بين الرواية والتاريخ

نشر في 15-07-2008
آخر تحديث 15-07-2008 | 00:00
No Image Caption
 طالب الرفاعي أجمل ما يكون التاريخ حين يتزيا بثوب الرواية، وكثيرا ما مرَّ بي السؤال: أيهما أسبق على الآخر، التاريخ أم الرواية؟ لكن الإجابة، وفي كل مرة تأتي واثقة: هل من تاريخ دون رواية، وهل من رواية دون تاريخ؟

«تحت سقف واطئ» رواية الكاتب السوري نذير جعفر الأولى، الصادرة بطبعتها الأولى 2008 عن دار نون 4، تحمل أحداث التاريخ على بساط الرواية، ولهذا يأتي التاريخ مختلفاً ومؤثراً، وقادراً على أن يمض في لحم القلب، ليخلّف أثره في ذاكرة القارئ.

ربما تبدو كتب التاريخ في سردها لرواية الأحداث التاريخية، قاسية على الإنسان البسيط لكونها تمرّ من فوقه، جاعلة إياه حطب أحداثها من جهة، وكونها تتجه بنظرها إلى الرؤساء والقواد، بوصفهم صانعي التاريخ من جهة ثانية، لكن الأمر مختلف بالنسبة الى الرواية فهي فن رحيم يتوجه الإنسان به محيطاً بتفاصيل حياته اليومية البسيطة المغرقة في خصوصيتها، محتفياً بآماله الإنسانية الصغيرة. وشتان ما بين كتاب يستخدم الإنسان وقودا لمادته، وكتاب آخر يحتفل بلحظات حياة الإنسان، حلوها ومرها.

رواية «تحت سقف واطئ» تؤرخ، بلغة شعرية آسرة، لأحداث المشهد السياسي في مدينة حلب إبان سبعينيات القرن الماضي، وذلك عبر الغوص في عوالم مجموعة من الشباب الحلبي والعربي، الذي نذر عمره لقضية وطنية مقدسة آمن بها، وسار على دربها الوعر، حاملاً صليبه على ظهره، مضحياً بالغالي والنفيس في سبيل تحقيقها.

إن الرواية في رصدها وتناولها لحياة شرائح وفئات كثيرة من البشر، بأفكارهم وحركة نضالهم الوطني المشروع، قدمت بفنية عالية مشهداً دالاً على الحياة الحزبية العربية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وتحديداً حياة الأحزاب اليسارية، في سعيها للتعبير عن نفسها، واصطدامها بدكتاتورية وعنف السلطة الحاكمة، وتضحياتها الكبيرة من أجل الوصول إلى هدفها. ولقد نجحت الرواية في تعرية بطش السلطة، وإقدامها على ارتكاب كل أصناف الاعتقال والتعذيب، لكل من تسول له نفسه معارضتها، أو حتى مجرد التفكير بالتعاطف مع حزب مناوئ لها. ولقد جاءت الرواية محتفية بحضور لافت لمدينة حلب، بدءاً من قلعتها العتيدة، مروراً بمقاهيها وشوارعها وأزقتها وأسواقها ومشاربها، وبما يجعل المكان بطلاً أساسياً في بنية الرواية.

تتكون الرواية من سبعة وعشرين فصلاً، يأتي كل فصل على لسان أحد أبطال العمل، مراوحاً بين ضمير المتكلم وضمير الغائب، ومثلما كانت المدينة حاضرة بخارطتها وتفاصيلها الحقيقية، فلقد حضر الأبطال بشخوصهم الحقيقية، فالرواية تقدم أبطالاً كان لهم بصمتهم اللافتة على مشهد الحياة في مدينة حلب خصوصا وسورية عامة. أبطال ينتمون الى فئة الفن والثقافة والفكر، أناس بسطاء استطاعوا بمواهبهم المبدعة أن يكونوا في طليعة المشهد الثقافي والفني وتقاطعه مع المشهد السياسي، وما لؤي كيالي ورياض الصالح الحسين، ومحمد الماغوط وممدوح عدون ووليد إخلاصي ونبيل سليمان إلا نماذج دالة على ذلك.

رواية «تحت سقف واطئ» تقدم الحقيقة الحياتية بثوبها الفني، الحقيقة الحياتية المؤلمة حد اليأس، لكن سحر الفن يقدمها على بساط مائدته اللذيذة، فنقبل عليها بحب ونهم، ونطبق عليها أجنحتنا نضمها الى قلوبنا.

back to top