بيارق قعبور ومدائح الشعّار... حكاية رمضانيّة لبنانيّة!

نشر في 12-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 12-09-2008 | 00:00
No Image Caption

هل من أغنية رمضانية في لبنان، ومن هم روادها؟ ومن أي تراث يستوحيها منشدوها؟ الفنانان أحمد قعبور وعبد الكريم الشعار أبرز من اهتم بالأغاني الرمضانية في لبنان، وإن اختلفت تجاربهما. الشعار الآتي من طرابلس قدّم الأغاني الصوفية بصوته الرائع، أما قعبور فكان أقرب الى تقديم الحكاية الرمضانية المغنّاة بأصوات الأطفال، خصوصًا أغنية «علو البيارق» التي يرددها الكبار والصغار في لبنان، وهي بمثابة أغنية للذاكرة الرمضانية يعرفها القاصي والداني.

«رمضان بستان نحن زهوره رمضان يا محلا نوروه... بيروت لي قلبها رغيف بطعمي وما بتسأل كيف معقول حدا فيها يجوع وما تغرد فيها طيور! ورمضان يا محلا نوروه»... أغنية رمضانية للفنان اللبناني أحمد قعبور، حضر فيها رمضان ولم تغب عنها بيروت. مدائح لله سبحانه وتعالى وأناشيد كثيرة رددها الفنان اللبناني عبد الكريم الشعار، كان آخرها خلال برنامج سجله في مدينته طرابلس بعنوان «يا رب» لقناة «الساعة»، غلفتها تقوى من نوع آخر صدحت في قلعة عاصمة شمال لبنان وصدحت معها أصوات قنابل «معارك نهر البارد».

الأغنية الرمضانية اللبنانية لا تأتي لتعبّر عن الشهر الفضيل فحسب، بل لتحكي حال المدينة وجراحات الوطن. عاصمة يمد بحرها قعبور برائحة إيقاعية، ومدينة شمالية كانت ملهمة الشعار في السلم والحرب، ويبدو أن الاختلاف بينهما حول الأغنية الرمضانية ليس سوى في طريقة التقديم والمصادر الموسيقية. في لقاء مع «الجريدة» يقول الشعار: «الأغنية الرمضانية لها عناصرها التي تميّزها عن غيرها، لذا نجد أنها تبقى طويلا في الذاكرة لأن كلماتها ولحنها ليسا مبتذلين، وهي مؤلفة من عناصر فنية متكاملة ومتينة ووجدانية، مثلا أغنية عبد المطلب «رمضان جانا» لا يزال لها وقع في النفوس الى الآن، كذلك أغنيات الكحلاوي وأم كلثوم التي غنت «القلب يعشق» و{الرباعيات» و»رابعة العدوية». يلتقي قعبور مع الشعار في تلك النقطة قائلا: «في مصر ثمة اغنيات جميلة منها أغنية كانت وما زالت وستبقى في الذاكرة مدى الدهر هي «رمضان جانا» لعبد المطلب، وأغان أخرى للسيد مكاوي وغيره».

وإذا كان قعبور يعتبر أن ما يقوم به من خلال تقديم أغنيات رمضانية «عبارة عن مراثي للزمن الضائع أو محاولة للقبض على الزمن»، فالشعار يعرّف الأغنية الرمضانية بأنها «فن إسلامي فن صوفي». حاول من خلالها، أن يظهر صورة المسلمين الصحيحة، بـ»أنهم أهل علم وفن وتقوى، وليسوا كما تصوِّرهم وسائل الاعلام». يضيف الشعار «تجرأت وخضت تجربة الأغنية الرمضانية على رغم أن كثيرين باتوا يقولون عبد الكريم تحول شيخاً من أجل المصلحة، أنشدت ما أحسست به». في السياق نفسه، يدافع الشعار عن الإسلام ويعتبر أن ثمة هجمة كبيرة عليه، و{الأعداء لا يريدون لنا التطور ولا نستطيع مواجهتهم الا بالتمسّك بديننا أكثر والموسيقى جزء من الدين، لأنها جزء لا يتجزا من كل حضارة. النشيد أو الأغنية الدينية فن له حدود إيقاعية وكلمات محصورة بناحية وجدانية معينة، ومصبوغة بالتصوّف والتقرّب من الله. النبي محمد(صلعم) مثلا وعى أهمية الصوت فكان بلال منشد الأذان يسمع أمة الإسلام كلها صوته ليُعلم المسلمين أن موعد الصلاة قد آن».

يلمح الشعار الى «أن معظم المطربين الكبار هم من خريجي المدراس الدينية، من عبد الوهاب الى أم كلثوم وغيرهما» ويستطرد قائلاً إن: «الإسلام ليس صلاة وصومًا فحسب بل هو دين عبادة وثقافة تحضّنا على العلم والعمل».

الأغنية الرمضانية بتجلّياتها كافة لها حصة في مشوار قعبور، وهي لم تكن مقترنة دائما بالشهر الفضيل، فقد أطلق الفنان أغاني كثيرة في رمضان، والسبب أن الأخير يفتح له الباب ويفرش المناخات. أغنية «وبيلبقلك يا بيروت» أطلقها في رمضان على رغم أن لا صلة لها بالإفطار والسحور والمسحراتي... رمضان في رأي قعبور «محفز ونافذة أفتحها كي تؤكد لي أن ثمة قيما لا بد من أن نعززها من وقت الى آخر».

يعتبر قعبور أن «ثمة أغاني نستطيع أن نطلق عليها مسمى «أغاني رمضانية بيروتية» تلمس وجدان ابن الريف وابن الشام ومصر، فيها مزاج أهل المدينة وأهل لبنان، وذلك سبب استمرارها، لأنها على رغم التصاقها بالشهر الفضيل إلا أنها تتميز أيضا بأنها لا تخفت بانتهاء المناسبة، بل تدخل وجدان الناس وتبقى طويلاً.

حين نسأله عن شخصية ابو أحمد في أغنية «علو البيارق»، يقول قعبور: {أبو أحمد» صار أنا، هو أنا ووالدي في الوقت نفسه، أتذكر أن أبي المريض عندما كان يغضب والدتي كان يراضيها بأن يرقص لها، و»الحجة»، وهي والدتي «تزلغط زلغوطة توصل لبعيد علو البيارق علوها وغنوا للعيد»، والولد الذي ضبط منبّه الساعة وجاء جده وأخذها منه هو انا فعليا لأني كنت أصر على الصيام على رغم صغر سني. تلك حكايات جميلة، والفن قص حكايات ونحن كفنانين حكواتيون في معنى من المعاني، لا بد من أن نخبر عن مطارحنا وأمزجتنا علّها تتقاطع مع أمزجة حاضرة وهي تتقاطع فعلا». لا يقتصر غناء قعبور على تقديم الحكاية في الأغنية، يقول : {لحنت موشح «البلد» وفيه مواصفات الموشح الإيقاعية كافة، كتبه عبيدو باشا وغناه أطفال «دار الأيتام» وفي المسيرات الرمضانية. تختلف نوعية التعبير باختلاف مزاجيتي، أحيانا ألحن أغنية خفيفة وأحيانا حزينة، في رمضان الفائت مثلا كنت حزينا فغنيت دعاء «الله يا لمسة شفاء وحياة نبينا مصطفى»... جاء الفيديو في الجو نفسه يصوّر فتاة جالسة على سريرها والكاميرا تفتح أمامها مشاهد الدمار الكبير، دمار معارك بنت جبيل ومعارك نهر البارد، أما في رمضان الجاري فجاء فرحًا، لذا جاءت أغنية «تفرج بكرا» ودعاء آخر أعتبره تقدمًا نحو الأمام شعريًا، فقد لحنت قصيدة لسفير السعودية في لبنان د. عبد العزيز خوجه وغناها مروان علي نجم «سوبر ستار» 2007».

معان

رمضان حالة بالنسبة الى الفنانين، مناخ يمدك بكل ما يلزم للإبداع. يلاحظ قعبور: {بمعزل عن الشرع والفقه، أعتقد أن رمضان بما فيه من قيم اللقاء والتسامح حافز لإنتاج ذلك النوع من الأغاني والأناشيد ولا أقول أدعية وابتهالات كي لا أدخل في الأمور الشرعية. أحب رمضان وأحب مناخاته وأحب التعبير عن تلك المناحات لأني في حاجة إليها، خصوصا أن ثمة أكثر من رمضان جاء في ظروف صعبة لها معان انسانية كببرة، منها حصار بيروت مثلا. عندما أكتب وألحّن، تتسم أعمالي بشيء من الإيمان الممزوج بالقيم الاجتماعية وبرغبتي في البحث عن مساحات للقاء، لأن رمضان باعتقادي ليس مساحة للطعام والدراما والتاريخ الذي لا ينتهي». يضيف قعبور: «رمضان مساحة تعني لي الكثير فأعبر عنها حزنا او فرحاً، ما يعني لي رمضان أخلاقيا وجماليا وفنيا أقوله وأعتقد أن المعاني تصل الى الناس، اما الأدعية الدينية البحتة فلا علاقة لي بها».

أما الشعار فيقول: «الإسلام دين لديه بعد نظر يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن «إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض لا تنفذوا الا بسلطان»، والسلطان هو العلم. الموسيقى علم، وإذا استعملت بطريقة جيدة هي خير العلم، فلم لا نستعملها بالطريقة المثلى وننشد ما نشعر به تجاه ديننا الى جانب الصلاة والصوم؟». ينبه الشعار الى أن: «الأغنية الدينية ليست محصورة في رمضان. ما المانع، كي لا يلجأ المسلم الى الأغنيات التافهة، أن يلجأ الى أناشيد تقرّبه من الله. تبين تلك الاغنيات المقدرة الفنية، لأنها تتطلب إحساسا عاليا ومقدرة وثقافة موسيقية راقية واسعة».

بين مدينتين

عبد الكريم الشعار من طرابلس وأحمد قعبور من بيروت، وبين المدينتين حكاية تفوح من بين سطورها رائحة رمضانية عطرة، يقول الشعار «طرابلس يغمرها جو الطيبة ولم تلوّثها المدنية، وناسها يكتفون بالقليل ويحمدون الله مرارا وتكرارا... ذلك سببه الدين والتمسك به، على رغم أن كثيرين دخلوا اليه واستفادوا منه، ديننا ينمّي فينا الطيبة والتسامح والمحبة والأخلاق الحميدة والصلاة والصوم».

تميز الشعار بالأغاني الرمضانية، بدأ منذ الطفولة: «كنت في طفولتي أجالس قراءً من مصر وكان الأستاذ يعلمنا أصول التجويد وكنا نذهب يوميا الى جامع حيث مناخ من التقوى والثقافة الدينية التي تأخذنا الى فضاءات واسعة. هكذا ضخّت طرابلس في وجداني حب الموسيقى والأدعية، لذلك خضت ذلك المجال الموسيقي لاحقا». أما بيروت بالنسبة الى قعبور فنوستالجيا: «لا أستطيع أن أنسى أنه في بيتنا القديم على البسطة التحتة في بيروت كانت النافذة عالية، وكان في الأرض «مد عربي» وليس كنبة، كنت أسمع صوت المسحراتي فأشعر أنه قادم من كوكب آخر بعيد من الأرض، ونداؤه مختلف جدا عن أي صوت آخر، وعندما أوفَّق وأصل الى قضبان النافذة لأتمسك بها وأرى المسحراتي يكون الأخير قد مر، وأدرك في ما بعد أنه فلان الفلاني أب فلان... وعندما ينفضح السر يفقد بريقه، لذلك أحب أن أضخ السر في الأغاني لأن فيه معنى فريدًا يزيد على روحانية الأغنية. كل امرئ كما أن لديه ذاكرته ومحيطه لديه لهجته الخاصة به. بالنسبة الى أغاني رمضان، ولعل رصيدي بها هو الأوسع لبنانيا، لا أستطيع أن أكتبها إلا بلهجتي ولا أستطيع تلحينها إلا بمزاجي... مزاج ساحلي مديني يتميز بمراقبة لحالة الرعيان، لأن جدي كان راعيًا وكان من رعيان بيروت الأواخر.

حلم ضاع

«الفن يعبر عن المفقود، رمضان الذي أعرفه ببيئته ومناخاته الأولى والفطرية والبديهية الى طريق الزوال، لذلك أغني أحيانا كمن يرثو او يخترق حلمًا ضاع»، يحكي قعبور وكأنه يحاول وحيداً تحدي الزمن أو التفتيش عن هوية ضائعة، يوضح: «ثمة أغنيات ليس هدفها التماشي مع موجة رمضان بقدر التعبير عنه، لأن رمضان اليوم بات لدى كثيرين، بابًا للاسترزاق ونجوم الشاشة ينتظرونه كي يرفعوا أجورهم. لذلك تتسم أعمالي بنوستالجيا تبكيني أحيانا أحاول التعبير عنها بفرح كي لا أحفذ غيري على البكاء، لأني أعتقد أن الحياة جديرة بأن نعيشها على رغم المفقود منها وما هو في طريقه الى الفقدان».

اما الشعار فيأسف على «الأغنية الرمضانية التي تغيب رويدا رويدا، ودائرة الفن الجميل تضيق يوما تلو الآخر»، مثنياً على «تجربة «لؤلؤة الخليج» الكويت التي كانت من أوائل الدول العربية التي دخلت مجالات الموسيقى حين كانت الأخيرة ممنوعة في البلدان الخليجية الأخرى، فمن لم يطربه عوض الدوخي الذي يغني السهل الممتنع؟»

الشعار الذي اشتهر بأداء الأغنيات الصوفية شقيق مفتي طرابلس مالك الشعار ووالدته مسيحية، يوضح: «الأغنية الرمضانية ضرورة لا بد منها، وكما قال جبران خليل جبران «الويل لأمة تأكل مما لا تزرع»... أقول الويل لأمة تسمع مما لا تنشد. نحن العرب نفعل الشيء ونعود لنخجل به. في البدء كان الغناء أمرًا معيبًا، أما اليوم فبات الجميع يتوسل الواسطة كي يغني».

كذلك يعتبر الشعار «أن الإعلام بات الوسيلة الأبرز للترويج للأغنية، لذا كانت الشاشة ملجأه، كما يقول، كي يطل على المشاهدين ببرامج تعزّز الأغنية الرمضانية: «برنامجي السنة الفائتة «يا رب» الذي عرض على قناة «الساعة» سجلته خلال حرب المخيمات في طرابلس، كنت أحكي حالتنا في لبنان فتركت أصوات القنابل تظهر كما هي».

back to top