كاميرا محمولة متوتّرة في السينما المصريّة

نشر في 23-03-2009 | 00:00
آخر تحديث 23-03-2009 | 00:00
«الدوغما» أحد الأساليب المهمة في السينما الحديثة، ويعتمد على استخدام الكاميرا المحمولة لتحقيق أهداف عدة.

استخدم بعض المخرجين في السينما المصرية الكاميرا المحمولة، ومن بينهم يوسف شاهين، لكن في مشاهد معدودة، فيما أن مدرسة «الدوغما» تلجأ إلى هذا الأسلوب خلال الفيلم كله. وفي «واحد - صفر» من إخراج كاملة أبو ذكري اتجاه إلى «الدوغما» انتهجته المخرجة على امتداد الفيلم، وعلى نحو غير مسبوق في السينما المصرية، ويحسب لها وللمصوّرة نانسي عبد الفتاح، الجرأة في خوض هذه المغامرة البصرية الجمالية، بل يُحسب لهما أيضاً التوفيق فيها إلى حد ملحوظ.

شاهدنا أفلاماً عالمية، انتهجت الأسلوب نفسه وفاز بعضها، أوروبي عموماً، بكبرى جوائز أبرز المهرجانات، لكن ما الأهداف التي يحقهها هذا الأسلوب؟

يعتقد مبدعو هذه المدرسة أنهم بحركة الكاميرا المحمولة، يقتربون أكثر من الواقع، فنحن البشر لا ننظر عادة على نحو ثابت، بل نحرّك رؤوسنا كثيراً ولا تثبت عيوننا ونظراتنا.

ثمة «هزة»، بسيطة غير ملحوظة أو يمكن التنبه إليها، في تصوير أفلام «الدوغما»... هذا الأسلوب أقرب إلى الواقع إذن، ويحقق هدفاً درامياً آخر هو التعبير عن توتر وقلق في الأحداث ولدى الشخصيات، لا شيء مستقر، أو مطمئن، بل يسيطر الارتباك والتعثر والتساؤل والتداخل... إنه الواقع الذي تحققه الكاميرا المحمولة على نحو أدق.

كذلك يساعد هذا الأسلوب على تنفيذ اللقطة الطويلة، فمشهد كامل قد يصبح لقطة طويلة تنتهي بـ «القطع»، لكن في حالة «الدوغما» قد تستمر الكاميرا المحمولة في حركتها لمدة تطول من دون «قطع» وهو ما يطلق عليه «اللقطة المشهدية»، وتصبح بذلك «الوحدة» في البنية الفيلمية ليست اللقطة القصيرة ولا المشهد، بل «المشهد المؤلّف من لقطة طويلة».

يعطي «الدوغما» حيوية دافقة على امتداد عرض الفيلم، ويمنحه إيقاعاً أخاذاً، وهذا ما لاحظه مشاهد «واحد - صفر» المصري. وبدا أبطال الفيلم كلهم كأنهم يتحركون على سطح ساخن طوال الوقت، تواجههم باستمرار مشاكل كبيرة وصغيرة، يتعذر حلّها غالباً، فيسود القلق الذي بدا مناسباً له وضع الكاميرا المحمولة وعدم ثبات «نظرتها».

وأكّدت النهاية هذه الحقيقة، إذ لم يتحقق حل لأي مشكلة واكتفى الفيلم بأن ابتهج الجميع بفوز الفريق المصري في نهائي كأس الأمم الإفريقية واحد - صفر، أما المشكلة فلم تصل إلى نهاية سعيدة بل إلى نهايات مفتوحة على الاحتمالات كافة.

هكذا بدا الأسلوب مناسباً للموضوع، فساعد على نجاح الفيلم، تماماً كما ساهمت حرفية المخرجة والمصورة وأبطال المونتاج والتمثيل والديكور.

المجتمع قلق والعالم متوتر في «واحد - صفر»، وغيره من أفلام هذا الاتجاه، بسبب عين الكاميرا المتوتّرة والقلقة... فلسفة في الإخراج والتصوير والتجسيد الدرامي نبتت من عالم وظرف تاريخي يناسبانها ويؤديان إليها، وهكذا المدارس المهمة والجادة في السينما وغيرها من الفنون، تأتي كنبتة حقيقية لواقع حي ينتجها، وكرد فعل أو صدى لأحوال معاشة.

back to top