علوية وسفلية وشطب لكلمات، وإثبات أخرى، انتهى إلى نتيجة أن أسلوب العقاد هو أكثر الأساليب الثلاثة تنوعاً، يليه الرافعي، ثم بعد فاصل كبير يأتي طه حسين، والفارق بين نسبة التنوع عند العقاد والرافعي ليس كبيراً، في حين يفصل بين الكاتبين من جهة، وطه حسين من جهة أخرى فارق كبير.

إذن النتيجة تنتهي إلى أن أسلوب طه حسين هو أقل الأساليب الثلاثة من حيث تنوع الثروة اللفظية. لم تتوقف المحاضرة عند هذا الحد، بل يسوقنا مصلوح إلى تبرير منطقي يكاد يقنع، حتى من لم يقتنع يوماً بالأسلوبية وجداولها وإحصاءاتها الثقيلة. وهو أن تنوع الأسلوب له علاقة بالكتابة والتنقيح والتعديل، لأن الكاتب يضيف ويحذف ما يشاء من كلمات بعد الانتهاء من كتابة نصه، وبما أن طه حسين كان كفيفاً وهو يملي كتبه على مستملاه، فإنه يفتقر إلى خاصية التنقيح والتعديل هذه.

لا ينفك منتقدو الأسلوبية من ذكر مآخذ ومثالب عليها، منها أن منهجها العلمي الصرف يحول النصوص إلى مجرد ألفاظ جامدة تفتقر إلى المشاعر الإنسانية، وبعيدة عن الواقع الاجتماعي للمؤلف والمحيط من حوله، ولذلك فإن علماء الأسلوبية غالباً ما يشيرون إلى ان الأسلوبية وجداولها الإحصائية طريقة للوصول إلى الدلالة التأويلية في النص، وليست غاية بحد ذاتها.

تتمتع الأسلوبية بمزايا كثيرة، منها أنها تتيح لنا دراسة جميع النصوص، فهي لم تتوقف يوماً على الشعر، وإن كانت تطبيقاتها العملية تلجأ في كثير من الأحيان إلى استخدام النصوص الشعرية. وكذلك تتيح لنا اكتشاف الفروق والمميزات الخاصة بكل كاتب عن أقرانه، وعصر أدبي عن آخر، وصنف أدبي عن غيره من أصناف، فهي استخدامات علمية غير محدودة وإن بدت صعبة على من لم يتقبل فكرة إخضاع النصوص لمختبرات الفحص والتحليل والتجريب.

back to top