إعادة تعريف الديمقراطية

نشر في 16-05-2009 | 00:00
آخر تحديث 16-05-2009 | 00:00
 د. ليلى الموسوي إن تعريف الديمقراطية في الكويت تعريف مغلوط، إذ يُعتَقد أنها رأي الأغلبية، ولذا مثلا لا ترى الجماعات القبلية والطائفية شبهة في الانتخابات الفرعية: فمن حقها اختيار من يمثلها هي دون غيرها، ويضمن حقوقها حتى لو كان ذلك على حساب حقوق الآخرين في المجتمع، وإذا كانت الديمقراطية هي رأي الأغلبية، وكانت نتيجة الانتخابات الفرعية هي رأي الأغلبية، فإن هذه الممارسة ديمقراطية حتما، وتتناسى مثل هذه الجماعات أن رأي الأغلبية معروف وممارس ومن ثم ليس بحاجة- في واقع الأمر- إلى تكريس.

ولا تدرك أن من أهم عناصر الديمقراطية الحديثة والمعاصرة، الحفاظ على حقوق الأقليات، والدفاع عن حقوق الإنسان كإنسان بغض النظر عن أي أقلية ينتمي إليها، خصوصا أن الأقلية لا تعني بالضرورة الأقلية العددية، فهناك قطاعات كثيرة أكبر عدديا إلا أنها مهمشة سياسيا أو اجتماعيا، ومع تغير المد السائد ستعود أي جماعة في يوم من الأيام أقلية لأسباب سياسية أو إثنية أو اجتماعية أو اقتصادية أو دينية/طائفية أو بسبب الجنس أو المستوى التعليمي أو غير ذلك.

لذا فإن وصول المرأة إلى مجلس الأمة مهم، لكن ليس لتدافع عن حقوق المرأة/الأقلية، فبمجرد أن غدا للمرأة حقوق سياسية، رأينا انقلاب بعض أشد التيارات معارضة على أعقابها لتستميت في الوصول إلى القاعدة النسائية، ورأينا الأعضاء الذين صوتوا بملء أفواههم وبفخر واضح ضد القانون، ينحنون دون خجل أمام رياح التغيير ويتشدقون بالدفاع عن حقوق المرأة.

إن تمكنت المرأة من النجاح هذه المرة فلأنها استطاعت الوصول إلى كل الأقليات والأكثريات في المجتمع، فوصلت إلى الناخب الذكر والأنثى، الشاب والكهل، السني والشيعي، وإن تمكنت المرأة من النجاح في هذه المرة فلأنها تكون قد قدمت نفسها بجدارة نائبا عن الإنسان في هذه الوطن، وبرهنت أنها قد تخلت عن الكيل بمكيالين، فتكون بذا قد كسرت حاجز تمثيل أقلية أو طائفة أو أسرة، وقدمت بحق نموذج «نائب الأمة»، الذي يعتمد الرؤية والمنهج، وترجمت ذلك بطرح برنامج ذي معالم وطنية واضحة.

إن نجاح المرأة وبسرعة في تحقيق هذا الرقم العالي باحتمال الوصول إلى المجلس في سنتين، دليل على أهمية مناقشة القضايا غير الشعبية، وآراء الأقليات أو الآخر، فليس للحراك في المجتمعات اتجاه ثابت، إذ قد يكون أفقيا عبر القطاعات المتجاورة من اليمين إلى اليسار أو العكس، أو يكون أفقيا من القاعدة إلى القمة أو العكس، لذا من المهم الدفاع عن القضايا غير الشعبية من حقوق الأقليات، لأن مثل هذه الرؤية هي التي تدفع الحراك وتولد النقاش والتطور في الفكر الإنساني والمجتمع الحضري، وعبر تاريخ الفكر الإنساني وحدها الأفكار المرنة التي تقبل التطور كتب لها النجاح والبقاء، فالتنوع الفكري مهما تنافرت أقطابه هو جوهر التطور في الفكر الإنساني.

وعندما قدمت الحكومة قانون حقوق المرأة السياسية غير الشعبي، وحشدت له المواقف، فرضت تغييرا على المجتمع من أعلى إلى الأسفل، وها نحن في أقل من سنتين نرى تقدما واضحا للمرأة وتزايدا مطردا في احتمالات نجاحها، فلم نعد نسمع عبارة «لا تضيع صوتك... ما راح تنجح»، اليوم هناك أمل حقيقي في التغيير، وفرحة صادقة بالاحتمالات.

اليوم ونحن نقف أمام صناديق الاقتراع مجددا، نأمل أن يفرض الشباب إعادة تعريف الديمقراطية، والعودة بمفهوم المواطنة إلى ذلك الذي عرفناه نحن الذين ولدنا في الستينيات، وعشنا أجمل وطن عرفته الأرض في السبعينيات، قبل أن تحاصر أنفاسنا أكف التكفير، وتطبق الخناق علينا دعوات الجاهلية المقنعة في رداء الدين.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top