خواطر باريسية

نشر في 08-09-2008
آخر تحديث 08-09-2008 | 00:00
 د. عمرو حمزاوي توقفت عن الكتابة خلال الأسبوع الماضي نظرا لمشاركتي في مؤتمر للكونغرس الأميركي عقد في باريس حول قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي. المؤتمر، الذي شهد حضور مجموعة متميزة من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب وتميز بنقاشات معمقة طالت بالنقد المرير العديد من السياسات الأميركية تجاه عالمنا، أظهر بوضوح رسوخ قناعتين مركزيتين لدى المشرعين الأميركيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. تتمثل القناعة الأولى، وكما ألمحت في مقال سابق حول مواقف أوباما وماكين من ملف الديمقراطية العربية، في حقيقة أن الولايات المتحدة لا تملك ترف تعظيم أهمية ملفات الحريات وحقوق الإنسان في لحظة إقليمية شديدة التوتر جوهرها هو إدارة ساحات الصراع في العراق ولبنان وفلسطين ومع إيران. القناعة الثانية، وتلك بكل تأكيد تدفع باتجاه معاكس، هي أن واشنطن وعلى الرغم من التوتر الإقليمي لا تستطيع إن أرادت استعادة مصداقيتها في العالم العربي ورونق دورها العالمي كزعيمة العالم الحر أن تتجاهل تماماً استمرار الحكام العرب في قمع المواطنين وتكميم أفواه معارضيهم.

ويبدو أن مصر، وكما توافق العدد الأكبر من المشرعين الأميركيين المشاركين بالمؤتمر، هي المرشحة الأولى لاختبار جديد لإمكانات الجمع بين هدف احتواء التوتر الإقليمي وحماية المصالح الأميركية الاستراتيجية وهدف تحسين وضعية الحريات السياسية وحقوق الإنسان. يدرك المشرع الديمقراطي والجمهوري أن القوة العظمى تتوافر على أداة مهمة هي المعونة السنوية المقدمة لمصر ربما أمكن توظيفها لدفع الحكومة المصرية نحو احترام الحريات وحقوق الإنسان في الداخل وتأمين تعاونها مع واشنطن في الملفات الإقليمية وفي موقع القلب منها المسألة الفلسطينية. الشق الأهم في المعونة، كما يعلم الجميع، هو الشق العسكري (1.3 مليار دولار) الذي يعتمد عليه الجيش المصري اعتماداً كبيراً في تحديث وصيانة منظومات الأسلحة المتوافرة لديه والذي بدأ الكونغرس الأميركي خلال العامين الماضيين في إخضاعه لمشروطيات مختلفة من المرجح استمرارها، بل وتصاعدها في الفترة القادمة. وللتوضيح؛ تعني المشروطية ببساطة أن الكونغرس الأميركي يتخذ قراراً ملزماً بربط التصديق على/ أو الإفراج عن جزء من المعونة العسكرية المقدمة لمصر بعدد من الشروط التي يتعين على الحكومة المصرية الشروع في تنفيذها بخطوات محددة سواء في مجال السياسة الداخلية أم الخارجية.

أعلم أن غالبية المواطنين العرب، خصوصا بعد الغزو الأميركي للعراق وفضائح انتهاكات حقوق الإنسان هناك وفي غوانتنامو وموقف إدارة بوش من «حماس» بعد نجاحها في الانتخابات الفلسطينية ومواقفها المؤيدة لأصدقائها من السلطويين بين حكام العرب، تعتقد جازمة أن الولايات المتحدة لا تريد لنا الحرية والديمقراطية وإن أكثرت من الحديث عنهما. أتفهم هذه الشكوك تماماً، بل واعتقد أنها مبررة وفي بعض الأحيان مقنعة ومفسرة للممارسات الأميركية.

على الرغم من ذلك يظل أغلب المشرعين وصناع القرار في واشنطن مهموماً بوضعية الحريات وحقوق الإنسان ودائم التنقيب عن إمكانات الجمع بين العمل على تحسينها من جانب وحماية المصالح الاستراتيجية على الجانب الآخر. يصبح التساؤل المطروح إذن هو حول حدود الفاعلية المتوقعة لإخضاع المعونة المقدمة لمصر أو لغيرها من الدول العربية لمشروطيات ترتبط بقضايا الديمقراطية وموقفنا كمواطنين عرب من هذا التوجه ومخاطره المحتملة. نتابع الأسبوع المقبل.

* كبير باحثين في مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي

back to top