قطر والبحرين... وزمن الردة

نشر في 24-12-2008
آخر تحديث 24-12-2008 | 00:00
 فالح ماجد المطيري نحن في الكويت، ورغم الأسبقية الزمنية التي نملكها في ممارسة الديمقراطية المؤسسية مقارنة بمملكة البحرين ودولة قطر، نفاجأ بمن يحسبون كتّاباً ومثقفين، بل أعضاء في مجلس الأمة نفسه يدْعون وبكل «بجاحة» (إلى الارتداد) عن خيار الديمقراطية.

بداية نهنئ الشعبين الشقيقين والقيادتين السياسيتين في كل من مملكة البحرين ودولة قطر بعيدي استقلالهما، متمنين لهما دوام الأمن والرخاء والمزيد من التقدم على طريق الديمقراطية، وترسيخ دولة القانون، وهو الطريق الذي اختارته كلتاهما منذ سنوات، وإن كان للمملكة الأسبقية في هذا المجال، وبالرغم من أن تجربة البحرين قد تعرضت لبعض العثرات التي أدت إلى توقفها فترة من الزمن دخلت خلالها حالة من الاحتقان السياسي، فإن الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وبعد توليه مقاليد الحكم بفترة وجيزة، قام بعدد من الخطوات الجريئة التي تحسب له، وهذه الخطوات في مجملها تعتبر مشروعاً للإصلاح السياسي يعيد المملكة إلى طريق الديمقراطية المؤسسية الشعبية، ويخرجها من حالة الاحتقان السابق ذكرها.

وقدم الملك حمد «ميثاق العمل الوطني» للاستفتاء عام 2000 ووافق عليه الشعب البحريني بنسبة %98،4 وهذا الميثاق- إن تم الالتزام به- يعتبر وثيقة مستقبلية للإصلاح السياسي في البحرين، ويعتبر مشروعاً وطنياً لخلق بداية جديدة في الحياة السياسية البحرينية، وفي نفس الوقت يمكن، ومن خلال الالتزام بهذا الميثاق، رسم المسارات والقيم المستقبلية، وتحديد الأسس والمبادئ التي سيتم العمل بها لبناء التجربة الديمقراطية الجديدة القائمة على احترام القيم الإنسانية المبنية على الثقافة الحقيقية للديمقراطية، والتي تتلخص باحترام قيمة المواطنة وسيادة القانون واحترام الحريات العامة وحقوق الإنسان وحرية الصحافة والتعبير، بالإضافة إلى الميثاق السابق ذكره.

ومواصلة للإصلاحات في المملكة قام الملك حمد بن عيسى بإلغاء قانون أمن الدولة، وأصدر عفواً عاماً عن جميع المعتقلين السياسيين، وسمح لجميع المعارضين في الخارج بالعودة وممارسة العمل السياسي، وتوج الملك إصلاحاته عام 2002 بعودة مجلس النواب المنتخب.

أما في دولة قطر، ومنذ تولى الأمير حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد الحكم، فقد اختار أن يسير بالدولة على طريق الديمقراطية والمشاركة الشعبية، وكانت البداية بإصداره القانون رقم (12) لسنة 1998بتنظيم قانون انتخاب المجلس البلدي المركزي، كما أصدر المرسوم رقم (17) لنفس السنة بنظام انتخاب أعضاء المجلس المذكور، وتميزت قطر بإعطاء المرأة حق المشاركة بانتخابات المجلس كمرشحة وناخبة، وواصل أمير قطر سلوك طريق الديمقراطية لنقل الدولة نقلة نوعية على المستوى السياسي بإصداره الأمر الأميري رقم (11) لسنة 1999 بتشكيل لجنة لإعداد دستور دائم للبلاد، وأمهل اللجنة ثلاث سنوات لإنجازه.

ولإضفاء الصفة الشعبية على هذا الدستور فقد طرح للاستفتاء عام 2003، ووافق عليه 96،64% من الشعب القطري ممن يحق لهم الانتخاب، ويضاف إلى الإنجازين السابقين قيام الأمير برفع الرقابة عن الصحف، وإفساح مجال حرية التعبير بعيدا عن أي رقابة مسبقة، وأسندت هذه الخطوة بإصدار القانون رقم (38) لسنة 2002 بإنشاء اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وذلك لحماية حقوق الإنسان وحريته في التعبير، ومنع أي تجاوز عليهما.

وقد كان الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية خير معين للأمير لإنجاز هذا المشروع الإصلاحي، وهو «رجل دولة» بالمعنى الحقيقي للكلمة، حيث استطاع أن يجعل لدولة قطر مكانة على الخارطة الدولية، متجاوزاً بذلك إمكانات الجغرافيا المحدودة وعدد السكان القليل لقطر.

هذه الإصلاحات في كلا البلدين لاقت ترحيبا على كل المستويات الدولية والمحلية، وقد أثنى الكتّاب والمثقفون في كليهما على هذه الخطوات، بل زادوا بمطالبهم ليكون هناك المزيد من هذه الإصلاحات على طريق الديمقراطية.

ونحن في الكويت، ورغم الأسبقية الزمنية التي نملكها في ممارسة الديمقراطية المؤسسية مقارنة بمملكة البحرين ودولة قطر، نفاجأ بمن يحسبون كتّاباً ومثقفين، بل أعضاء في مجلس الأمة نفسه يدْعون وبكل «بجاحة» (إلى الارتداد) عن خيار الديمقراطية، ويؤلبون الناس على تعطيل المجلس وتعليق الدستور، متناسين أن الديمقراطية التي تنعم بها الكويت اليوم هي نتاج كفاح ونضال الحركة الوطنية الكويتية منذ عشرينيات القرن الماضي، وهم بكل تأكيد لافضل لهم في ذلك ولانبل في دعوتهم تلك، ولكن في زمن «الردة» السياسية وضيق صدر مؤسسة الفساد من الرقابة الشعبية فإن ذلك ليس بغريب!

back to top