استقلالية بدعم حكومي… ما ترهم

نشر في 14-08-2008
آخر تحديث 14-08-2008 | 00:00
 ضاري الجطيلي يبرر بعض الأصدقاء الذين هجروا العمل الوطني بأن الأمة التي تسعى طواعية إلى الخضوع والخنوع لا تستحق النضال من أجلها، وأخيراً أوردت «القبس» ثلاثة أمثلة تبين مدى تجذر الفكر الريعي والاتكالية وانعدام الإبداع وحب الخضوع والخنوع ليس عند الناس البسطاء فحسب، بل حتى في عقول من يفترض بهم أن يكونوا قادة للمجتمع المدني الحر.

ضمن تصريحها بتاريخ 21 يوليو عن شروط إشهار جمعيات النفع العام، ذكرت وزارة الشؤون أن عدداً كبيراً من الجمعيات يطالب الحكومة بدعمها مادياً، وهو أمر لا يستقيم مع أبجديات المجتمع المدني، فتلك الجمعيات هي حلقة الوصل بين مطالب أعضائها والحكومة التي تملك صلاحية تحقيقها، ونجاح أي منها في الاستمرار والتأثير مربوط بإيمان أعضائها وداعميها بضرورة وجودها والتزامهم بأهدافها، ويترجم هذا الإيمان والالتزام بدعمهم لها مادياً، وهو ما يعطي الجمعية شرعية تمثيلهم، ويعطي الأعضاء والداعمين حق محاسبة إدارتها، بينما الجمعية التي تفقد القدرة على إقناع أعضائها وداعميها بتمويلها فإنها تفقد مبرر وجودها، وعندما تحصل على الدعم الحكومي فإنها تصبح ممثلة للحكومة وتعطيها مبرراً للتدخل في شؤونها.

المثال الثاني هو مطالبة اتحاد شركات التنظيف الحكومة بتاريخ 5 أغسطس بتحمل التكاليف المترتبة على زيادة الحد الأدنى لرواتب العمالة، ظناً منه بأن الدعم الحكومي للشركات يضمن صحتها المالية، لكن ما يغفله هو أن تحمل الحكومة للتكاليف يعطيها مبرراً للتدخل في عمل الشركات وشؤونها الخاصة وفرض مزيد من القيود عليها، ولذلك كلفة مادية ومعنوية على المدى البعيد تفوق بكثير تكاليف زيادة رواتب العمالة.

أما المثال الثالث، بتاريخ 29 يوليو، فهو مناشدة نقابة الصحافيين الكويتية الحكومة زيادة دعمها المادي للصحف والمجلات، وهو أمر يتنافى مع وصف الصحافة بالسلطة الرابعة، فالدعم الحكومي للصحف يؤثر في استقلاليتها اللازمة لمراقبة عمل الحكومة وتوعية الناس بتقصيرها، كما أن الصحيفة مشروع تجاري شأنها شأن أي مشروع آخر يخضع لقوى السوق المفتوح ومزاج المستهلك، فما الذي يعطيها الأحقية من دون غيرها في الحصول على الدعم الحكومي؟ وكما قلت عن جمعيات النفع العام، فالصحيفة التي تفقد القدرة على جذب القراء والشركات للإعلان فيها فإنها أيضاً تفقد مبرر وجودها. هذه أبجديات المنافسة في السوق المفتوح والإعلام الحر.

إن دور المجتمع المدني هو توعية الناس وصون حقوقهم ضد تعسف الحكومة، ودور القطاع الخاص هو تنمية الاقتصاد وتحقيق الربح بعيداً عن عبث الحكومة بتوجهات السوق، ودور الصحافة وضع الحكومة أمام مسؤولياتها تجاه الناس. فهل يلام الناس على سلبيتهم تجاه الحرية والعمل الوطني بينما يتجه قادتهم من مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص والصحافة طواعية نحو الخضوع لسلطة الحكومة؟

Dessert

لا داعي بالأساس للمناشدة، فأي حكومة ذات منهج سلطوي ومهووسة بالتحكم في توجهات المجتمع كحكومتنا يسعدها شراء ولاء مؤسسات المجتمع المدني حتى تضمن عدم انكشاف تقصيرها وانعدام رؤيتها وخططها.

back to top