باريس 1924: الإجادة الأدبية والفنية...وآخر مهرجان برئاسة كوبرتان العالم يكتشف طرزان الكبير ويعجب بنورمي

نشر في 20-07-2008 | 00:00
آخر تحديث 20-07-2008 | 00:00

فتحت باريس أبوابها واستقبلت للمرة الثانية الدورة الأولمبية بنسختها الثامنة بتمن خاص من البارون بيار دو كوبرتان الذي أراد أن يكون ختام حضوره للدورات كرئيس للجنة الأولمبية الدولية من وطنه الأم فرنسا، لهدف أراد منه محو الصورة السيئة التي ظهرت بها بلاده، حين استضافت الدورة الثانية عام 1900، ولاقت فشلاً ذريعاً من جميع النواحي، وتأكيد مقدرة الشعب الفرنسي على احتضان كبرى التظاهرات الرياضية، وبالفعل نجحت فرنسا في ترك أثر بارز بالرغم من الصعوبات التي صادفتها من مالية أولاً وطبيعية ثانية، تمثلت في فيضان نهر السين عام 1923 مخلفاً كوارث جمة أصابت البنوك والبنى التحتية وسائر المباني، إلا أنه رغم ذلك خرج الفرنسيون بدورة كبيرة شكلت مفترق طرق وثورة جديدة في المهرجانات الأولمبية إن كان عن طريق كثافة المشاركة أو النتائج الفنية والمنافسة أو التنظيم أو الإقبال الجماهيري.

كرمت باريس مجددا فمنحت شرف تنظيم دورة الألعاب الاولمبية الثامنة، بعد 24 عاما من المرة الأولى، و30 عاما من تأسيس اللجنة الاولمبية الدولية. وصادفت ومرحلة التغيرات الثقافية والفنية والعروض المسرحية والمناظرات والندوات التي راجت كثيرا في المقاهي والمسارح.

الفترة التي خصصت للألعاب امتدت من 4 مايو إلى 27 يوليو 1924. وشارك فيها 3092 رياضيا بينهم 136 امرأة من 44 بلدا، تنافسوا في 18 لعبة هي: الملاكمة والمصارعة والدراجات وكرة الماء والتجديف والفروسية وألعاب القوى واليخوت والجمباز والسباحة والغطس والبولو والركبي والخماسية الحديثة والرماية وكرة المضرب ورفع الأثقال والسلاح وكرة القدم.

أما الدول الوافدة الجديدة فهي ايرلندا والمكسيك وبولندا ورومانيا واوروغواي والفلبين وإكوادور. وحرمت ألمانيا من المشاركة، كما حصل قبل أربعة أعوام. وبدءا من هذه الدورة، منحت اللجنة المنظمة نقاطا للفائزين الستة الأوائل في الادوار النهائية، فأعطت الحاصل على المركز الأول 7 نقاط، وصولا إلى نقطة واحدة لصاحب المركز السادس، واعتمدت للمرة الأولى قرية اولمبية مجمعة للرياضيين.

وفي الترتيب النهائي لجدول الميداليات، حلت الولايات المتحدة أولى برصيد 45 ذهبية و27 فضية و27 برونزية، وتلتها فنلندا (14-13-10) ثم فرنسا (13-15-11). وتكريما للألعاب تحولت بقعة معزولة في منطقة كولومب إلى واحة نابضة بالحياة، حيث الاستاد الذي يتسع لـ60 ألف متفرج، وازدحمت مدرجاته بهذا العدد الكبير يوم الافتتاح ووصف هنري دومونتليرون المشاركين في طابور العرض بأنهم زهور العالم.

شخصيات مهمة حضرت الافتتاح

وإذا كان «تدشين» الألعاب حشد جمعا كبيرا من مشاهير العالم، فتقاطرت سيارات رولز رويس لنقلهم، ومنهم شاه إيران وإمبراطور إثيوبيا هايلي سيلاسي وأمير رومانيا، واحتلوا أماكنهم في منصة الشرف بجانب رئيس فرنسا غاستون دوميرك، فإن المنافسات جيشت شريحة الفنانين والأدباء والشعراء واحتدمت «المعارك الأدبية» في تمجيد الابطال سعيا إلى الظفر في المباريات الأدبية الموازية.

استوحى الفنانون أعمالا عدة من برج ايفل المشرف على كولومب، وقسم الرياضيين الذي أداه احد أبرز الوجوه المحلية جيو أندريه الذي سبقت له المشاركة في دورتي لندن 1908 وستوكهولم 1912، والمبارزات والنزالات ومسابقات المضمار والميدان، ومنهم جان كوكتو الذي لم تكن مشاهدة المباريات مألوفة لديه، وبالتالي «عايش غرائب» كثيرة من على المدرجات.

كانت المرحلة عصر أدباء منذ بول كلوديل وبول فاليري وأندريه جيد والفرق الموسيقية الجوالة، والأغاني التي تدغدغ القلب والرأس، وأشهرها أغنية موريس شوفالييه الداعية إلى الحب والانشراح «لننسى الهموم... الأحزان عابرة وكل شيء يتدبر».

وكان هناك رسامون أمثال ايريك ساتي الذي استوحى أعمالا ولوحات من أجواء المباريات وتفاعل الجمهور، وكتاب وموسيقيون واظبوا على الحضور والمتابعة من المدرجات أمثال جيو شارل الفائز بذهبية الأدب وهو من المواظبين على المشي الرياضي والذي وصف رامي الجلة بمن «يحضن قلبه ويرمي الثقل بعيدا... كتلة مآس يتخلص منها...».

وطبعا النتائج الأدبية والفنية لم تنل رضى الجميع، إذ استاء دومونتليرون واعتبر نفسه الأحق بالتتويج، ومثله الرسام الياباني المقيم في العاصمة الفرنسية. فوجيتا.

كثر هم الذين خطفوا الأضواء، في مقدمهم العداء الفنلندي بافو نورمي نظرا لإحرازه خمس ذهبيات في جري المسافات المتوسطة والطويلة، وعداء المسافات القصيرة الاميركي هارولد ابراهامز، والسباح الاميركي جوني فايسمولر الذي لعب دور طرزان على الشاشة.

السباق الأسطوري

وحكي عن سباق 800 م كما يحكى عن الأساطير الإغريقية، وهو جمع السويسري بول مارتن والبريطاني دوغلاس لووي في «منازلة» استقطبت اهتمام الأدباء، وبعد نحو 20 عاما جسّدت وقائعها من خلال عمل مسرحي لجان لوي فارو، وقاد الفرقة الموسيقية شارل مونش.

بلغ طول لفة مضمار استاد كولومب 500 م، وتنافس في «السباق الأسطوري» ثلاثة اميركيين وأربعة بريطانيين، ومارتن الذي أصبح لاحقا جراحا مشهورا.

ويتذكر السويسري لحظاته كافة حيث كانت الأنظار مصوبة إلى البريطاني ستالارد، «وقد تجاوزته قبل إن يفاجأني لووي، لذا استنزفنا قوانا حتى خط النهاية».

في البداية تقدم ستالارد بنحو ثلاثة أمتار، وحين تراجع نفذ لووي من الزحمة «وحيث تعيّن علي ملاحقته، كان إمامي بنحو خمسة أمتار... ووصلنا معا لكنه اجتاز قبلي شريط النهاية، والتفت نحوي ونادني عزيزي بول، إذ سبق إن تعارفنا وركضنا معا في دورة الألعاب الجامعية... وأدركت فوزه وصافحته مهنئا».

ويؤكد مارتن انه سّر بإحرازه الميدالية الفضية وكأنه صاحب المركز الاول.

نورمي... رجل الحسابات

وإذا استعرضنا أيام ألعاب باريس، يأخذنا الحديث للتوقف عند ظاهرة الفنلندي نورمي بطل سباق 1500م و5000 م، كان يظهر عليه دائما الحرص على التركيز والحضور الذهني والبدني فظن البعض انه يفضل الانزواء وعدم الاختلاط. وعرف عنه قيامه بتدريبات مرحلية تصاعدية لضمان اللياقة والقدرة على التحمل، لذا سمي بـ«رجل الحسابات» والإيقاع والخطوات المدروسة الواسعة وانتظام ذلك مع التنفس وتآلفه، علما بأن بلوغ ذلك بحاجة إلى تضحيات كبيرة.

كان نورمي (27 عاما) حطم الرقم القياسي الاولمبي في سباقي 1500 م (3.6.53 دقائق) و5 آلاف (14.31.2دقيقة). وجاء انتصاره في السباق الثاني بعد 20 دقيقة فقط من إنهائه الأول مكللا بالغار، وهذه ظاهرة نادرة بحد ذاتها.

وشارك نورمي أيضا في سباق الضاحية (10 آلاف متر)، الذي بلغ فيه عدد المتبارين 36 عداء من فرنسا والولايات المتحدة والسويد وفنلندا، لكن 23 انسحبوا، وكتبت الصحف في اليوم التالي معلّقة انه سباق خطر، كان درب جلجلة في ظل حرارة وصلت إلى 40 درجة مئوية، وكان يجب إلغاؤه. الاتحاد الفرنسي لألعاب القوى اخطأ من دون شك»، كان الغريب إن نورمي أنهاه، بفارق كبير بعيدا من الآخرين، نضرا ومنعشا!

أما ابراهامز الذي فشل في محاولته الأولى في أنفير، فقد عادل في باريس الرقم الاولمبي للمئة متر (10.6 ثوان) مرتين في التصفيات وفي السباق النهائي، وتميّز القس البريطاني اريك ليدل، بارتدائه السروال الطويل إلى ما دون الركبتين، وتمتعه بطاقة تفوق قوة لاعبي الركبي، وهو أصبح مرسلا مبشرا في الصين. وقد أحرز سباق 400 م بعدما حّل ثالثا في 200 م.

الوجه المضيء جوني أصبح طرزان الشاشتين

وأطلق على السباح جوني فايسمولر لقب «الوجه المضيء»، فهو أحرز بسهولة بالغة ذهبيات السباحة لمسافات 100 م حرة، وفيه سجل رقما قياسيا كاسرا حاجز الدقيقة (59 ثانية)، و400 م حرة والبدل، ولو سمح له بخوض سباقات أخرى لفاز بها كما أوضح شخصيا.

والمعمرون الذين تابعوا منافسات حوض توريل عامذاك يصفون تلك الأيام بـ«التاريخية»، كان أسلوبه جديدا، ومثيرا يعوم ونصف جسده في الماء.

هذا الشاب الأسمر البشرة (مواليد 1904) من أصل نمساوي كان حتى سن الثامنة يخاف من المياه ويخشى الاستحمام في مغطس المنزل. وصادف ان شاهده مدرب في شيكاغو ولفتت نظره قامته الممشوقة ويداه وقدماه الكبيرتان فحمله وشجعه ليحصد لاحقا 57 لقبا اميركيا و62 رقما عالميا.

فايسمولر طرزان الشاشتين الفضية والذهبية، انطلق في السينما عام 1930، وتلقفته هوليوود لأنه كان يعرف العوم جيدا. اشتهر بصرخته المدوية في أفلامه أكثر من حواراته مع طرزان الصغير (جوني شيفيلد). وهو أحسن، هذه الصنعة وتألق في هذه الميزة. صرخة في البراري والأدغال «مخارجها» من العبارات المتداولة في جبال النمسا مسقط أجداده.

قرية الرياضيين

شهدت هذه الدورة بناء أول قرية اولمبية للرياضيين، طبعاً ليس بالمفهوم وبالشكل المعروف اليوم، حيث كانت عبارة عن غرف خشبية شيدت حول الاستاد الأولمبي «كولومب» ولم يكن فيها الكثير من وسائل الراحة، لكنها شكلت نقلة جديدة في التطور الاولمبي للدورات المتعاقبة، أما أول قرية أولمبية اشتملت على العديد من وسائل الراحة فهي تلك التي شيدت في دورة لوس أنجلس عام 1932.

أمستردام 1928: أمستردام تنال حظها الأولمبي... والشعلة توقَد رغم أنف الملكة فيلهلمين  مصر تسجل اسمها في السجل الذهبي... وألمانيا تعود بعد غياب 16 سنة

بعد فشل لازمها دورتين متتاليتين نجحت العاصمة الهولندية أمستردام في أن تنال حظها الأولمبي، مما يعني نجاحها في احتضان دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التاسعة لعام 1928 من السابع عشر من مايو حتى الثاني عشر من أغسطس، في جو من السلام والهدوء، وكانت قد حصلت على شرف الاستضافة في الثاني من يونيو عام 1921 خلال المؤتمر السنوي للجنة الأولمبية الدولية في ظل منافسة من لوس أنجلس الأميركية.

وحدها أمستردام كانت المدينة التي ترشحت لاستضافة الدورة الاولمبية التاسعة عام 1928، فنالت حق التنظيم والاستضافة، وأضافت جديدا إلى «طقوس» الألعاب، تمثل في ايقاد الشعلة للمرة الأولى.

أقيمت الدورة التاسعة رغم ممانعة ملكة هولندا فيلهلمين التي اعتبرت الدورات الاولمبية تظاهرة وثنية، لكن استفتاء شعبيا قضى بعكس ذلك... وافتتحت الألعاب في غيابها، بمشاركة 3293 رياضيا من 46 بلدا، بينهم 290 امرأة، تنافسوا في 111 مسابقة. وشهد البرنامج مباريات في الملاكمة والمصارعة والدراجات وكرة الماء والجمباز والتجديف والفروسية وألعاب القوى (بينهما خمس مسابقات للسيدات) واليخوت والسباحة والغطس ورفع الأثقال والمبارزة والهوكي على العشب وكرة القدم.

ودخلت دول جديدة على خط المشاركة، هي: بنما وروسيا الشمالية ومالطا، وعادت ألمانيا إلى «العائلة» بعد تغيب استمر 16 عاما، لكن الترحيب الهولندي بحضور بعثتها، والود الذي أظهر تجاهها قابله رفض فرنسي لدخول طابور العرض احتجاجا على ذلك، وأيد الاميركيون الموقف الفرنسي، وكان يرأس بعثتهم الجنرال الشهير بعدها ماك آرثر احد أبطال الحرب العالمية الثانية.

وفي الترتيب النهائي للميداليات، بقيت السيطرة للولايات المتحدة فتصدرت بـ22 ذهبية و18 فضية و16 برونزية، في مقابل 10 ذهبيات لألمانيا و7 فضيات و14 برونزية، وحلت السويدية ثالثة (7-6-12).

مصر في السجل الذهبي

وباتت مصر أول دولة عربية تسجل اسمها في السجل الذهبي، إذ عرف إبراهيم مصطفى التتويج بالذهب في الوزن خفيف الثقيل للمصارعة اليونانية- الرومانية، وأضحى أول فائز في الدورات الاولمبية من خارج «النادي الأوروبي»، ونال مواطنه سيد نصير ذهبية رفع الأثقال لوزن خفيف الثقيل، وحصد فريد سميكة الذي تدرب في الولايات المتحدة فضية الغطس من المنصة الثابتة وبرونزية المنصة المتحركة.

ورفع العداء الفنلندي بافو نورمي عدد ذهبياته إلى 9 في 3 دورات، وفرض جوني فويسمولر «طرزان» نفسه من جديد في السباحة.

وفاجئ الكندي بيريس وليامس الجميع بفوزه في سباقي الجري 100 م و200م.

وحصل الفرنسي الجزائري الأصل محمد بوقره العوافي على ذهبية الماراثون... وحفظت السجلات اسم الإيطالية ليويجينا جيافوتي التي أحرزت فضية في الجمباز، وغدت اصغر متوجة اولمبية وهي في سن الـ11 عاما و302 يوم.

ولان الدورات الاولمبية عادة ما تكون مصحوبة بالمفارقات، فقد راجت الأخبار ودارت حول بعض الوقائع والظواهر، ولا سيما في ما يتعلق بمشاركة السيدات، خصوصا في ألعاب القوى، وذلك طبعا عكس رغبة «المؤسس» البارون الفرنسي بيار دو كوبرتان الذي أصبح هرماً، فآثر الراحة بعيداً عند الجو المشحون، غير أن عبارته الشهيرة «إن مشاركة النساء غير عملية وغير مهمة وغير صحية، وتخلو من الناحية الجمالية، ظلت تتردد طويلا في أروقة الملعب التحفة الذي صممه يان ويلز، واعتبر لاحقاً معلماً تاريخياً رغم الحملات الموجهة لهدمه... ومنح لاحقاً الميدالية الذهبية للتصميم تقديرا لهذا الابتكار».

كوبرتان لم يشجع مشاركة النساء رياضياً

ظل كوبرتان يطالب بأن يقتصر دور الجنس اللطيف على الجانب البروتوكولي المتعلق بتوزيع الجوائز ومراسم التكريم... «لأن بنية المرأة لا تقوى على تحمّل مشاق التدريب المضني والجهد الكبير في المسابقات». وأثارت إقامة سباق 800م للسيدات أسئلة كثيرة، نظرا إلى اعتباره «كارثيا» على بعض المشاركات، علما بأن المتوّجة الأولى فيه كانت الألمانية لينا روكيه باتشمان، والتي أضحت ثاني ألمانية تحرز ميدالية لبلادها في ألعاب القوى... فقد حذف السباق لاحقا من البرنامج، ولم يعد أدراجه إلا في دورة عام 1960 في روما.

وترافقت تحفظات دو كوبرتان المستمرة عن المشاركة النسائية مع وصية الوداع التي ناشد فيها الجميع المحافظة على المثل الاولمبية، وفي مقدمتها الهواية... هذه «المثالية» التي بدأت تتحول إلى كابوس بالنسبة لكثيرين، ويقع البعض ضحايا خرقها.

وتمثلت حالات الرفض الشديدة لأفكار دو كوبرتان الخاصة بمشاركة المرآة بحركة رائدة في فرنسا عام 1920 بطلتها تيريز بروليه، يومها كانت رياضة «الجنس اللطيف» كناية عن رقص إيقاعي أو جمباز إيقاعي في مدرسة أيرين بوبار.

ومن الأسماء التي رسخت في تاريخ «الأولمبياد التاسعة» بطل المبارزة الفرنسي لوسيان غودين، فعلى رغم نيل الايطاليين حصة الأسد في مسابقات اللعبة، إلا أن غودين ابن أل 42 عاما حصد ذهبيتي الحسام والشيش، وهو انتصار انتظره 25 عاما، منذ حقق لقبه العالمي الأول عام 1903.

الماراثون

وفي الماراثون، فاجأ العوافي (العامل في مصانع رينو) الجميع، وسجل زمنا ممتازا مقداره 2.32.57 س، خاطفا اللقب من صاحب الأفضلية الأول الفنلندي مارثي مارتيلين والفرنسي غيوم تل، الذي اكتفى بالمركز الـ29، وحشد من أقوياء فنلندا واليابان وأميركا الجنوبية، الذين نفذ منهم التشيلي ميغل بلازا، ولم يتفوق العوافي عليه إلا بفارق قليل، بفضل «ملكاته الطبيعية» في الخطوات السريعة والطويلة. والمفارقة أن الفوز الفرنسي تجدد بعد 28 عاما من احراز ميشال ثياتو لقب السباق في دورة باريس عام 1900... وتكرر بعد انتظار 28 عاما أخرى، بفضل إنجاز ألن ميمون الجزائري الأصل أيضا في دورة ملبورن عام 1956.

وأصبح أمير السويد اولاف الخامس أول بطل من عائلة مالكة عندما أحرز ميدالية في سباق اليخوت... ودشنت الهند أول ألقابها الستة المتتالية في الهوكي على العشب بفوزها أمام 50 ألف متفرج... ومهدّت أوروغواي للقبها المونديالي الأول في كرة القدم عام 1930 على أرضها، بالذهبية الاولمبية في أمستردام.

ميكيو أودا (1905-1998)

أول بطل أولمبي آسيوي في المسابقات الفردية، فاز بذهبية مسابقة الوثب الثلاثي مسجلاً 15.21 متراً، ونافس أيضاً في مسابقات الوثب الطويل والوثب العالي، في العاب 1924، 1928، و1932 وحقق رقماً عالمياً عام 1931 مسجلاً 15.58 متراً، وتقديراً لإنجازه في أولمبياد أمستردام 1928، تم اختياره لرفع العلم الأولمبي في دورة الألعاب الأولمبية عام 1964 في طوكيو إلى ارتفاع 15.21 متراً. واختير عام 2000 أفضل لاعب ألعاب قوى في آسيا عن القرن العشرين.

الشعلة الأولمبية

لأول مرة في تاريخ الألعاب الأولمبية تم إيقاد الشعلة الاولمبية في افتتاح دورة العاب أمستردام 1928، وقد بُني لهذه الغاية برج خاص هندسه هولندي يدعى يان ويلز، وأضاءها احد العاملين في شرك الكهرباء في أمستردام وظلت مشتعلة طوال فترة الدورة، ومنذئذ لم تغب الشعلة عن الألعاب الاولمبية، وسجل أول تبادل لها عبر العالم عام 1936 في أولمبياد برلين.

بيرسي ويليامس (1908-1982)

من مواليد فانكوفر في كندا، فاز في التصفيات الكندية المؤهلة لاولمبياد أمستردام في سباقي المئة والمئتي متر، وكان هو نفسه متفاجئاً بنتيجته، شارك في هولندا وحقق نتيجة مميزة في السباقين عن عمر 20 عاماً، بفوزه في الاثنين بعد تركيزه كثيراً على الانطلاق حيث نجح في السباقين بالتصدر منذ البداية، وقد برهن في سباقات وبطولات أخرى عدة أنه الأفضل عالمياً وقتها، إذ نجح في الفوز في تسعة عشر سباقاً من أصل 21 خاضها، شارك في ما بعد في أولمبياد لوس أنجلس 1932 لكنه فشل في التصفيات الربع النهائية، ومن ثم ترك العاب القوى بعد ذلك.

إليزابيت روبنسون «1911 - 1999»

كانت في عمر الـ16 عاماً حين اكتشف أحد المدرسين سرعتها المميزة، خاضت أول سباق لها قبل أربعة أشهر فقط من أولمبياد أمستردام 1928، محققة رقماً عالمياً جديداً في المئة متر، نافست في السباق نفسه في الألعاب الاولمبية فباتت أول امرأة تعانق الذهب في الألعاب الأولمبية في رياضة ألعاب القوى، وعززت غلتها بفضية الـ4×100م. تعرضت بعد ثلاث سنوات من فوزها الاولمبي لحادث تحطم طيارة، اعتقد من وجدها أنها ميتة فنقلها إلى حانوتي، بقيت في غيبوبة مدة سبعة أسابيع، وعاجزة عن المشي بشكل جيد مدة سنتين، لكنها تماثلت للشفاء في ما بعد، أرادت العودة إلى الجري لكنها كانت عاجزة عن طي ركبتها كاملاً، وبالتالي لا قدرة لها على أخذ وضع الاستعداد في الانطلاق، لكنها عدت في أولمبياد 1936 في البدل وفازت بذهبية الـ4×100م.

نهاية دراماتيكية لنورمي وللادوميغ

استعراض وقائع دورة أمستردام 1928، لا يكتمل من دون التطرق إلى ظاهرة الفنلندي نورمي مجددا، والنموذج الفرنسي حول لادوميغ... والنهاية الدراماتيكية، فضلا عن إيلاء التغذية المدروسة الاهتمام للمرة الأولى، وقد حملت باخرة الرئاسة الاميركية لـ250 رياضية ورياضيا من الولايات المتحدة وجبات عدة، وكمية كبيرة من المثلجات و580 شريحة لحم تحتوي على الفيتامينات الكاملة!!

صحيح أن نورمي قطف ذهبية الاولمبية التاسعة لهذه الدورة من خلال فوزه في سباق 10 آلاف متر وتسجيله رقما قياسيا جديدا أمام مواطنه فيلهو ريتولا، الذي ثأر منه في سباق 5 آلاف متر لكنه ظل ذلك «التمثال الجامد» الذي يتجنب الآخرين، ويتحاشى الإدلاء بتصريحات أو حتى الابتسام حين تلتقط له الصور. وتذكر التقارير انه شوهد للمرة الأولى يضحك عام 1920 في خضم سباق 3000 م موانع الذي خسره أمام مواطنه تينو لوكولا (8.12.9 د رقم اولمبي جديد)، حين تعثر في حفرة المياه، ومد إليه منافسه دوكنسي يده ليساعده في المتابعة... فكانت لفتة شكر منه عبرّت عنها معالم محياه التي انفرجت أساريرها !! غير أن هذا الشرود سهل فوز لوكولا.

نورمي «انتهى» منبوذا بعد الدورة، وأوقف دوليا بعدما اتهم بنيله 25 ألف دولار لقاء المشاركة في عدد من السباقات، فاستبعد عن الساحة العالمية... ولحق بالمصير التراجيدي ذاته لادوميغ حتى قضى عليه.

كان لادوميغ الملقب بـ«جيلو» مرشحا لنيل سباق 1500م، ونافسه على الطليعة الفنلنديان بوريي وهاري لارفا ابن بلدة توركو مسقط نورمي... ويومها كان الفنلنديون مسيطرين على مجمل المسافات المتوسطة والطويلة، وتحديدا منذ دورة أنتورب 1920.

وأطلق «جيلو» العنان لخطواته المطاطية الواسعة جدا، بعد محاشرته للارفا وتجاوزه، فهلل الفرنسيون في الاستاد ظنا منهم أن لا أحد بإمكانه بعد الآن تجاوز عدائهم، لكن لارفا تدارك الموقف وتقدم على لادوميغ بفارق مترين فقط عند خط النهاية، ملحقا به خسارة غير متوقعة بقيت وانتصار البريطاني ايليس عليه عام 1927، الوحيدتين في سجله... وما عزز من بريق فوز الفنلندي هو تحقيقه رقما اولمبيا مقداره 2.53.3 د، وطبعا أسهم لادوميغ كثيرا في تحقيقه.

وعلى غرار «الشائعات» التي روجت حول نورمي، ذكر أن لادوميغ قبض مبالغ طائلة حينذاك، ليخوض سباقات في السويد، فأقصي عن الساحة، ومنع مثل نورمي من المشاركة في الاولمبياد في لوس انجلس عام 1932.

وقد ورد في تحقيقات وتقارير صحافية في فرنسا تحديدا، أن عددا من عدائي الطليعة أمثال سيرا مارتن وجان كيلر لم يتضامنوا مع لادوميغ (26 عاما) الذي كان في أوج عطائه. وأصاب اقصاؤه ألعاب القوى الفرنسية في مقتل طوال عشرة أعوام، فمع أفول نجمه عن المضمار برز جيل جديد ضم الاميركي ورد روف والنيوزيلندي لوف لوك...

وكان مجرد إعلان مشاركة لادوميغ الذي حقق أرقاما عالمية على المسافات من 1000 إلى 3000م، فضلا عن سباقات الميل والميلين وغيرها من القياسات الإنكليزية، يؤمن حشودا من المتفرجين... لكنه مضى بعد الخيبة، ليسابق الخيول في السيرك أو يجري استعراضيا فوق بساط آلي على مسرح «ميوزيك هال» باريسي... وإزاء الموقف الرسمي منه، كانت اللفتة الشعبية المعنوية، إذ استقبله نحو 400 ألف شخص يحييونه وهو يجري من «بورت مايو» إلى ساحة الكونكورد في العاصمة الفرنسية.

قصة لادوميغ، هي القدر الساخر من الساعي إلى الفوز لينتقم إلى الأبد من طفولته المعذبة، إذ توفي والده قبل ثلاثة اشهر من ولادته... ولما حملته أمه طفلا عمره 17 يوما إلى جده المقعد، تعثرت قرب المدخنة واشتعلت النار بثوبها الطويل، فحمت الرضيع بما تبقى منه... وتوفيت لاحقا متأثرة بحروقها... لكن نار المجتمع حرقت مستقبل « جيلو».

back to top