هل هناك من مستقبل للقضية الفلسطينية؟

نشر في 22-05-2009
آخر تحديث 22-05-2009 | 00:00
 د.عبدالحسين شعبان في جلسة حوار مكثف لمركز الخليج للدراسات، ناقش عدد من المفكرين والمختصين العرب مستقبل القضية الفلسطينية في رؤية أكاديمية قدّمها الباحث الدكتور علي الجرباوي، ورؤية سياسية قدّمها الباحث والناشط السياسي الدكتور مصطفى البرغوثي، ورؤية فكرية قدّمها الباحث الدكتور عزمي بشارة، (قُرئت عنه بالنيابة)، وهي وإن كانت مقاربات لرؤية شاملة للقضية الفلسطينية، لكنها بحثت الموضوع من زوايا مختلفة، بتعدد الأجوبة رغم وحدة السؤال.

ففي حين تناول علي الغرباوي المأزق الفلسطيني– العربي في المفاوضات، معتبرا إياه أقرب إلى بناء قصور على الرمال، ذهب عزمي بشارة إلى إعلان عنوان مداخلته باسم: كل معوّل على إسرائيل لا يعوّل عليه، أما مصطفى البرغوثي فكان قد بحث الراهن والمستقبلي، في ما يتعلق بالرؤية الفلسطينية وما هو مطروح من حلول ومعالجات بعد فشل المفاوضات.

ولعل الباحثين والمفكرين الفلسطينيين الثلاثة، وإن بدؤوا في أبحاثهم من زوايا مختلفة، إلاّ أنهم التقوا في نهاية المطاف عند تصورات مشتركة، أساسها هو أن طريق المفاوضات لوحده وصل إلى طريق مسدود، ولا بدّ من تفعيل أدوات أخرى على المستوى الحكومي العربي أو الجماهيري، بما فيها خيار المقاومة ودعم الصمود وإعادة الوحدة الفلسطينية واستثمار المشاعر الإيجابية لحركة التضامن الدولية، لاسيما بعد العدوان على غزة وهو ما أكدته مداخلات باحثين ومفكرين عرب مشاركين.

وإذا كانت شروط التفاوض نظرياً تتطلب معرفة ودراية وحنكة، لأنه عمل جدي ومعقد ويحتاج إلى خبرة وقدرة، فضلاً عن دقة في التفاصيل وحدود للفريق المفاوض، فإنه يعني، لاسيما للفريق المدافع عن عدالة وشرعية قضية، تقديم تنازلات مسبقة، ولهذا اقتضى الأمر رفع المطالب الابتدائية إلى أعلى سقف. والتفاوض يعني نهاية المطاف قبول بعض الحلول الوسط، الأمر الذي يتطلب الإبقاء على خيارات أخرى غير التفاوض، ولعل عدم التفاوض هو جزء من التفاوض ذاته، وقد يتطلب الأمر تجميد الوضع التفاوضي لحين أو التهديد بخيارات أخرى بما فيها الانتقال من الخيار السياسي والمدني، إلى الخيار العسكري والمسلح!

وإذا كانت المفاوضات السرية وسيلة من وسائل الصراع، فإن القوى الضعيفة لا ينبغي أن تلجأ إليها لأنها ليست في مصلحتها، وذلك بالإشارة إلى مفاوضات مدريد-أوسلو، وبالطبع فإن العكس هو الصحيح فإن القوى القوية والمتنفذة سيكون من مصلحتها أن تلجأ إلى المفاوضات السرية، لكسب الوقت وعدم إعطاء أي تعهدات علنية، وهو الأمر الذي ينبغي إدراكه عند التعاطي مع موضوع المفاوضات.

وإذا طبّقنا ذلك على الوضع الفلسطيني فإن المفاوضات السرية وما تمخض عنها أدى إلى انهيار وحدة الموقف الفلسطيني، والإطاحة بموازين القوى لمصلحة إسرائيل، لاسيما باستبعاد الخيار العسكري كلياً، وفقدان زمام المبادرة، خصوصاً بعد التشطير والتفتيت، وهذه الظروف الشديدة الوطأة انعكست سلباً على منظمة التحرير الفلسطينية، وأسهمت في تجميدها كإطار مرجعي للشعب العربي الفلسطيني منذ نحو عقدين من الزمان.

كما أدى الرهان على خيار المفاوضات لوحدها إلى فصل المسارات عن بعضها بعضا، وهو ما كانت إسرائيل تصرّ عليه منذ اتفاقيات كامب ديفيد والصلح المنفرد مع مصر العام 1978- 1979، وفيما بعد مع الأردن، وهو ما كانت تطمح إليه لفصل المسار السوري عن المسار اللبناني منذ السعي للتوقيع على اتفاق 17 أيار (مايو) العام 1983، الذي تم إلغاؤه، وحالياً فهي تتشبث بشروط أقسى وأشد عندما تعترض على قيادة «حماس» إلى قطاع غزة بهدف تكريس المزيد من الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني، وهذا الموقف يلقى دعماً أميركياً وأوروبياً وإلى حدود معينة ليس بعيداً عن تعاطي رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير واللجنة الرباعية، بصورة معلنة أو مضمرة.

هل كان اتفاق أوسلو نهاية أم بداية لمشروع الحل؟ يمكن القول إن إسرائيل اعتبرته نهاية لزمن ما تبقى من القضية الفلسطينية، في حين اعتبره الفلسطينيون وبعض البلدان العربية بداية للحل، وهو ما طرح معالجات من دون تكافؤ، فضلاً عن الاعتراف بشرعية إسرائيل مقابل سلطة فلسطينية لا تزيد على حكم ذاتي، وهذه السلطة تتعرض للقضم عبر جدار الفصل العنصري والعدوان المستمر منذ وصول اتفاقيات أوسلو إلى طريق مسدود عام 1999، الأمر الذي دفع الفلسطينيين لإعلان الانتفاضة الثانية منذ 28 أيلول (سبتمبر) عام 2000، رغم أن «إسرائيل» ظلت هي المبادرة والمتحكمة والمتنفذة بالمعابر والحدود والمطار وغيرها، ويستطيع خنق الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع متى ما تريد، في حين ازداد الانقسام الفلسطيني والعربي، كما أن المبادرة العربية التي عرضها الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز خادم الحرمين، ظلّت تراوح في مكانها ولم تتحرك بسبب إهمال وعدم اكتراث «إسرائيل»، بل استخفافها الكامل بها.

لا بدّ لأي مفاوض من وضوح الهدف ووجود خطة لديه وبرنامج، ولا بدّ من كفاءة وإلمام بالتفاصيل، فوراء أي مفاوض ناجح هناك سياسي ناجح، ووراء كل قضية قانونية وفقهية، قضية سياسية، فما بالك إذا كانت عادلة ومشروعة!!

وبعد نحو عقدين من التفاوض ما الذي ينتظر القضية الفلسطينية مستقبلاً؟ وما السيناريوهات المحتملة؟ السيناريو الأول: الاستمرار بالعملية التفاوضية مع سعي إلى تعديلها من جانب الطرفين، ولكنه لا يخرج عن إطار أوسلو، حيث ستبقى مشكلة القدس واللاجئين (حق العودة) والمستوطنات والحدود وإقامة الدولة الفلسطينية، كلّها معوّمة ومن دون حلول موعودة، وسيزيد الأمر من قوى التطرف الإسرائيلي خصوصا بعد وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى السلطة بالانتخابات التي جرت قبل أسابيع والكتلة اليمينة المتحالفة معه، وقد أظهرت نتائج الحرب على غزة، أن الأغلبية الساحقة من المجتمع الإسرائيلي المغلق والمتعصب، كان إلى جانبها، كما سيزيد هذا التوجه من نشاط بعض قوى التطرف العربي، بما فيها تنظيم «القاعدة».

أما السيناريو الثاني فيتعلق بخيار آخر، لكنه يتطلب وحدة الموقف عربياً، سواءً كان خياراً عسكرياً أو مقاوماً أو ممانعاً، إذ لا مفاوضات ناجحة من دون سياسة ناجحة، وهذا يتطلب إرادة سياسية، وهي غير متوافرة حالياً، فالدبلوماسية والتفاوض هما شكلان من أشكال الصراع، والسياسة هي تعبير عن الصراع بوسائل ناعمة، في حين أن الحرب هي سياسة ولكن بوسائل عنفية ومسلحة، فالأمر بحاجة إلى تراكم وتواصل وتحضير وإلاّ فإن العدوانية والعنصرية الإسرائيلية سوف لا تترك وسيلة إلاّ وتستخدمها مثلما عملت منذ 61 عاماً على القضم التدريجي والعدوان المستمر والحرب الدائمة، كجزء من عقلية الاستعمار الاستيطاني الإجلائي.

* باحث ومفكر عربي

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top