الظلام وسط الضوء في العراق

نشر في 21-04-2009
آخر تحديث 21-04-2009 | 00:00
 د. عبدالخالق عبدالله تجددت العمليات الانتحارية في العراق في الآونة الأخيرة مما يشير إلى أن المشهد الأمني والسياسي لم يستقر بعد كل الاستقرار، لكن رغم تجدد هذه العمليات التي أدت إلى مقتل 252 عراقيا خلال شهر مارس الماضي وحده، فإنه يمكن القول بقدر من الاطمئنان إن فسحة الضوء مازالت تتسع يوميا ومساحة الظلام تنحسر تدريجيا في العراق. بعد مرور ست سنوات على دخول القوات الأميركية المحتلة وسقوط النظام الاستبدادي في 9 أبريل 2003، أصبح العراق أكثر أمنا واستقرارا وربما كان على وشك الخروج من النفق المظلم أخيرا.

فعراق عام 2009 أفضل حالا من عراق 2008 ومن المتوقع أن يكون عام 2010 أفضل عام يمر على العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003. لقد تجاوز العراق أصعب اللحظات، وأسوأ السيناريوهات وليس أمامه سوى المزيد من الأخبار السارة، والزحف من وضع حسن إلى وضع أحسن. إن ضوء المشهد العراقي أكثر بكثير من ظلامه.

كل ذلك لا يعني نهاية للمأساة في العراق، فمن الممكن جدا أن ينتكس الوضع الأمني ويعود العراق إلى تخندقه المذهبي، كما أن فرق الموت التي تراجعت كثيرا يمكن أن تستعيد نشاطاتها الإجرامية ويعود تنظيم القاعدة الذي اختفى فجأة للبروز من جديد فجأة. ولا يمكن الرهان على الجيش العراقي الجديد، فعلى الرغم مما يدعيه من جاهزية فإنه ليس بكامل جاهزيته خاصة في مرحلة الانسحاب الأميركي، أما الحكومة العراقية التي أكدت حضورها السياسي والأمني فإنها تعاني الفساد الإداري والمالي، ولا تملك القرار الوطني المستقل في ظل الاحتلال الأميركي والتغلغل الإيراني.

ما يحتاجه العراق حاليا هو تحقيق المصالحة الوطنية التي لا يمكن أن تتحقق، ذلك أن الخلافات السياسية والتجاذبات المذهبية والانتهازية هي القاعدة التي تحكم المشهد السياسي العراقي الجديد. وبدون مصالحة وطنية سيظل العراق ضعيفا من الداخل ومخترقا من الخارج.

ويأتي قرار الرئيس الأميركي أوباما لسحب القوات الأميركية المحتلة وإنهاء مهامها القتالية بحلول 31 أغسطس 2010 ليزيد من القلق تجاه تجدد العنف الداخلي وتزايد الاختراق الخارجي. فالانسحاب العسكري الأميركي سيساهم في حل مشاكل أمنية وسياسية كثيرة لكن من المتوقع أيضا أن يخلق فراغا استراتيجيا ضخما ويقدم فرصة جديدة لإيران لتحقيق ما لم تتمكن من تحقيقه حتى الآن وهو ابتلاع العراق. إن تحقق هذا الابتلاع فسيكون أكبر نقاط ظلام المشهد الأمني والسياسي في العراق.

لن تتمكن إيران من ابتلاع العراق الذي هو أكبر من أن يبتلع من قبل أي قوة إقليمية أو دولية، والتجربة الأميركية المريرة خير شاهد على ذلك. إذا كانت واشنطن قد فشلت فشلا ذريعا في ابتلاع العراق، فالمهمة ستكون صعبة وعصية إن لم تكن مستحيلة أمام طهران.

لكن لدى إيران أجندة واضحة تجاه العراق وقد حققت هذه الأجندة نجاحات مهمة، حيث بلغ تمددها الاستراتيجي والسياسي والأمني والمذهبي في الشأن العراقي درجات عالية ومستويات قصوى في ظل الوجود الأميركي العسكري والسياسي الكثيف وعلى حساب الحضور العربي الذي تراجع كثيرا خلال السنوات الست الأخيرة.

إن أول بند من بنود أجندة إيران هو العمل من أجل خلق العراق الضعيف بجانب إيران القوية عسكريا وسياسيا. ضعف العراق هو قوة لإيران ومدخلها الطبيعي لزيادة نفوذها في المنطقة العربية، لقد كان العراق وسيظل دوما البوابة الشرقية للوطن العربي التي تصد النفوذ الإيراني التوسعي. انفتاح هذه البوابة ساهم في زيادة ثقة إيران بنفسها والمساومة على دور إقليمي واسع في حوارها المترقب مع إدارة أوباما التي تتحدث عن إمكانية عقد صفقة مع طهران بعد أن فشلت محاولات توجيه الصفعة في عهد بوش.

بجانب العراق الضعيف، فإن البند الثاني من الأجندة الإيرانية هو الإبقاء على العراق المذهبي الشيعي وليس العراق الوطني والتعددي، لقد استطاعت إيران اختراق جميع الجماعات والتيارات والقوى السياسية العراقية، لكنها حريصة كل الحرص على كسب ود الطائفة الشيعية بشكل خاص. فطهران تراهن على النخبة الشيعية أكثر من غيرها وذلك بحكم الارتباط المذهبي القوي والسياسي الأقوى الذي تم نسجه خلال فترة وجود هذه النخبة في طهران. مدخل إيران إلى الشأن العراقي يمر عبر احتواء أفراد من هذه النخبة وترسيخ الولاء للمرجعية المذهبية في قم والمرجعية السياسية في طهران. إن العراق الطائفي وليس الوطني هو أكبر مكسب استراتيجي تحققه إيران وترغب في المحافظة عليه بقوة في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي.

أما البند الثالث في الأجندة الإيرانية فهو خلق عراق ضعيف الصلة بمحيطه العربي. لن تتمكن طهران من دفع العراق لقطع صلته كليا ونهائيا ببعده العربي. فالعراق بلد عربي وعضو مؤسس في الجامعة العربية ومعظم قطاعات الشعب العراقي أكدت مرارا وتكرارا عروبة العراق. لكن إيران نجحت في تسويق شعار أن الدول العرابية تخلت عن العراق، وسعت لترسيخ صورة سلبية عن العرب، وساهمت في خلق ظروف أمنية غير مواتية للعمل الدبلوماسي العربي في بغداد منذ 2003، مما ترك الساحة للاستفراد الإيراني بالشأن العراقي.

التمدد الإيراني في العراق هو أكبر نقاط الظلام في المشهد العراقي ويوازي في خطورته الاحتلال الأميركي، وإذا ما تمت مباركة هذا التمدد الإيراني كجزء من الصفقة مع واشنطن، فإن ذلك سيحقق لإيران هدف ابتلاع العراق. هذا هو الثمن الوحيد الذي ستقبل به طهران مقابل وقف برنامجها النووي.

إن المهمة القادمة أمام الشعب العراقي هي التصدي للتمدد الإيراني من خلال أجندة وطنية عراقية في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي، لكن لا ينبغي أن تقتصر مهمة التصدي للأجندة الإيرانية على القوى الوطنية العراقية. هذه المهمة أكبر من قدرات وإمكانات العراق وحده، لذلك من المهم صياغة أجندة خليجية وعربية نشطة ومساندة للقوى الوطنية العراقية في المرحلة القادمة تحقق ثلاثة أهداف مغايرة لأهداف الأجندة الإيرانية.

الهدف الأول هو خلق العراق القوي وليس الإبقاء على العراق الضعيف. ثانيا بناء العراق الوطني وليس المذهبي. وثالثا تقوية صلة العراق بمحيطه العربي بدلا من بقائه تحت وصاية جاره الإيراني الذي لا ينوي الخير للشعب العربي في العراق.

هذه الأجندة الوطنية العراقية المدعومة خليجيا وعربيا كفيلة بمنع ابتلاع العراق من قبل إيران وستساهم كثيرا في زيادة فسحة الضوء ومحاصرة الظلام في العراق. 

* باحث وأكاديمي إماراتي

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top