الدستورية تنتصر للدستور وتلغي خامسة الإجراءات وتعتبرها مخالفة للمساواة المادة حرمت آلاف المحكومين من استئناف الأحكام التي تقل قيمتها عن 40 ديناراً

نشر في 12-04-2009 | 00:00
آخر تحديث 12-04-2009 | 00:00
No Image Caption
أسدلت المحكمة الدستورية الثلاثاء الماضي الستار على حكمها بشأن الدفع بعدم دستورية المادة الخامسة من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية، والتي تحظر على المحكومين في قضايا الجنح استئناف الاحكام التي تقل قيمتها عن 40 دينارا، ورأت المحكمة الدستورية، التي اصدرت حكمها برئاسة المستشار راشد الحماد وعضوية المستشارين يوسف الرشيد وفيصل المرشد وراشد الشراح وصالح الحريتي، أن المادة الخامسة تخالف المبدأ الدستوري الخاص بمقتضيات حق التقاضي.

ترجع وقائع القضية المرفوعة من الادعاء العام ضد مواطنة، وانتهت محكمة اول درجة بتغريمها مبلغ 20 دينارا، لكن محاميها اسعد الزنكوي طعن على الحكم امام محكمة الجنح المستأنفة، ودفع بعدم دستورية المادة الخامسة لحرمانها المتهمة من الوصول امام محكمة الجنح المستأنفة، واستجابت محكمة الجنح المستأنفة برئاسة المستشار عادل صقر الصقر بالدفع بعدم الدستورية، وقررت احالة القضية الى المحكمة الدستورية التي بدورها انتهت الى عدم دستورية المادة الخامسة، وبذلك تنهي المحكمة الدستورية مخالفة دستورية استمرت اكثر من 40 عاما، وحرمت تلك المخالفة آلاف المتهمين من الطعن على الاحكام الصادرة من محكمة اول درجة، بسبب قلة قيمتها عن 40 دينارا.

الغرامة

وقالت المحكمة: «إن مبنى النعي على هذا النص – حسبما يبين من حكم الاحالة – انه اقام تفرقة بين اطراف الخصومة امام القضاء بالنسبة الى المدعي والمتهم، إذ قصر الحق في استئناف الحكم الصادر في جنحة بإدانة المتهم المحكوم عليه بعقوبة الغرامة التي لا تجاوز اربعين دينارا على المدعي، وصادر حق المتهم المحكوم عليه بتلك العقوبة في استئناف ذلك الحكم، متخذا– هذا النص– من مقدار الغرامة الذي قضى بها الحكم في هذه الحالة قاعدة لنهائيته في حق من صدر ضده، يستنفد به مرحلة التقاضي التي صدر فيها بالنظر الى ضآلة الغرامة المحكوم بها، وانشأ بهذه التفرقة تمييزا بين اطراف الخصومة في اتاحة استئناف الحكم للمدعي لا يحظى بها المتهم الصادر ضده الحكم على نحو يجافي مبدأ المساواة الذي كفله الدستور في المادة (29) منه، كما أقام النص الطعين بموجب هذه المفارقة مانعاً قانونياً يحول في حد ذاته بين المحكوم عليه بهذه العقوبة وبين التقاضي على درجتين الذي افسح مجاله للمدعي، مسقطا في المقابل عن المتهم حقه في الدفاع ونفي الاتهام المنسوب اليه، ومراجعة الحكم الصادر ضده امام محكمة موضوعية اعلى حتى تتاح له فرصة تبرئة ساحته من هذا الاتهام، وحرمه طبقاً لذلك من المحاكمة المنصفة من خلال اختصارها واختزال اجراءاتها على نحو يفقدها ضماناتها، وهو ما يشكل اهداراً لحق النفاذ الى القضاء، والاخلال بحق الدفاع وموجبات العدل والانصاف بالمخالفة لحكم المادة (166) من الدستور».

المساواة

وبينت «الدستورية» في حيثيات حكمها: «وحيث إن هذا النعي- في أساسه- سديد، ذلك ان من مقتضيات حق التقاضي اللازمة واللصيقة به حق الدفاع، وهذا الحق لا تقوم له قائمة إلا بتوفير المساواة الحقة بين اطراف الخصومة، ومن ألزم وسائل تحقيق هذه المساواة ان تكون للخصومة ذاتها قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها او وسائل الدفاع او الطعن في الاحكام الصادرة فصلا فيها، والحاصل ان القواعد الموضوعية والاجرائية التي يقررها المشرع في المجال الجزائي وإن كان تباينها أمراً متصوراً بالنظر الى تغاير وقائعها والمراكز التي تواجهها والاشخاص المخاطبين بها، فإن دستورية هذه القواعد تفترض في المقام تواجهها والاشخاص المخاطبين بها، لكن دستورية هذه القواعد تفترض في المقام الأول ألا يقيم المشرع بينهم تمييزاً في نطاق القواعد الاجرائية التي تحكم الخصومة عينها، ولا في طرق الطعن التي تنتظمها، وألا تحول هذه الفوارق بينها دون تساويهم في الانتفاع بضماناتهم، وبخاصة ما يتصل منها بحق الدفاع، كما أنه من المقرر ايضا انه وإن كان النص على عدم جواز الطعن في بعض الاحكام القضائية وقصر التقاضي بالنسبة الى ما فصلت فيه على درجة واحدة من الأمور التي تدخل في اطار السلطة التقديرية للمشرع والقدر، وفي الحدود التي تقتضيها مصلحة عامة لها اعتبارها، فإن المشرع إذا اختار التقاضي على درجتين فإنه لا يجوز ان يقصره على طرف في الخصومة ذاتها دون الطرف الآخر فيها، وهو الأمر الذي يستتبع معه القول إن الخصومة القضائية لا تبلغ نهايتها إلا بعد استغراقها لمرحلتيها بالفصل استئنافياً فيها، وبما يقتضي بالضرورة ان يكون حق الدفاع منسحباً إليهما معاً، فلا يكون لموجبات العدل والانصاف من قوام إذا انغلق طريق احداهما، لاسيما اذا كانت تلك الاحكام احكاماً جزائية تقارنها مخاطر تتعاظم وطأتها لاتصالها بحقوق الأفراد وحرياتهم، وهي أبعد اثرا لمساسها بحقوقهم المادية والادبية، وبالتالي لا يجوز اسباغ الشرعية الدستورية على نص تشريعي لا تتكافأ معه وسائل الدفاع التي أتاحها للمدعي والمتهم في الدعوى الجزائية، فلا تتعادل اسلحتهم بشأنها اثباتا ونفياً، وهو ما حرص الدستور على توكيده بالنص في المادة (34) منه على ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع».

إخلال

وختمت المحكمة الدستورية بأن النص المطعون فيه في مجال حضرة استئناف الحكم الصادر في جنحة بالغرامة التي لا تجاوز أربعين ديناراً من جانب المتهم المحكوم عليه، وإفساح مجال هذا الاستئناف للمدعي قد مايز بين اطراف الخصومة بما من شأنه الاخلال بمبدأ المساواة في مجال حق التقاضي، والاخلال بضمانة الدفاع التي لا ينفصل حق التقاضي عنها في اطار من المحاكمة العادلة، فإنه يكون مخالفاً لأحكام المواد (29) و(34) و(166) من الدستور، ويتعين من ثم القضاء بعدم دستوريته فيما تضمنه في هذا الصدد.

back to top