الدين ومنافع الناس

نشر في 08-09-2008
آخر تحديث 08-09-2008 | 00:00
 د. حسن حنفي الدين ليس كلاما ودعوة وموعظة وبلاغا وبيانا وقولا وخطابا فقط بل هو تحقيق المصالح العامة ومنافع الناس.

أتى الدين لتحقيق المصالح العامة بتعبير الأصوليين الفقهاء ومنافع الناس بتعبير القرآن الكريم. وقد ورد لفظ «منافع» في القرآن ثماني مرات بسبعة معان:

-1 تتداخل المنافع والمضار فلا ضرر إلا وفيه منفعة. ولا منفعة إلا وفيها ضرر. والقضية هي النسبة والكم. هل الضرر أكثر من المنفعة وبالتالي يكون مكروها أو هل المنفعة أكثر من الضرر وبالتالي يكون مندوبا. ففي إحدى مراحل تحريم الخمر يأتي الحكم على أن فيها إثم كبير ومنافع للناس «قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاس». ثم التنبيه على أن المضار أكثر من المنافع، «وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا». المنافع الكسب والتجارة وبعض الانتشاء والطرب عند الندماء والشعراء والظرفاء. والمضار في الصحة وذهاب العقل حين السكر وفقدان القدرة على التحكم في الأفعال، وإيذاء الآخرين، وضياع المال، والإدمان. وقد حرمها بعض الأتقياء على نفسه. وجعل المكروه حراما قبل أن يأتي حكم الاجتناب في القرآن، والتحريم في السنّة.

-2 ما ينفع الناس هو ما يمكث في الأرض وما دونه يذهب جفاء «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ». فالمنافع هي الباقية. وكل ما في الأرض منفعة للناس. المنافع هي الأصل، والأضرار هي الفرع. المنافع هي الثابت، والأضرار هي المتحول. وهي نفس العلاقة بين الخير والشر، بين الحسن والقبيح، بين الصدق والكذب، بين الإيمان والنفاق.

-3 المنافع قضاء لحاجات البشر وما تتطلب الدوافع والبواعث البشرية وإلا أصبح الإنسان فريسة الكبت والحرمان «وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ». المنافع تحقيق للوجود الإنساني وتثبيت لدعائمه في الأرض. هي علاقة بالطبيعة وبالعالم. هي التي تدفعه إلى العمل والإنتاج. المنافع إثبات الذات، وتحقيق مطالب البدن. وقد تحدث علماء النفس عن «الحاجات الأساسية» التي يجب توافرها للبشر. وهي معيار الرفاهية وما يسميه علماء الاقتصاد «خط الفقر». وهي حاجة الإنسان إلى الطعام والشراب والكساء والإيواء والعلاج والتعليم.

-4 والمنافع أصل العبادات. مثال ذلك الحج. فيه منافع للناس في التجارة والتبادل والتعارف بالإضافة إلى ذكر الله «لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ». وقد كان الرسول يقابل الناس وقت الحج ليبلغهم دعوته. وكانت أسواق للتجارة والشعر قبل الذهاب إلى البيت العتيق «لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ». ويمكن أن يقال نفس الشيء على باقي أركان الإسلام. فالشهادة صدق وشجاعة وشهادة على العصر، واعتراف بأن ضمير الإنسان حر لا يخضع لآلهة العصر المزيفة من مال وجاه وشهرة وسلطة «لا إله». ولا ينتمي إلا إلى المبدأ الواحد الذي يتساوى أمامه الجميع «إلا الله»، سلب وإيجاب، نفي وإثبات. والصلاة حفاظ على الأعمال في أوقاتها، ونظافة في الوضوء، ورياضة في الركوع والسجود، وتذكير بالله خلال النهار حرصا على الفضيلة، ومنعا من السوء. والصيام صحة للبدن، ومشاركة للفقراء. والزكاة حق الفقراء في أموال الأغنياء، وتداول رأس المال واستثماره لمصلحة الجماعة.

-5 المنافع في الأرض للطعام والشراب «وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ». تنبت الأرض الخضرة والفواكه. ومنها تتفجر العيون عليها وتجري الأنهار، «وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ».

-6 والحيوان جزء من الأرض. به منافع الإنسان في الطعام والانتقال والادثار «وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ». وهو ما يسمى في الاقتصاد بالثروة الحيوانية. وقد كانت المصدر الأول لثروة العرب، الجمال والخيل والضأن والماعز. وطالما تغنى بها الشعراء ورسمها الرسامون، جمل الصحراء والحصان العربي.

-7 والحديد أيضا به منافع للناس. فمنه تـُبنى المنازل، وتقام الطرق، وتشيد الجسور، وتصنع الأدوات المنزلية. ومنه أيضا يصنع السلاح للدفاع عن النفس، «وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ». فالحديد للسلم والحرب، للبناء وللدمار، للعمران وللخراب، للراحة وللتعب، للنعيم وللعذاب. استعمله ذو القرنين للدفاع عن الحق. ويستعمله هامان وفرعون لتشييد القصور والقلاع والاستعلاء على رقاب الناس. الدين إذن ليس كلاما ودعوة وموعظة وبلاغا وبيانا وقولا وخطابا فقط بل هو تحقيق المصالح العامة ومنافع الناس.

* كاتب ومفكر مصري

back to top