د. محمد شوقي الفنجري: يستطيع الاسلام فرض نفسه على العولمة

نشر في 12-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 12-09-2008 | 00:00
قدّم دراسات عدة عن العولمة وجوانبها المتعددة، وانتهى إلى أن العولمة هي رديف الأمركة، وليست قادرة على التأثير في الإسلام. إنه د. محمد شوقي الفنجري (أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة الأزهر)، الذي التقته «الجريدة» عبر هذا الحوار.

ماذا يعني مفهوم العولمة من وجهة نظرك؟

الإسلام دين موجّه إلى العالم كله، أرى أن العولمة هي رديف الأمركة وترويج القيم الأميركية الحديثة التي قامت على الإباحية في كل شيء. ذابت القيم والثوابت الأوروبية التي سادت في الماضي بعدما تصدّرت القيم الأميركية جميع ثقافات العالم المختلفة. إذاً العولمة هي الأمركة وهي وفق هذا المفهوم غير مقبولة إسلامياً على الإطلاق، لأن هناك تحفظات على هذه الأمركة.

ما هي أبرز هذه التحفُّظات؟

يؤدي تسييد العولمة الأميركية إلى انقراض الروح الإنسانية وتحوُّل البشر إلى مخلوقات غريبة لا هم بشر ولا هم حيوانات، بمعنى اختفاء الرحمة والتسامح من نفوس الناس، ويصبح المال هو الهدف لا الوسيلة، ويأكل القوي الضعيف ويصبح كل شيء مباحاً في سبيل الحصول على المال، وتنتشر النساء العاهرات وتتنحى المشاعر الإنسانية جانباً، بل ستذهب بلا رجعة. هذه كلها تحفظات على الأمركة التي من المفروض حسب ادعاء أصحابها أن ننضم إليها، وهذا يتعارض مع القيم الإنسانية شكلاً ومضموناً وليس القيم الإسلامية فحسب.

كيف أثَّرت العولمة في الإسلام وكيف يمكن أن يؤثر الإسلام في العولمة؟

لا يمكن للعولمة أن تؤثر في الإسلام بأية حال من الأحوال، لأن الإسلام مجموعة من القواعد التشريعية السماوية الخالية من العيوب، بعكس العولمة، فهي مجموعة قواعد موضوعة من قبل مجموعة من الأشخاص تهدف إلى تحقيق مصالح ذاتية، أما الإسلام فيهدف إلى تحقيق مصالح جماعية، وهذا ينطبق على الفطرة البشرية.

لكن هؤلاء الأفراد يملكون السلطة والمال بدليل أنهم يسيّرون العالم كيفما شاءوا؟

إن صح هذا المنطق فهو أمر وقتي، لكن العادة ستغلب في النهاية، أي ما تفرضه الطبيعة هو الغالب، وهي أن الجماعة في النهاية ستتغلب على الفرد.

إذا من منطلق هذا الكلام نستطيع أن نقول إن العولمة أثّرت في الإسلام ولكن بشكل موقت؟

ما نراه الآن من تأثيرات للعولمة خيّمت على العالم الإسلامي، هو تأثيرات قشرية تأثر بها المسلمون وليس الإسلام، بمعنى أن العولمة لم تستطع تغيير نص من نصوص القرآن الكريم وبذلك تكون أثرت في المسلمين أنفسهم وليس في الرسالة.

كيف يمكن للإسلام أن يؤثر في العولمة؟

الإسلام ليس شخصاً بل هو مجموعة قواعد سماوية، وعلى المسلمين أن يتمسكوا بهذه القواعد ويفرضوها لمواجهة رياح التغريب والعولمة. يمكن للإسلام أن يؤثر في العولمة ويفرض نفسه عليها. سيبقى كما هو، لكنه لن يؤثر أو يتأثر بالعولمة إلى قيام الساعة.

إذاً لماذا يتخوف البعض ويحذر من خطورة العولمة على الإسلام؟

نشكر لهؤلاء حرصهم وتخوّفهم على الإسلام، ونقول إن الإسلام رسالة ستبقى ما بقيت الإنسانية، وتخوُّف البعض نضعه في إطار تخوُّفهم على المسلمين. على كل مسلم أن يدرك جيداً أن لا قيمة له من دون القيم الإسلامية المجيدة، وأستدعي هنا كلمة الفيلسوف الإنكليزي «برنارد شو» حينما قال في ثلاثينات القرن الماضي: «إني أرى في الإسلام دين أوروبا الجديد في نهاية القرن العشرين»، وهذا يؤكد ما قلته سلفاً بأن الإسلام سيبقى وعلى كل مسلم أن يختار بين أن يحتفظ بقيمه الإسلامية التي تصون الجنس البشري وتحفظ له كرامته وحياته وبين أن يلهث وراء العولمة.

ما هي الآليات التي يمكن من خلالها أن نحافظ على قيمنا الإسلامية؟

الآليات كثيرة ومتعددة، على رأسها وسائل الإعلام المختلفة، لكن ليس بصفتها مرسلاً فحسب بل مرسلاً ومستقبلاً في آن، بحيث تكون مسؤولة خلقياً على ما تستقبله من مواد إعلامية وتكون بالقدر نفسه من المسؤولية في المادة المرسلة أيضاً.

هل الحل في الإعلام الموجّه؟

لم أقصد أن يفرض الإعلام نفسه وصياً على أحد، بل أن يكون مسؤولاً، وتتطلب المسوؤلية هنا وجود سقف لكل شيء، بحيث يرتدي الإعلام العباءة الإسلامية وهذا موجود بالفعل في غالبية وسائل الإعلام العربية، كذلك، لا بد من أن يوجّه الإعلام العربي والإسلامي إلى العالم الغربي، وأن يخصص جزءاً ولو بسيطاً من الأموال التي تصرف على المهرجانات السينمائية والمسلسلات وخلافه لإنتاج أعمال وكتب تبرز الإسلام بلغات مختلفة توجه إلى العالم الغربي، وهذا الأمر طالب به الكثير من علمائنا ومفكرينا على مدار السنوات الماضية.

ذكر المفكر الإسلامي جمال البنا أن العالم الإسلامي عليه أن يتّحد ليشكل تكتلاً يستطيع من خلاله أن يواجه وباء العولمة، ما مدى دقة هذا الكلام من حيث التنفيذ العملي؟

بالفعل هناك بعض الصور لهذه التكتلات الإسلامية، منها على سبيل المثال منظمة المؤتمر الإسلامي والأزهر الشريف الذي يضم بين أركانه تقريباً كل جنسيات العالم. تمثل هذه التكتلات آليات يمكن من خلالها أن نواجه العولمة.

لكن ألا ترى أن مثل هذه التكتلات يتخذ شكلاً صورياً فحسب خصوصاً في ظل تعدّد التيارات الإسلامية وتضارب مصالح الفريقين الشيعي والسني؟

إذا سلمنا بوجود هذه الانشقاقات، في هذه الحالة نسلم بوجود قاعدة مضمونها أن نتعاون في الأمور التي نتفق عليها، وأن يعذر أحدنا الآخر في ما نختلف حوله. عموماً، جوانب الاتفاق أكثر بكثير من مناطق الاختلاف وتقوم رابطة العالم الإسلامي بجهد كبير حيال توفيق القضايا الإسلامية بين التيارات المختلفة.

كيف تنظر إلى البعد الاقتصادي للعولمة؟

مع أننا لا نرفض العولمة خصوصاً في الجانبين العلمي والتقني، إلا أننا نتحفظ على مبدأ تفاوت الثروة التي تنادي باقتصاديات العالم الحر الحديث. لو انساق العالم الإسلامي وراء العولمة الاقتصادية نكون أمام مخالفة واضحة لنصوص الشريعة الإسلامية، لأن الإسلام لا يدعو إلى «توحش» الثروة التي ينتج منها استعباد البشر. يقول المولى عز وجل في كتابه العزيز: «كي لا يكونوا دولة بين الأغنياء منكم» أي لا يجوز أن يكون المال متراكماً عند فئة قليلة من الناس. كذلك يقول تعالى: «وبئر معطلة وقصر مشيد» أي البئر ليست بها ماء وأنت تبني قصوراً فاخرة، فكيف تستقيم هذه المعادلة، كيف تخفض الضريبة التصاعدية وتساوي الغني بالفقير؟ هذا أحد وجوه العولمة السيئة، لا بد من وجود أسلوب لضبط التوازن بين الفئات المختلفة، وهو ما لا تريده العولمة لأنها تهدف بالأساس إلى امتصاص دماء الفقراء وهو ما ترفضه الشريعة، لكن من حيث التبادل التجاري والشراكات الاقتصادية وتبادل التقنيات والمعرفة بالحدود التي تتماشى مع إمكاناتنا، فهذا من الممكن قبوله، أما غير ذلك فغير مقبول.

لكن لن تقبل قوانين العولمة بهذه المساحة الضيقة من التعامل؟

إذاً فلنرفضها ولا نتعامل معها بقانونها الراهن.

ألن نكون بذلك أغلقنا المجال على أنفسنا؟

على العكس، لو كبحنا جماح هذا القطار السريع يمكننا فتح قنوات اتصال أخرى مع بعضنا البعض كمسلمين ومع الدول التي نستطيع أن نسايرها في هذه المرحلة، عندئذ نستطيع أن نشكل تكتلاً اقتصادياً ضخماً نواجه به هذه التكتلات ومن ثم نخضعها للظروف والمعطيات التي تتماشى معنا.

هل وصلت الشعوب الإسلامية إلى الحد الكافي من الثقافة التي تؤهلها معرفة أوجه العولمة المختلفة؟

بالطبع لا، هنا يبرز دور الإعلام في التوعية والتثقيف حول أشكال العولمة المختلفة وأضرارها وانعكاساتها على العالم العربي والإسلامي، كذلك، يجب أن يشارك في هذا الدور كل من أصحاب القرار والعلماء والمفكرين. للعولمة جوانب كثيرة، علمية واقتصادية واجتماعية وثقافية، إلى جانب البعد الأخلاقي الذي يجب إلقاء المزيد من الضوء عليه، فهذا الجانب هو الأخطر لأن الغرب يسعى إلى فرض نموذجه الأخلاقي على العالم بأسره، وقد نجح بالفعل في تحقيق جزء كبير من هذا المخطط عبر آلية العولمة.

السلبية الناتجة من العولمة، هل يتأثر بها مسلمو الغرب بالدرجة نفسها التي يتأثر بها مسلمو الشرق؟

بالطبع لا. لأن الغرب يطبق مبادئ مهمة عدة يقوم عليها الإسلام ومنها الزكاة والوقف. تتم الزكاة في الغرب بشكل إنشاء جمعيات خدمية برأس مال ضخم على شكل ودائع مستثمرة تساهم في حل المشاكل الاجتماعية. أما الوقف فهو مثل جائزة نوبل. تضمن تلك الوسائل للمسلمين المقيمين في الغرب حائط صد قويًا ضد أية متغيرات اجتماعية أو اقتصادية يمكن أن تصيبهم. أما في الشرق فالموجود من الزكاة والوقف لا يسدان حاجة 40% من الفقراء. بالتالي، يتأثر المسلمون في الشرق بمتغيرات العولمة بشكل أكبر من مسلمي الغرب.

يدفعنا ذلك الى التساؤل عن الدور الاجتماعي لرجال الأعمال والاختصاصيين بالعمل المدني حيال تلك القضية؟

أود التوضيح أن رجال الأعمال غالبيتهم أجانب. هؤلاء الأجانب يقومون بأعمال اجتماعية في بلادهم، أما المصريون، فقلة منهم تمارس هذا الدور الاجتماعي بهدف أغراض شخصية أم استحياء، نظراً الى وجود ظروف سياسية معينة. ما قام به طلعت حرب من أدوار اجتماعية واقتصادية ضخمة لم يتكرر مرة أخرى ولا أعرف سبب ذلك.

ما هي الوسائل التي يجب أن تتبعها الحكومة لسد الفجوة التي سببتها السوق الحرة بين الفقراء والأغنياء؟

عندما فكرت الصين أن تخرج من عزلتها الشيوعية وتتجه إلى العالم، أنشأت وزارة خاصة أسمتها «وزارة الفقر». يقتصر عمل تلك الوزارة على متابعة أحوال من هم أقل دخولاً وسد احتياجاتهم وتعويض الخسائر التي قد تلحق بهم نتيجة اتجاه الصين إلى السوق العالمية. حقق هذا النموذج نجاحاً على الأرض. كذلك يجب على حكوماتنا أن تسير على الخطى نفسها، على أن يكون أداء الحكومة تطبيقياً وليس نظرياً, ويجب أن يتم ذلك بشكل عمل مؤسسي لا أن يترك الفقراء كرة بين أقدام مؤسسات عدة مثل التضامن الاجتماعي والمعاشات ومجلس الوزراء، بل يجب أن تكون هناك مؤسسة بعينها تكفل الفقراء المتأثرين بمتغيرات السوق الحر.

من المعروف أن لكم تجربة خاصة مع الوقف نرغب في أن نلقي الضوء عليها؟

بداية تلك التجربة معي تحديداً بعد أن أُحلت إلى سن التقاعد, حيث قمت برصد وقف كامل يشمل دعم طلبة العلم والذين يسعون إلى نيل درجة الماجستير والدكتوراه من أصحاب الأبحاث المتميزة التي تضيف إلى رصدينا العلمي والاقتصادي, وأوليت اهتماماً أكبر بالأبحاث الخاصة باقتصاديات السوق الحديثة والتحولات الاقتصادية التي شهدها العالم خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. عمدت بعد ذلك إلى تجميع تلك الأبحاث ودراستها بشكل جيد, الأمر الذي ساعدني كثيراً في الوصول إلى الحلول والضوابط الواجب اتباعها في مواجهة العولمة. كذلك أنشأت وقفاً خاصاً بعلاج المرضى وعلى رأسهم أصحاب الحرف الحرة من الذين لا يتمتعون بميزات التأمين الصحي وغيره. هناك أيضاً وقف للعجائز من كبار السن وأصحاب الإعاقات.

هل ترى أن الأبحاث والأفكار والمقالات التي تناولت العولمة، من قبل مفكرينا، كافية لرصد جوانب العولمة الإيجابي منها والسلبي على المدى القريب والبعيد؟

العولمة ليست بحثاً أو دراسة قدمتها جامعة ما وحازت على قبول العالم وبالتالي عُمِّمت, إنما هي توجّه فرضته مصالح مجموعة معينة اقتضت حاجتها سلك هذا المسلك (العولمة)، لذلك وآسف لقول ذلك، تناول مفكرونا العولمة وفقاً لمنظورهم الخاص أو بمعنى آخر تناولوها من منطق المستقبل, أي اكتفوا برد الفعل وليس الفعل.

الأمر الآخر أن الاختصاصيين بالبحث يعلمون أن أي بحث أو دراسة لها خطة ، تسمى خطة بحث, تقتضي وضع قواعد فنية متعارف عليها لرصد ملامح تلك الدراسة، وما حدث عند رصد المفكرين العرب والمسلمين لمشكلة العولمة هو رصد المسألة من دون التعرف الى الأسباب التي دفعت بها إلينا, لذلك جاءت الدراسات التي قدمت عن العولمة مستقبلة وليست مساهمة في الحدث، الأمر الذي يدل على أن تلك الدراسات ليست كافية وما هي إلا اجتهادات محمودة ولكنها معيبة، أو يشوبها القصور في بعض الجوانب.

back to top