العالِم شون كارول يكشف ألغاز الوقت ونظريَّة الأكوان!
باسادينا، كاليفورنيا - كان عالم الفيزياء شون كارول في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا يتصارع مع ألغاز الوقت منذ مدة. لاحظ أن معظم القوانين الفيزيائية لا يُصاب بأي خلل، سواء كان يعمل بشكل طبيعي أو عكسي، إلا أن الوقت يسير باتجاه واحد. كتب كارول الشهر الماضي في مجلة «ساينتفيك أميركان» أن الأنتروبيا، ميل الأنظمة الفيزيائية إلى الإصابة بخلل مع مرور الوقت، تؤدي دوراً أساسياً، وعقد ندوة حديثاً في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ليوضح نظريته.
ما مشكلة الوقت؟تشكل استحالة عكس الوقت واحداً من الأسئلة البديهية التي لا جواب عنها في علم الكونيات. أسهب العلم في الحديث عن الوقت طوال سنوات، لكننا نملك اليوم المعدات التي لم تكن متوافرة سابقا، لدينا الآن النسبية العامة ونظرية الأوتار والاكتشافات في مجال فيزياء الجسيمات التي نستطيع استخدامها لمعرفة الجواب الصحيح.ما علاقة الأنتروبيا بتلك الأمور كافة؟يشكل نمو الأنتروبيا من الأزمنة الباكرة حتى الأزمنة الحديثة، الواقع الأكثر وضوحاً في تاريخ الكون. نحن نعرف من تجربتنا في المطبخ أن بإمكاننا تحويل البيض إلى عجة وليس العكس، ولا تحتاج إلى إنفاق ملايين الدولارات لتكتشف هذا الواقع.هل يمكن أن توضح لنا بطريقة مبسطة ما هي الأنتروبيا؟يمكن تفسيرها بالقول إنها عدد الطرق التي يمكن، عبرها، إعادة تنظيم مكوّنات نظام ما، من دون أن تلاحظ الاختلاف بالعين المجردة. كلما امتزج الحليب بالقهوة، ازداد الخلل في جزيئات الحليب وارتفعت الأنتروبيا. أما إذا فُصل الحليب بطريقة ما عن القهوة، فنحصل عندئذٍ على أنتروبيا منخفضة. إذاً، ما هي المشكلة؟إذا كنت تؤمن حقاً بالقصة التقليدية القائلة إن الانفجار الكبير كان البداية وأن قبل الانفجار كان العدم، أعتقد أن توضيح الحقيقة صعب جداً... ما من قانون فيزيائي يجزم أن الحياة يجب أن تبدأ بحالة منخفضة الأنتروبيا. لكن ذلك ما حدث في كوننا.من وجهة نظر رجل علماني، يبدو منطقياً جداً أن تبدأ الأشياء صغيرة ثم تكبر وتتفرق، وها أنت تقول أن هذا خطأ. يوافقني الرأي كثيرون من زملائي الأذكياء جداً. يقولون: «لمَ تفكر في المسألة؟ من المنطقي أن يبدأ الكون الباكر صغيراً ومنخفض الأنتروبيا». لكنني أعتقد أن ذلك دليل على قصر النظر... بما أن ذلك ما حدث في كوننا، نميل إلى الاعتقاد أنه المسار الطبيعي للأمور. لا أظن أننا، بفهمنا الراهن لعلم الفيزياء، قادرون على توضيح المفهوم. جلّ ما أقوله هو أن القاعدة ليست أمراً مسلماً به.إذاً، تعتقد أن الطريقة التي بدأ بها كوننا غير طبيعية.تُعتبر التركيبات المنخفضة الأنتروبيا نادرة. مثلاً، إذا فتحت مجموعة جديدة من ورق اللعب، فلا شك في أنها ستكون مرتبة ومتسلسلة. أما إذا اخترت تركيبة عشوائية لمجموعة من أوراق اللعب، فمن المستبعد أن تأتي وفق تسلسلها الأساسي. هذه هي بالتحديد الأنتروبيا المنخفضة مقارنة بالأنتروبيا المرتفعة.لكن الكون لا يقتصر على ما نراه بالعين المجردة.لا تتفاجأ حين تفتح مجموعة جديدة من ورق اللعب وتجدها متسلسلة، ليس لأن ذلك هو الأمر الطبيعي والأسهل، بل لأن ورق اللعب ليس نظاماً مغلقاً، فهو ينتمي إلى نظام أكبر يشمل مصنع أوراق في مكان ما تولى مهمة ترتيب هذه المجموعة وتنسيقها. لذلك أعتقد أن ثمة كوناً سابقاً في مكان ما أعدنا، وهكذا جئنا إلى الوجود، نحن جزء من بنية أكبر.هل تقصد أن كوننا أتى من كون آخر؟هذا صحيح، جاء من زمن وفضاء أكبرين لا نراهما. أتى كوننا من جزء صغير جداً من فضاء أكبر يمتاز بأنتروبيا أكثر ارتفاعاً. لا أجزم بصحة ما أقوله، لكنني أعتقد أنه مفهوم يستحق التفكير فيه.هل تقصد أنه في بعض الأكوان الأخرى قد يكون هنالك شخص مثلك يشرب القهوة إنما بكوب أزرق لا أحمر؟إذا كان كوننا المرئي جزءاً من بنية أكبر، من أكوان متعددة، ففي تلك الحالة تحتوي البنية الكبرى أماكن أخرى يقيم فيها أناس يعتبرون بيئاتهم المحلية الكون. قد تكون الظروف في تلك الأماكن الأخرى مختلفة جداً، أو قد تكون مشابهة لما يتميز به كوننا، لكن كم عدد الأكوان؟ قد تكون لامتناهية. لذلك من الممكن أن نجد في مكان ما في تلك البنية الكبرى، التي ندعوها أكواناً متعددة، أشخاصاً مثلنا يكتبون في صحيفة شبيهة بـ «لوس أنجليس تايمز» ويفكرون في أسئلة مماثلة.ما دخل سهم الوقت بكل هذه النظريات؟تعتمد تجربتنا مع الوقت على نمو الأنتروبيا. لا يمكنك تصور شخص ينظر من حوله ويقول: «الزمن يسير في الاتجاه الخطأ»، لأن إحساسنا بالوقت يعود إلى ارتفاع الأنتروبيا... يرتبط إحساسنا بأننا نتقدم في الزمن بواقع أننا نتغذى خلال حياتنا بالأنتروبيا... الوقت موجود بمعزل عنها، إلا أنها هي ما يمنح الوقت خصائصه المميزة.هل الأنتروبيا هي ما يمنح الوقت خصوصا المضي نحو الأمام؟نعم، تحدد وجهته وتميز الماضي عن المستقبل. إذا كنا نسبح في الفضاء الخارجي، نشعر أن لا فارق بين ذلك الاتجاه وذاك. لكن أينما كنا في الكون، لا يمكننا أن نخلط بين الأمس والغد. يعود ذلك إلى الأنتروبيا. ذلك هو سهم الوقت.