آنسات بيكاسو... تحفة الفن الحديث!

نشر في 04-11-2008 | 00:00
آخر تحديث 04-11-2008 | 00:00
No Image Caption

ما زالت المجلات الأجنبية تحتفل بذكرى لوحة بيكاسو «آنسات أفينيون» المئة، التي رسمها عام 1907. تعتبر هذه اللوحة منعطفاً في تاريخ الفن الحديث، ففي رسالة الى مصمم الأزياء، جاك دوسي، كتب أندريه بروتون: «لا أخفي رأيي أن «آنسات أفينيون» هي حادثة جوهرية في مطلع القرن العشرين. فهذه لوحة يليق بها العرض في شوارع عاصمتنا، كما عرضت لوحة «عذراء» للرسام سيمابو».

يوم قرأ دوسي رسالة بروتون، وهي بمثابة إعلان الأخير ولهه بهذه اللوحة، اشترى اللوحة بـ 25 ألف فرنك. لم يخف عليه أنه يسهم في تغيير تاريخها، ويرفع مكانتها من لوحة غير مفهومة الى رمز الفن الحديث.

ألقت مجموعة من الخبراء في أعمال بيكاسو أخيراً، الضوء على قوانين خطت مصير «آنسات أفينيون». أنصار هذه اللوحة، من أمثال أندريه سلمون وجرترود شتاين وهنري كاهنويلر وأندريه بروتون والناقد ألفريد بار، ساهموا كثيراً في رفعها الى مرتبة «الأسطورة». رأى مدير متحف الفن الحديث في نيويورك، (اشترى المتحف «آنسات دافينيون» عام 1937) أن اللوحة «تحفة مرحلة فن الأقنعة في مسيرة بيكاسو الفنية»، فيما اعتبر آخرون أنها آذنت بولادة الفن التكعيبي.

لا شك في أن نفور بعضهم من «آنسات» بيكاسو ثم العودة إليها ووضعها في صدارة الفن الحديث، يذكرنا بالنفور من أعمال الشاعر الفرنسي شارل بودلير وقصيدة النثر، ثم تقبّلها وجعلها من كلاسيكيات الثقافة العالمية، وهو ما ينطبق أيضاً على أعمال رامبو الشعرية وفن الـ{بوب آرت» لدى أندي وارهول أو «المبولة» لدى مارسيل دوشان، أو غناء عبد الحليم حافظ وفيروز. هكذا، كل هامش سرعان ما يتحول متناً، وبعد حين يرسخ في الذاكرة ويصبح من وجوه الثقافة والفن. لجأ بيكاسو الى الصدمة، الى البحث عن المغاير على رغم شهرته بفن الالتزام، في وقت اشتهر كثيرون بالاقتباس من الحضارات والشعوب سواء من الأقنعة الأفريقية أو الخط العربي أو «فحول» الفن التشكيلي في أوروبا والعالم.

استقبل الشاعر غيوم أبولينير «آنسات أفينيون» بجفاء. رأى ماتيس أن اللوحة رد عدائي على لوحته «هناء العيش». تصوّر لوحة ماتيس مناماً تفوح منه البراءة في وسط ريفي. يقال إن هنري ماتيس ضحك عندما أراه بابلو بيكاسو المرأة المزواة (من زاوية)، أو لنقل المرسومة بشكل زوايا، المرأة النافرة وكأنها تريد الخروج من اللوحة، أي لوحة «آنسات أفينيون». ظنّ ماتيس أن هذه اللوحة مزحة فحسب! ومن جهته، تاجر اللوحات الفنية آنذاك، أمبروز فولارد، لم يفهم اللوحة أيضاً. أما الرسام أندريه دورين فذهب الى تاجر آخر قائلاً له: «سوف نجد بيكاسو قريباً وقد شنق نفسه بسبب هذه اللوحة».

إسم بديل

طوال تسعة أشهر، انصرف بيكاسو الى التركيز على لوحته، على رغم تردده في اختيار ألوانها وأشكالها وخيوطها، وتماطله في الانتهاء منها. كتب في دفتر ملاحظاته: «رسمت نصف اللوحة وشعرت أن ما رسمته لا يطابق ما أريد. رسمت شيئاً مختلفاً، وتساءلت: هل عليّ إعادة رسمها؟، ثم قلت لنفسي: لا لن أعيد رسمها. سيفهمون ما أردتُ فعله».

تمرد بيكاسو على أرقه من النساء، ومعايير الفن الأكاديمية، والمجتمع من خلال «آنسات أفينيون» التي بقيت في محترف بيكاسو، ولم تعرض قبل 1916. خشي الرسام التكعيبي أن تلقى لوحته مصير أعمال برانكوزي وموديلياني من حظر ورقابة، فغيّر إسم اللوحة من «الماخور الفلسفي» الى إسم محافظ هو «آنسات أفينيون».

قبل بضع سنوات كتبت الشاعرة الأميركية وأستاذة اللغة الإنكليزية في جامعة واشنطن ماري جو بانغ، قصيدة اسمها «آنسات أفينيون»، تصوّر فيها فتيات الهوى في الماخور وهن محاطات بتغاريد العصافير، لكن يبدو أن المتعصبين لبيكاسو انتقدوها لأنها أدخلت الى قصيدتها تفاصيل لم يدرجها هو في لوحته. كان جوابها الحاد والذكي أن «بيكاسو يسمح لي بأن أخرق عمله لأنه خرق مفاهيم الرسم كلها في لوحته».

الى ذلك افتُتح في طوكيو أخيراً، أكبر معرض في اليابان لبيكاسو، ويضم 230 عملاً فنياً، بين لوحات ومنحوتات وخزفيات ورسومات وأعمال حفر وصور، تمتد من بدايات الفنان وصولاً إلى أعمال متأخرة من سنوات السبعينات، قبل وفاته بوقت قصير. يستمر المعرض حتى 14 ديسمبر (كانون الأول) في إطار الاحتفالات بمرور 150 عاماً على العلاقات الدبلوماسية بين اليابان وفرنسا.

back to top