حسن الترابي لـ الجريدة: حكام السودان لا يعرفون سوى لغة القوة

نشر في 16-07-2008 | 00:00
آخر تحديث 16-07-2008 | 00:00
No Image Caption

من الصعب فهم واقع السودان أو استقراء مستقبله من دون الاستماع إلى حسن الترابي الذي يظل رقما صعبا في المعادلة السياسية في السودان، والأخطر أنه «المتهم المناوب» على قائمة نظام البشير. بعد محاولة الانقلاب العسكري الأخيرة «التي خرجت» من دارفور بقيادة خليل إبراهيم زعيم «العدل والمساواة»، سارع «النظام» إلى اعتقال حسن الترابي زعيم «المؤتمر الشعبي».

وبعد الإفراج عنه التقته «الجريدة» في مقر حزبه في الخرطوم قبيل قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتحميل البشير مسؤولية جرائم حرب في دارفور. وبعد صدور القرار كان اللافت أن مواقف الترابي لم تتغير.

وكان معه الحوار التالي:

• قبل التطرق لأزمة دارفور الملتهبة، كيف يرى الترابي الأوضاع في السودان الآن؟

- أنا أعهد السودان منذ عشرات السنين وظللت أطوف به لذلك أستطيع أن أقدر تطورات الحاضر فيه، السودان أولا، كبلد لم يكن شعبا واحدا ولا وطنا ذا قطر واحد، بل هو تجمع أقاليم بضغوط الغزو العالمي على إفريقيا، وقد لم وضم عددا من الشعوب وما جمعها هو لونها، لذلك أطلق عليهم اسم جامع وهو السودان. وكان يحكمه حكم استعماري خلفه من بعد الحكم الوطني، وسار على ذات النهج أيضا. لكن الآن انتشر الوعي وبدأ السودانيون يتحرك بعضهم بالهجرة والاغتراب فانفتحوا على العالم وتيسر الاتصال بالخارج. وظهرت مقارنات مع الخارج أثارت في السودانيين الإحساس بالفقر، والظلم في خدمات السلطة المركزية. السودان كذلك بلد كثيف الجيرة، ولذلك فإن العامل الدولي نشيط وفعال، وهناك اتصال ومساندات اقتصادية وإعلامية وثقافية فيمكن بسهولة أن يدخل العالم الخارجي على السودان لاسيما إذا ضعف، فكل هذه عوامل خارجية في بلد ضعف من توتر الوحدة به لأنها لم تكن وحدة إيجابية ناتجة عن عزيمة، بل كانت وحدة جمود وسكون فلابد الآن من معادلة جديدة لكي يقوم عليها السودان.

• وما هذه المعادلة الجديدة ؟

- أن تكون هناك حكومة عادلة في مشاركة السلطة وفي تقارب مستويات المعيشة وفي تفاعل الثقافات، وكذلك يجب أن تواجه الغازيات العالمية... طبعا لا أحد في هذا العالم ممكن أن ينعزل ببلده أو ينقطع عن العالم، ولكن أن نتصل مع الآخرين صلة الذل هذا غير مقبول، لأنهم سيضربون بنا عرض الحائط باضطراب مصالحهم وارتباك فواعلهم المختلفة حسب وضع السودان.

• أبرز المشاكل الموجودة على الساحة الآن هي مشكلة دارفور، ما حقيقة الأزمة؟

- دارفور دولة لها تاريخ استقلال ليس محليا فقط وإنما عالمي ودخلت في حروب عالمية، ولذلك احتلها البريطانيون وغضبوا عليها وحبسوا عنها السكة الحديدية والمواصلات ومستوى التعليم وحتى القليل الذي كانوا يبسطونه في الشمال، فدارفور ليست كالجنوب لأن الجنوب لم يكن دولة مستقلة كما أن أهل الغرب أكثر نشاطا في العمل، فثقافة العمل في السودان إما رعاة في الشمال أو تحت الشجر في الجنوب، لكن أهل دارفور أكثر السودانيين جهادا فهم نشيطون عاملون مستقلون وأكثر إسلامية من بقية السودان، والآن استشعروا أنهم مازالوا معاقبين عقابا شديدا منذ احتلال البريطانيين وخلفائهم من بعدهم، ورأوا أن الجنوب المظلوم يحاول أن يحاجج ويحاجج واضطر أن يحارب وبعد قليل وازنت قوته قوة الجيش القومي فاضطرت السلطة القومية إلى أن تجلس في الأرض وتستسلم له وتعطيه حقه النسبي، بل اضطرت أن تعوضه عن حاله. ويبدو أن حكام الخرطوم لاسيما إن كانوا عسكريين لا يدركون أصلا المجادلة والمعادلة والمفاوضة، فهم يعرفون لغة القوة والمقاومة والمحاربة والتحدث بالسلاح فقط.

• يرى أغلب السياسيين أن مشكلة دارفور أصلها قبلية وليست سياسية، ماذا ترى؟

- أرى أن هذه سذاجة... فالقبليات موجودة في كل أنحاء السودان، فمن يعرف تاريخ السودان يدرك أنها ليست مشكلة جديدة فهي منذ الستينيات.

•اعتقلت على خلفية المحاولة الانقلابية الأخيرة بقيادة خليل إبراهيم، فما تعليقك؟

- تعليقي معلن، ولم يتغير. لقد أوضحت أن حزبنا حزب المؤتمر الشعبي يرفض الانقلابات العسكرية كما يرفض استخدام العنف وانتهاج القوة سبيلا لتغيير النظام الحاكم. وربما تعرضنا للاعتقال لأن الحكومة السودانية تعرضت لضربة في هيبتها إثر الهجوم الذي شنه متمردو حركة العدل والمساواة على أم درمان.

• هل ترى أنك مستهدف من قبل نظام عمر البشير؟

- نعم، لأننا أتينا في وقت واحد، وكانت حركة إسلامية وقمنا معهم بثورة واحدة لنشر العدالة بين الناس مهما كانت اتجاهاتهم إسلامية أم غير إسلامية، ولكن عندما جئنا لتطبيق الإسلام في الواقع بعد الثورة أسروا السلطة واحتكروها، والإسلام لا يعرف ذلك ولا يعرف أكل المال العام، وهو تحت تصرفهم شخصيا للأقرباء والأنسباء ولا يعرفون العهود لأن أغلبهم عساكر لا يعرفون شيئاً سوى الأوامر فإذا عاهدوا أحدا اليوم غدا ينقلبون عليه، فحدث الخلاف حول بنية الدولة للقيم الإسلامية لذلك خرجنا من عباءتهم حتى لاتتشوه صورة الإسلام في العالم ولذلك نحن نشكل خطرا بالنسبة لهم لأننا نضربهم في شرعيتهم.

• من وجهة نظرك كيف يمكن التوصل إلى حل مشكلة دارفور؟

- رد ضاحكا: المشكلة ليست عسيرة حتى يسأل عليها الترابي فلنعطيهم ما أخذه الجنوبيون، فنصيب مشاركتهم في الدفاع عن السودان وفي اقتصاد السودان أكثر من الجنوبيين، ولكن عيبهم الوحيد أنهم مسلمون، فليشاركوا في كل مراكز السلطة. يجب أن تعطيهم الحكومة حكما إقليميا بدلا من حكم الولايات، ولتعطيهم حقهم في الميزانية زائدا حتى تأتي انتخابات عامة تعادل بين الناس. ولكن في الفترة الانتقالية السلطة كلها محتكرة في رئاسة الجمهورية، لان الحكومة دكتاتورية وحكمها طاغوتي حتى الجنوبيون المظلومون نصيبهم ليس نائب رئيس الجمهورية ولكن شريك رئيس الجمهورية.

• ما زلت تصر بشدة على أن الجنوب مظلوم لماذا؟

- بالتأكيد، لأنهم بالفعل مظلومون، لكن فقط فتح لهم الباب للسير نحو العدالة، فالجنوبيون نسبيا يوالون الآن حركة التحرير التي أتت لهم بحقوقهم، لكنهم إذا نظروا إلى الشمال فالمؤتمر الشعبي هو أقرب الأحزاب إليهم بمبادئه وتاريخه، وبالنسبة للمظالم فكلانا ظُلم، وبالنسبة للسجن فكلانا تم سجنه، وكذلك دارفور أيضا مظلومة ومهمشة فالسودان يدعو إلى اللامركزية.

back to top