هجمات مومباي وخيارات الهند الاستراتيجية (2- 2)

نشر في 25-12-2008
آخر تحديث 25-12-2008 | 00:00
 د. مصطفى اللباد يبدو الطريق ممهداً أمام عمل انتقامي هندي ضد باكستان رداً على هجمات مومباي، سيكون سقفه الأعلى أقل من هجوم نووي مع مراعاة عدم الاصطدام بالمصالح الأميركية، أما سقفه الأدنى فسيكون أكثر من مجرد تعويض الهيبة الهندية وتسديد ضربة موجعة إلى باكستان. في هذا الحيز الافتراضي الواقع بين السقفين سيكون الرد الهندي على هجمات مومباي، وبحيث تكون إمكانات الرد الباكستاني أو الضربة الثانية في حدودها الدنيا ولا يتأثر التحالف الهندي-الأميركي سلباً لمصلحة العلاقات الباكستانية-الأميركية.

وإذ تواجه الهند مصاعب في كل خياراتها العسكرية حيال باكستان، فإن الهدف الذي ستختاره نيودلهي سيوفر على الأرجح شرطين أساسيين هما: إظهار تصميم الهند على الرد بحيث يوجع الحكومة الباكستانية، والثاني ألا يتسبب هذا الرد في حرب نووية أو أن تسقط السيطرة على القدرات النووية الباكستانية في أيدي الإسلاميين المتشددين أو الجماعات العرقية الباكستانية المتنافرة.

أعلنت الهند مراراً أن المخابرات الباكستانية هي عدوها الأول، وأن هجمات مومباي تمت بعلم المخابرات الباكستانية، كما تقول نيودلهي، وتعتقد الهند أيضاً أن النواة الصلبة للدولة الباكستانية المعادية يتمثل في جهاز المخابرات الباكستاني (أي إس أي)، لذلك فقد طلبت تسليمها الرئيس السابق للجهاز حميد غول، مع علمها بصعوبة تنفيذ الحكومة الباكستانية لذلك حتى لو أرادت. بمعنى أن الطلب الهندي يعكس الرغبة في السيطرة على جهاز المخابرات الباكستاني، وليس مجرد المشاركة في التحقيقات التي يجريها مع المتهمين بتدبير هجمات مومباي كما تقترح باكستان المضغوطة دبلوماسياً، وحتى لو سلمت باكستان حميد غول، وهي خطوة ستسقط الحكومة الباكستانية على الأرجح، فلن تكتفي الهند بذلك بل ستطلب إجراءات إضافية للوصول إلى هدف السيطرة على المخابرات الباكستانية.

يتلخص الثمن السياسي المطلوب من باكستان لمنع الرد الانتقامي الهندي في أن تحتل الهند المخابرات الباكستانية في سابقة ستكون في حال حدوثها الأولى من نوعها في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، خصوصاً بين دولتين متحاربتين، ولما كان هذا الأمر مستبعداً على الجانب الباكستاني تبدو الهجمات الجوية الوسيلة الهندية الأكثر احتمالاً من الناحية الحسابية للقيام برد انتقامي ممكن، حيث إنها ستعفيها من المناورة بقوات برية على الحدود، وتمنع باكستان بالتالي من سحب قواتها على حدود أفغانستان لكي تستثير الأميركيين للتدخل، والمكان المنطقي بناء على هذا التحليل ربما يكون معسكرات تدريب الإسلاميين في الجزء الباكستاني من كشمير، ولكن بسبب اتساع رقعة هذه المعسكرات ووعورة موقعها ستكون المهمة عسيرة، كما أن العائد العسكري سيكون قليلاً جداً. وذلك على الرغم من أن سلاح الجو الهندي، المزود بالطائرات الروسية المقاتلة، يمكنه اختراق الأجواء الباكستانية فوق كشمير بسهولة نظرية.

ربما يصب هجوم كهذا في مصلحة الحكومة الباكستانية التي ستحظى بدعم جماهيري واسع بفعل صمودها أمام الهند، كما أن قتل أعداد من الإسلاميين سيضعفهم، وهي نتيجة في مصلحة الحكومة الباكستانية الحالية التي تريد نيودلهي أن توجعها، ولذلك يبدو احتمال الرد في كشمير مستبعداً بالرغم من معقوليته، بسبب عائده السياسي الضعيف، ويبرز احتمال تصعيدي آخر محتمل نظرياً مفاده قيام الهند بمحاصرة ميناء كراتشي الباكستاني المطل على بحر العرب بهدف منع السفن من الوصول إليه، ومن المعلوم أن البحرية الهندية المتقدمة تستطيع نظرياً القيام بذلك، وكانت تقارير استخباراتية أميركية ذكرت هذا الاحتمال كرد هندي محتمل على هجمات مومباي، ولكن ميناء كراتشي هو الممون الأساسي للقوات الأميركية العاملة في أفغانستان؛ وتالياً سيكون إغلاق ميناء كراتشي ضربة موجعة للأميركيين قبل الباكستانيين بسبب خطوط الإمداد إلى أفغانستان، وبسبب رغبة الهند في تحييد واشنطن، فالأرجح ألا تعتمد خيار كراتشي كوسيلة للرد الانتقامي.

وفي النهاية يقود تقليب النظر في خيارات الهند الاستراتيجية، بالتوازي مع العداء الذي تعلنه نيودلهي للمخابرات الباكستانية (أي إس أي) إلى نتيجة مفادها أن الهند ربما تقوم بشن هجمات جوية على أهداف منتقاة في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وفي هذه الحالة فالأرجح أن يتم استهداف مبنى المخابرات الباكستانية التي تريد نيودلهي احتلالها سلماً أو تدميرها حرباً!

صراع الأفيال بين الهند وباكستان في حال نشوبه سيكون خطيراً إلى الدرجة التي لا يمكن تصورها، ولكن تبقى إدارة الصراع بين الطرفين درساً كبيراً لكل من يريد أن يتعلم ويستزيد فناً من فنون الاستراتيجية العليا. لننتظر... فسنرى.

* مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية-القاهرة.

back to top