من يصنع الديكتاتور؟

ربما تكون طفولة صدام المعقدة وظروف نشأته هي التي رسمت تلك الصورة ولونتها بألوان ديكتاتورية. الا أن صفاته تلك لم تكن، في نظر علم النفس، ذات قيمة واقعية ما لم تجد تربتها الملائمة التي تتنفس فيها. لذلك يرى البعض أن المشروع البعثي خاصة، بدءاً من تجربة مقاومة سلطة عبد الكريم قاسم، ثم مجيء البعث وسقوطه المريع عام 1963، وتعاقب حكومات سريعة هشة، وطابع حزب البعث وظروفه الداخلية الخاصة مهدت لجعل هذا الطفل البائس اللاعب بالعقارب طاغية ميت الضمير. لهذا السبب يرى عبود أن تقييم عبد الأمير معله لشخصية روايته «الايام الطويلة»، على رغم فساد محتواه، كان أكثر انسجاماً، وإخلاصاً لشخصية صدام الحقيقية والمشروع البعثي، مقارنة بالبعثيين الذين خرجوا على صدام وسعوا الى خلق فجوة عقلية وتاريخية بين تكوّن ونشوء الديكتاتور الطفل وخروج الديكتاتور كامل النضج. صدام حسين، كديكتاتور، لم يحقق سماته الفردية الاستثنائية من دون وجود جيش من المثقفين والكتاب قاموا بصناعة صفات الديكتاتور. لأن الأخير لا يصنع صفاته كلها بنفسه، بل صنعها له جهاز ارتزاقي، متحجر القلب، لا هدف له سوى تلفيق صورة كاذبة وخادعة عن الديكتاتور ومآثره السياسية والاجتماعية والعقلية، لكي تكون الصورة الوحيدة المعروضة أمام المجتمع. سعى جيش من المفسدين من المثقفين والأدباء الى تدعيم فرادة واستثنائية الديكتاتور ليس بكلمات المديح الشعرية وحدها، وإنما ايضا بالتنظيرات الكاذبة الممجدة للقوة والحرب، كجزء أساسي من منطق العنف، الذي يقوم عليه بناؤه النفسي ومشروعه السياسي. لم يكتفوا بذلك، بل سعوا الى جعله خبيراً فريدا وعالماً بكل شيء، وراحوا يدعمون ذلك بالأمثلة الحسية المستقاة من واقع الحياة ومن التاريخ. يأبى وزير الثقافة لطيف جاسم إلا أن يكون مشاركاً في حفلة اكتشاف عبقرية صدام، لكنه لا يجد علماً ينسبه الى رئيسه لم يسبقه الآخرون اليه. لذلك يخترع، في مقالة له، علماً خاصاً بالرئيس أسماه «الاستشراق الفكري الخلاق للرئيس صدام حسين». كان الوزير قد نسب الى صدام علماً آخر، وهو علم غير مؤكد، فقد عده «مبدع التعبئة» وتعبيراتها المؤثرة»؟