الخليج وشبه الجزيرة وبؤر الإرهاب 2/2

نشر في 05-10-2008 | 00:00
آخر تحديث 05-10-2008 | 00:00
 بدر عبدالملك رغم الضربات المتلاحقة للعناصر الإرهابية وبؤرها المتناثرة، فإننا بين الفينة والأخرى نستمع إلى أخبار متطايرة، فقبل أسابيع من محاولة تفجير السفارة الأميركية في صنعاء، اكتشفت السعودية خمسة مواقع في شبكة الإنترنت تمارس دوراً تثقيفياً، وربما لوجستياً بين تلك البؤر، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي، فكلاهما جائز، بينما كشفت محاكمة الخلية الإرهابية في البحرين قبل شهور قليلة، عن مدى ترابط تلك العلاقة التنظيمية بين تلك البؤر، فمن خلال الاعترافات، نلمس الدعم المالي القادم من السعودية، والمنظم والناظم الخارجي في إيران مرورا بأفغانستان وباكستان، ولا نستغرب أن تكون الحلقات اليمنية لها مداخلها ومخارجها التنظيمية، غير أن مواطني بلدان مجلس التعاون هم أكثر العناصر حيوية وحركة في النقل والتنقل بين تلك الجهات، فالقدرة المالية مع جوازات سفر تتيح لها بكل سهولة أن تنتقل من مخيمات الأنصار في لبنان حتى لندن وباريس، رجوعا إلى الفلبين والصومال وطهران وكراتشي. كل تلك الإمكانات متاحة لبؤر الخليج الإرهابية وقياداتها. فهم سعداء بنفطهم وبتبرعاتهم وبمغازلة الأنظمة لهم- على الأقل في هذه اللحظة- وبإرسالهم شباباً يموتون بالنيابة عنهم، فيما تبوأت القيادات الخفية العنقودية مواقع رسمية وأكاديمية ومهنية وتجارية وسياسية. ترى لماذا تتنازل الدولة عن مواقفها كلما أصدرت قراراً أو فكرت في إصداره، لمجرد أن يرفع هؤلاء باسم الإسلام عقيرتهم، فعلى سبيل المثال، عندما قررت وزارة الدفاع في تلك البلدان حلق لحى المنتسبين إليها، أثاروا زوبعة لا معنى لها، متناسين الأنظمة العسكرية والانضباط العسكري المعتاد في كل الجيوش. وكل ما وجدوه أنهم تمثلوا ببعض الأنظمة، من دون أن يميزوا بين أنماط مختلفة للحى التقليدية المتعارف عليها في ثقافة المنطقة، واللحى المميزة للشخصية المتشددة الأصولية، والتي كلما تمادت في تلك الأصوليات وجدت نفسها بالنتيجة تنحو نحو أفكار وأشكال متطرفة تقود إلى الانتقام والكراهية، فكل شيء لديها مصاب ببرانويا الاضطهاد، وإن العالم الآخر يتآمر عليهم وينوي إزالتهم وتغيير هويتهم، فتلك الممارسات ليست إلا صهيونية وتبشيرية!

تلك اللغة الممنهجة في الخطاب العام لهذه البؤر، ينسجها فريق ناظم ومنظم بارع، تلفع برداء الدين تارة وبرداء التملق تارة أخرى، ومن هناك تنطلق ممارسات الشعوذة الجديدة، فقد انتشرت بكثافة كتيبات تثقيفية، تعلم الجيل الشاب أفكارا عدوانية وظلامية، معادية للعلم والتقدم والاستنارة، وتدفع به نحو روح الانتقام والعنف، ففي تلك المناهج العنيفة يحظى الشاب بمرتبة عليا من الجنة حين يمارس جهادا مع النفس وجهادا ضد أولئك الشياطين الكفرة. تلك الثقافة والبيئة الحاضنة للعتمة لا تربي إلا جيلا مندفعا نحو الموت، جيلا مصابا باختلال وتوازن في التحولات الاجتماعية والاقتصادية السريعة، كالانتقال من ثقافة متخلفة نصف أمية في مجتمعات ريعية وريفية وصحراوية إلى ثقافة متقدمة عصرية أوجدتها الثروة الطارئة، فكيف يمكن بناء شاب ومجتمع متوازن بين رؤيتين متضادتين وضعتا أمامه دفعة واحدة؟!! .

ستكون أمام تلك البؤر تجربة أولية للتصعيد والعنف تبدأ من الجامعات بالانتحار فكريا قبل الانتحار جسديا، في الضغط والاحتجاج بعزل وتغيير المناهج والمقاعد الدراسية بين الإناث والذكور. في ذلك المناخ الجامعي تتبلور الأفكار الموتورة، نتلمسها في ممارسة الإقصاء والاضطهاد للزملاء والزميلات، وبنشر ثقافة الترهيب والتهديد، بل حتى التطاول والاعتداء باليد ونشر بيانات كاذبة تمس شرف وكرامة الآخرين من الإناث تحديدا، لكون زميلتهم لم تتحجب أو ترتدي ملابس يفصلونها هم بطريقتهم، فقد صار «بنطال» الجينز مثيرا للشهوة والرغبات!

مثل ذلك المناخ يوازيه مناخ مماثل في الخارج يشكل رمزية ودلالة استرشادية وقدوة تحتذى في رجال الدين المتشددين، فمع كل فتوى صارخة جامحة ونارية، يعلو زعيق الطلبة، فقد قال الزعيم الروحي كلمته وأفتى في إهدار دم الزنديق، فمن يا ترى يوقف ألسنة هؤلاء القوم عن انزلاقاتهم الخطيرة، ففي كل كلمة يقولونها تشتعل الغابة حريقا وتدمر المدن بالمفرقعات ويفقد المجتمع كادرا شبابيا تنتظره التنمية والتحديث، دون أن يعرضوا المحرضين والداعين للانتحار والقتل ليس للمحاكمة فحسب إنما للمساءلة الأخلاقية عما يقولونه في كل مناسبة أو حتى من دون مناسبة. ما نسمعه وتسمعه بؤر الإرهاب الشابة من أفواه هؤلاء، المعنيين بإرشاد المسلمين نحو التسامح والمعالجة بالحسنى والكلمة الطيبة، نجدهم يعتلون منابر المساجد ويطلقون صواريخ «الآر. بي. جي» التي كانت سببا في دفع البؤر الشبابية الإرهابية للحاق برفاقهم في أفغانستان والعراق والبلقان وآسيا الوسطى وباكستان والشيشان، وكل بقعة تناديهم للجهاد كما يزعمون ويروجون. من حملوا صواريخ «الآر. بي. جي» بلسانهم وأطلقوها من المنابر هم أكثر مسؤولية من أولئك الشباب وبؤر الإرهاب المستمرة، التي حملت «الآر. بي. جي» القتالي في ميدان لا يعرف إلا الموت في نهاية اللعبة. ومن يوزعون الفتاوى ببيع بطاقات الجنة لكل من مات شهيدا ومجاهدا دون تصنيف، هم من ينبغي أن يحاسبوا بشدة بدلا من تركهم يفعلون ما يعجبهم.

ما يتم كل يوم على يد صانعي بؤر الإرهاب الفتية، عبر ثقافة تدميرية في منطقتنا لا يجوز ترك فاعليه طلقاء، احتراما لحقوق الإنسان واحتراما للدستور واحتراما لدولة القانون والمؤسسات، إن كنا حقا نؤمن بأننا ننتمي للألفية الثالثة المعنية بالتعددية والحقوق المتنوعة.

* كاتب بحريني

back to top