خواطر جريئة عن التعليم السعودي... منيرة جمجوم تمزج النظريات بالتجرية الشخصية
صدر حديثاً عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» في بيروت كتاب «خواطر جريئة عن التعليم السعودي» للكاتبة السعودية منيرة جمجوم.يقع الكتاب في 127 صفحة، وتقدّم فيه جمجوم نصوصاً تتميّز بالمزج بين النظريات العلميّة والتجربة الشخصية.
تهدي جمجوم كتابها إلى وطنها، مكرسة بذلك حس الإنتماء ونبذ الفردية. وقد حرصت على تقديم تعريف بالنفس والمنهجية قبل الولوج في التفاصيل، إيماناً منها بأن الخطوة الأولى قبل القراءة تعتمد على التخلي عن التصورات المسبقة.ترفض جمجوم الاعتماد على منهج الرأي الأحادي وتفضل تفعيل مفهوم معرفة النفس، وتحليل ماهيتها، ودراسة قدراتها، مؤكدة في الكتاب: «المقدمة الفلسفية ما هي إلا وسيلة لغاية نبحث عنها يومياً، بل تبدو أكثر وضوحاً في تصرفاتنا اليومية... فنحن في المملكة العربية السعودية خصوصاً، والمسلمون والعرب عموماً، في حالة من التيه والبحث المستمر عن جوانب لذلك السؤال المحير: من نحن؟».ثم تنتقل الكاتبة إلى الحديث عمّا ذكره عبد الرحمن منيف في كتابه «الديمقراطية أولاً... الديمقراطية دائماً»، حيث يخصص فصلاً لدراسة أثر النفط في المجتمع العربي، يناقش فيه جوانب الثورة النفطية السلبية، ثم تؤكد أن المعضلة أننا أصبحنا نعاني من حالة الإدمان النفطي الذي توّج القيم الاستهلاكية عوضاً عن القيم الإنتاجية في المجتمع.أما حول المنهج فتؤكد الكاتبة أنه ضمان نجاح الجهود التي تصبّ في نظام التعليم في المملكة اليوم، وتقول: «ربما نكون بحاجة أولاً لفهم المنهج بمعناه الواسع الشامل، وحينها ندرك أن العيب في نظام التعليم في المملكة غير مرتبط بمشكلة واحدة، فهو ليس الكتاب المقرر وحده ولا المعلم ولا حتى الطالب، بل ثمة شبكة عنكبوتية مترابطة من أشياء يجب أن نحللها ونعيد برمجتها، بدءاً من فلسفة التعليم نفسها التي تربينا عليها، فلسفة التشابه القاتل، فلسفة أحادية الرأي وأحادية المنهج. كلها أمور تطرح تساؤلات حان الوقت لنتحدث عنها. أما بالنسبة إلى مفهوم المنهج الجيد فهو المنهج الذي يكون مرآة أفراد المجتمع باختلافهم، وهو المنهج الذي يترك للمعلم والطالب حرية التعبير والإبداع، والذي يمزجنا بالعالم الخارجي من دون أن يخلعنا عن تقاليدنا ومبادئنا. إنه منهج الإنسانية التي ننتمي إليها، لكننا نرفضها يوماً بعد يوم». الكآبة الإيجابية حول الحوافز التي دفعتها إلى تقديم الكتاب توضح جمجوم: «عندما خطرت لي فكرة هذا الكتيب كنت أتحرك من منطلق أنني في المقام الأول باحثة تربوية، وفي المقام الثاني مواطنة سعودية مشغولة بهموم مجتمعي ومهتمة برصد ظواهر الواقع التعليمي وعرضها على الرأي العام. إنني أقدم في هذا الكتيب رأي في ما يتعلق بأمور مختلفة في القطاع التعليمي في المملكة، لإيماني بأهمية طرح وجهات نظر متعددة ترسم الواقع أمام القارئ والمتأمل، وقد ظلت فكرة رصد خواطري عن التعليم تشغلني فترة طويلة، لكنني لم أتفرغ لكتابتها إلى أن هبت عاصفة الكآبة الإيجابية في داخلي للمرة الأخيرة عندما قرأت نتائج المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير في ما يخص التكهنات عن منطقة الخليج، والتي تقوم باختصار ما يلي: ثمة ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الخليج، إما أن يعود صحراء جرداء أو أن يبقى على شكل دول صغيرة، مستقلة ومتفرقة محدودة القوى، أو أن يصبح خليجاً خصباً منتجاً، وهذا يعتمد على قرارات نتخذها كدول ومؤسسات وأفراد راهناً، خصوصاً في ما يخص قطاع التعليم».وتمضي جمجوم: «من هنا في هذا الكتيب المتواضع أفصح لك عزيزي القارئ عن جزء ولو بسيط من أحلامي وهمومي... فأحاول محاولة الحب بكل حواسه وقلبه وعقله، والباحث بفضوله وشغفه وعزمه، والمواطن بانتمائه وعزته وتساؤله أن أجيب عن هذه الأسئلة التي ربما قد لا أكون وجدت لها إجابة شافية، لكن في البحث راحة حتى ولو لم يكن له نتيجة واضحة في البدايات التي تكون عشوائية غالباً».«اعرف نفسك، تعرف المنهج...» تقول الكاتبة، وتتابع: «مطالعة أم قراءة؟ المعلم السعودي أهم من الخبير الأجنبي، القرارات النازلة، مقتطفات عن التربية الإسلامية... وراء كل معقد قصة، حقائق نسبية، ما هو الآي بود؟ (Ipod) ذكر وأنثى أم امرأة ورجل، أفقي أم عمودي، أضرب بعصاك البحر».بوحمن خلال مقدمة الكتاب تبدأ الكاتبة بالبوح الشفيف وتسرد تفاصيل تشكّل الفكرة: «تضخمت في رأسي الأفكار، وأصبحت تشبه ناطحات السحاب. اغتاطت من ثقل حملها جمجمتي. لطالما أرقت هذه الأفكار الأهل والأصدقاء وتشكلت في نقاشات وحوارات، منها الجيد ومنها الآيل إلى السقوط». وتشعر منيرة جمجوم بالألم متحسرة على تأرجح حال المملكة العربية السعودية والعالم العربي: «أطير من الفرح تارة لما يشهده عالمنا من التقدّم، وأنهار تارة لما أشهده من التأخر، وفي ظل هذا التأرجح يزداد في داخلي شعور الكآبة الإيجابية... أرددها وأقولها وأصرخ بها كي أؤكد أنها ليست إلا كآبة إيجابية تجر خلفها الفكر والعمل والنظرة المدركة والمبصرة للفجوة الفكرية التي يعاني منها عالمنا العربي من النواحي العلمية والأكاديمية والاجتماعية والدينية».تحمل الجمجوم هموم وطنها في ترحالها، ولا يبرح هذا الهم مخيلتها، رافضة أن يطالها الصمت. تسأل من نحن، وأين نقف؟ ماذا نريد، وكيف نصل؟