كيف الخروج من وحول التيبت؟

نشر في 03-05-2009 | 00:00
آخر تحديث 03-05-2009 | 00:00
تستطيع الحكومة الصينية تحسين الوضع في هضبة التيبت بين ليلة وضحاها عبر الاستغناء عن المسؤولين الذين يطّبقون مثل هذه السياسات غير القانونية، وعبر تقديم الاعتذار إلى التيبتيين لتغاضيها عن هذه الأعمال المسيئة طوال 15 عاماً.

شهدت الصين العيد الخمسين للانتفاضة الفاشلة التي قام بها التيبتيون ضد الحكم الصيني في عام 1959 من دون احتجاجات خطيرة، لكن لإبعاد التيبتيين عن الشوارع، كان على الحكومة الصينية حشد فرق عسكرية مكثّفة في هضبة التيبت برمتّها واعتقال مئات الأشخاص سراً في سجون غير معروفة بتهمة «التعليم القانوني».

تدل تلك الإجراءات على أن التيبت باتت هاجساً يزداد خطورةً بالنسبة إلى حكّام الصين، الذين لم يجدوا بعد الأساليب لمعالجته من دون الضرر بمركزهم في التيبت وفي أنحاء العالم.

منذ عام، تبارى مفكّرون صينيون وغربيون في رفض الاهتمام الشعبي بالتيبت بوصفه التباساً ساذجاً مع «وادي شانغري-لا» الخيالي المجسد في فيلم Lost Horizon الذي عُرض في عام 1937. لكن بعد وقوع أكثر من 150 احتجاجاً في التيبت ضد الحكم الصيني على مدى العام الماضي، لا تبدو الهواجس بشأن هذه المنطقية خيالية على الإطلاق، فقد تحل التيبت محل تايوان كعامل في الاستقرار الإقليمي ومسألة مهمة في العلاقات الدولية.

تغطي مناطق التيبت التي يسكنها تيبتيون ربع الصين، لذلك فإن وجود جزء كبير من أراضي البلاد تحت السيطرة العسكرية وانعزاله عن العالم الخارجي يضعف مطالب الحزب الشيوعي بالشرعية وبتبوء مركز قوي في العالم.

كانت احتجاجات العام الماضي الأضخم والأكثر انتشاراً في التيبت منذ عقود. تضمن المشاركون أفراد قبائل، ومزارعين، وطلبة، كان يُفترَض بهم التعبير عن امتنانهم للصين لتحديث اقتصاد التيبت.

حمل كثيرون العلم الوطني التيبتي المحظور، ليعبروا عن رؤيتهم للتيبت كدولة منفصلة في الماضي، وفي نحو 20 حادثاً، أقدموا على حرق مكاتب تابعة للحكومة. في إحدى الحوادث، تعرض مهاجرون صينيون حتى لهجمات، ما أسفر عن وفاة 18 شخصاً. من الواضح أن هذه الأحداث تشكّل تحدياً أمام الحكم في الصين.

جاء رد فعل الحكومة بأنها عزت المشكلة إلى تحريض من الخارج، فأرسلت إلى التيبت المزيد من القوات، وأخفت تفاصيل عن وفاة محتجين، وحكمت بالسجن المؤبد على أحد ناشطي التوعية بمرض الإيدز الذي نسخ أقراصاً مدمجة غير قانونية من الهند، ومنعت الأجانب والصحافيين لأشهر من زيارة هضبة التيبت.

في نوفمبر، أبدى مسؤولون صينيون، بشكل حيّ على التلفزيون الوطني، استخفافهم بمقترحات منفيين تيبتيين دعوا إلى التفاوض، كما ألغوا إحدى القمم الأوروبية بسبب اجتماع بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والدالاي لاما، ويشيرون دوماً إلى أن التيبتيين إرهابيون.

في 28 مارس، كان على التيبتيين في لاسا الاحتفال بـ»يوم تحرير الرقيق» للموافقة على تبرير الصين سيطرتها لمدة 50 عاماً، لكن هذا المصطلح المتعلق بصراع الطبقات يذكِّر الناس بالثورة الثقافية، وبما أن مثل هذه اللغة غير ممكنة في الصين الشعبية اليوم، فإنها تجعل التيبت أكثر انفصالاً.

على الرغم من زعم الجانبين استعدادهما للحوار، فإنهما يتحدثان على أرضية من الأهداف المتناقضة، فبحسب المنفيين، يجب أن تقوم المحادثات على اقتراحاتهم بالحصول على الحكم الذاتي، في حين لن تناقش الصين سوى مركز الدالاي لاما الشخصي، أي عن مكان إقامته في بكين إن عاد إلى الصين. تتواصل مباريات المشاحنة الداخلية، مع وصف الدالاي لاما أخيراً حياة التيبتيين تحت الحكم الصيني بـ»الجحيم على الأرض».

كان يقصد بالتأكيد العيش خلال سنوات حكم ماو تسي تونغ أكثر منه خلال الوقت الراهن، لكن ملاحظاته مكّنت الصين من شن هجمات إعلامية إضافية وزيادة الاحتقان السياسي.

اتُهمت الحكومات الغربية بالتدخل، لكن من غير المرجح أنها ترغب في قطع علاقاتها مع الصين، لا سيما في ظل أزمة اقتصادية، وفي أكتوبر الفائت، كان وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند حريصاً للغاية على التأكيد على حسن نية الصين إلى حد أنه أوشك على انتقاد اعتراف من سبقه بسلطة التيبت الذاتية منذ 100 عام.

لكن الهواجس الخارجية حيال وضع الحكم الصيني في التيبت مبرّرة، فالتيبت هي المنطقة المرتفعة الاستراتيجية بين أهم دولتين نوويتين في آسيا، لذلك فإن الحكم الرشيد في الهضبة يصب في مصلحة الجميع.

قد تساعد الصين على التخفيف من التوتر المتنامي عبر الاعتراف بمنطقية هذه الهواجس، يستطيع الدالاي لاما أيضاً تخفيف لقاءاته مع الدول الأجنبية، والاعتراف بأنه على الرغم من حرمان الصين التيبت عموماً من الحياة الفكرية والدينية، فلاتزال بعض مظاهر الثقافة التيبتية بحال جيدة نسبياً كالفن الحديث، والأفلام، والأدب.

في المقابل، بوسع المراقبين الغربيين تقبّل تطمينات المنفيين بأن مقترحاتهم بشأن التمتع بحكم ذاتي أمر قابل للتفاوض وليست مطالب قطعية، بدلاً من انتقادها قبل بدء المحادثات.

ستفوز جميع الأطراف إن التفتت إلى المسؤولين التيبتيين في الصين اللذين تجرآ على التحدث علناً الشهر الفائت. قال أحد المحافظين المتقاعدين من كاردزي لصحيفة «زاباو» السنغافورية إن «على الحكومة وضع ثقة أكبر في شعبها، لا سيما الرهبان التيبتيين»، واعترف حاكم التيبت الحالي بأن بعض المحتجين «لم يكونوا راضين العام الفائت عن سياساتنا»، عوضاً عن تسميتهم أعداء الدولة، وهو أول تنازل رسمي من داخل الصين التي قد تكون بعض سياساتها ذات صلة بالاحتجاجات الأخيرة.

مازال الحزب يتّبع حتى هذه اللحظة استراتيجية تقليدية، فقد أرسل الأسبوع الفائت وفداً من المسؤولين إلى الولايات المتحدة (يُقال إنه أول وفد مرسَل يتألف من التيبتيين فحسب، وهي حقيقة قد يتوقع المرء أن يخجلوا من الاعتراف بها)، وأخبر رئيس الوفد، شينغتسا تنزين شوداك، الصحافيين بأن التيبتيين يتمتعون بالحرية الدينية.

كما يعلم أي شخص عمل في التيبت في الآونة الأخيرة، ذلك غير صحيح. منذ عام 1996 على الأقل، مُنع التيبتيون كافة الذين يعملون لدى الحكومة والطلاب التيبتيون كافة في التيبت من ممارسة أي طقس بوذي، على الرغم من أنه بموجب القانون الصيني من غير القانوني منع الأشخاص من ممارسة ديانة رسمية.

قد تستطيع الحكومة الصينية تحسين الوضع بين ليلة وضحاها عبر الاستغناء عن المسؤولين الذين يطبقّون مثل هذه السياسات غير القانونية، وعبر تقديم الاعتذار إلى التيبتيين لتغاضيها عن هذه الأعمال المسيئة طوال 15 عاماً. بوسعها أيضاً البدء بإعادة تقييم سياساتها في التيبت عوضاً عن زيادة سيطرتها ومزاعمها. لحين تنفيذ ذلك، من المتوقع أن يظل سعي الصين وراء الاحترام الدولي مبهماً وستظل مسألة التيبت على الأرجح مطروحة في الأجندة العالمية.

* مدير برنامج الدراسات التيبتية الحديثة في جامعة كولومبيا

back to top