الأمير: المعتقدات الدينية لم تكن سبب مآسي البشرية...بل نهج التطرف والتعصب والتمييز
في كلمة سموه امام الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك بشأن حوار الاديان، شدد سمو امير البلاد الشيخ صباح الأحمد على ضرورة تركيز جهود العالم على تأصيل القيم الدينية والاخلاقية الصافية والمبادئ العادلة المشتركة التي تنادي بها جميع الاديان.وأكد سمو الامير في الكلمة التي القاها في اجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك بشأن حوار الاديان، ضرورة الالتزام بتمويل البرامج التي تعمل على نشر ثقافة التسامح والتفاهم عبر الحوار، لتكون اطارا للعلاقات الدولية.
وأشار سموه الى ان أبلغ نتيجة للاجتماع حول حوار الاديان هي ان يَصدر تعهد عالمي باحترام الاديان وعدم المساس او التعرض او التهكم على رموز الاديان، مضيفا أن التحليل السليم لاسباب مآسي البشرية يبين أنها ليست بسبب المعتقدات الدينية، انما بسبب نهج التطرف والتعصب والتمييز.وفي ما يلي نص كلمة سموه:بسم الله الرحمن الرحيمالسيد الرئيس،،،اصحاب الجلالة والفخامة والسمو،،،السادة والسيدات رؤساء واعضاء الوفود،،،أحييكم تحية الاسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأحمد الله اننا جميعا في هذه القاعة جئنا لتعزيز السلام والخير للبشرية، والسعي لتقوية التواصل بيننا عبر الحوار والتفاهم، والتركيز على ما يجمعنا من قيم واواصر، ونبذ ما يفرقنا من هواجس وظنون.السيد الرئيس،،،أتقدم اليكم بالتهنئة لترؤسكم لهذا الاجتماع رفيع المستوى، متمنيا لكم التوفيق في مداولاته، كما انه من دواعي سروري ان اخص بالشكر اخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة، صاحب المبادرة والدعوة لعقد هذا الاجتماع عالي المستوى، في قاعة الجمعية العامة للامم المتحدة، التي أنشئت أساسا لاحتضان الحوار وترسيخه، كمبدأ في العلاقات الدولية في السعي لتحقيق السلام، ومد جسور التعاون والتواصل بين الامم والشعوب.فله منا كل الشكر والتقدير لجهوده الخيرة والمتواصلة في هذا المجال، متمنين له التوفيق الدائم في مساعيه التي نؤيدها تماما، كما نثمن النتائج الطيبة للمؤتمر العالمي للحوار، والذي عقد في شهر يوليو الماضي في اسبانيا برعاية وجهد كريمين من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وجلالة الملك خوان كارلوس ملك اسبانيا.السيد الرئيس،،،لا يفوتني ان اشكر معالي الامين العام للامم المتحدة واجهزتها المتخصصة في تبني الاهداف السامية للحوار، وتأصيل ثقافة السلام بين الشعوب، ووضع البرامج ورسم الطريق لخلق عالم ينبذ التعصب، ويقوي الوسطية، يصهر الاعراق ويذيب الفوارق، يزيل الحواجز، ويفتح الافاق، يعظم القواسم المشتركة بين الشعوب، ويزيل العوائق عن طريق التعاون.السيد الرئيس،،،ان عالمنا اليوم، يمر بظروف عصيبة، تعاظمت فيها المشاكل، وتنوعت، تعقدت فيها الحلول وتعسرت، اختلط فيها العجز عن حل القضايا السياسية في مناطق عديدة من العالم، فظهرت صراعات وحروب اهلية جديدة، تشابكت فيها الازمات الاقتصادية الملحة، مع الكوارث الطبيعية المهلكة، برزت ظواهر جديدة وتعاظمت، كظاهرة الارهاب، والمخدرات، والتمييز، تفشت روح العصبية والكراهية، وتأججت مشاعر البغض والعزل بين معتنقي الاديان والثقافات والاتجاهات السياسية، ووجهت اعنف الاتهامات والتجريح لرموزها ومبادئها وقيمها.لقد هزت هذه الظواهر كلها، ومع مزيد من الاسف اسس الاستقرار العالمي، الامر الذي يتوجب علينا نحن كقادة وشعوب ان نتحمل مسؤولياتنا التاريخية، في التمعن في واقعنا المؤلم، وذلك من خلال الحوار الجاد والصادق بيننا كشعوب وديانات وثقافات.وان نركز جهدنا على تأصيل القيم الدينية والاخلاقية الصافية، والمبادئ العادلة المشتركة، التي تنادي بها جميع الاديان، وتنطلق منها جميع الثقافات، وان تكون نقطة التقاء بيننا، تجمعنا على الخير وتوفر لنا اساسا وعاملا مشتركا من التعاون والسلام.اننا مطالبون اليوم، واكثر من اي وقت مضى، بتحويل ثقافة العالم من ثقافة كره وتعصب وحرب الى ثقافة حوار وتعايش وجوداً وفكرا.ان سبيلنا لذلك هو الايجابية في التعامل والتفاعل بعضا مع بعض، دون عقد او خوف، منطلقين من حقيقة اننا جميعا مؤتمنون على مقدرات البشرية وتنميتها لصالح الانسان. السيد الرئيس،،،لعل البداية الضرورية للسلوك في هذا الطريق تأتي من خلال الحوار بين قادة الفكر من اتباع الاديان السماوية والمعتقدات الاخرى، والذي اصبح الآن جزءا من المشهد السياسي، فالامم المتحدة مثلا ساهمت في خلق الاجواء المناسبة لذلك، فاصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة قرارها باعتبار عام 2001 عاما للحوار بين الحضارات، ومواجهة حملات الكراهية، وتأجيج الصراع، كما ان الامم المتحدة اصدرت قرارا آخر باعتبار عام 2010 عام التقارب بين الثقافات.السيد الرئيس،،،ان التحليل السليم لاسباب المآسي التي مرت بها البشرية لم يكن باي حال من الاحوال بسبب المعتقدات الدينية، أو القيم الثقافية، انما كان بسبب نهج التطرف والتعصب والتمييز، الذي ابتلي به بعض اتباع الاديان السماوية والمعتقدات الاخرى.ان الاديان السماوية في جوهرها ونهجها وتعاليمها تقدم الحلول للمشاكل التي تواجه البشرية، وليست هي باي حال من الاحوال سببا في تلك المشاكل، وبالتالي فعلى رجال الدين والمثقفين من كل الديانات مسؤوليات في ابراز تلك الحقائق، والمساعدة على تصحيح المفاهيم الخاطئة في أذهان المنتسبين لتلك العقائد.كما ان على رجال الفكر، والتعليم والتربية خلق وعي لدى الناشئة وصقلهم لاحترام المعتقدات السماوية، وزرع روح وسطية، وقيم التسامح، والتفاعل الايجابي بين مختلف الاديان والعقائد.وعلى وسائل الاعلام والتي تشكل الفكر وتغذي العقول ان تكون ايجابية في تناولها لمثل هذه المواضيع، مدركة في تأثيرها على تشكيل الرأي المنصف والمستنير، مؤمنة بترابط البشرية ووحدتها.السيد الرئيس،،،لا يخفى علينا جميعا كقادة وشعوب مسؤولياتنا التاريخية في محاربة التطرف والتمييز، وبث نهج الوسطية والاعتدال والابتعاد عن الغلو.ان هذه المهمة ليست بكل تأكيد بالمهمة السهلة، لكنها مهمة ضرورية، ولنا نحن في الكويت مساهمات ومجهودات متعددة وبرامج كثيرة في هذا المجال، فقد أنشأت الكويت مركزا عالميا للوسطية، عقد عدة مؤتمرات فكرية منها مؤتمر دولي في لندن، وآخر في واشنطن خلال العامين الماضيين، كما قامت الاجهزة الحكومية المختصة باعداد برامج وندوات موجهة لكل شرائح المجتمع، اسهمت في خلق الوعي الوسطي لدى الناس، كما عقدت الكويت، ورعت العديد من المؤتمرات والندوات الاقليمية والدولية حول نهج الوسطية في الاسلام، وزرع منهج التسامح الديني بين الشعوب، واحترام معتقدات اتباع الديانات السماوية، وحفظ مكانتها ورفض الاساءة لرموزها، والوقوف ضد استخدام المعتقدات الدينية للتمييز بين افراد المجتمع، واحترام خصوصيات الشعوب وحقها في المساواة والعيش المشترك.ان كل ذلك هو الاصل في العلاقة بين البشر، كما ان تحقيقها هي الغاية الكبرى في كل الديانات والثقافات.السيد الرئيس،،،ان أبلغ نتيجة لتجمعنا الخيِّر هذا، وفي هذه القاعة هو ان يصدر عنه تعهد عالمي باحترام الأديان، وعدم المساس او التعرض، او التهكم على رموز تلك الأديان، وردع مرتكبي تلك الأفعال، والداعين لها.كما ان علينا التعهد بالالتزام بمنع الحملات التي تسعى لتعميق الخلاف بين الأديان، وتقويض فرص التعايش بين البشر.وان نلتزم ونشجع ونمول البرامج التي تعمل على نشر ثقافة التسامح والتفاهم عبر الحوار لتكون اطارا للعلاقات الدولية، وذلك من خلال المؤتمرات والندوات وتطوير البرامج الثقافية والتربوية والاعلامية لتحقيق تلك الاهداف.السيد الرئيس،،،ان خير ما أختتم به كلمتي أمام جمعكم الكريم هو قول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:بسم الله الرحمن الرحيم«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ».صدق الله العظيمهذا هو نهجنا، وهذه هي غايتنا وطموحنا، هذه هي رسالتنا إلى العالم كله.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،