بندر بن سرور: حين يغني مدار الحزن
ولد الشاعر بندر بن سرور في ليلة من ليالي الشتاء الباردة في ضواحي بلدة القرارة القريبة من محافظة الرّس، وكانت ولادته إرهاصة كونية تنبئ بانبثاق تجربة شعرية طالما ملأت الدنيا وشغلت الناس. (بندر بن سرور) ذلك الطفل البدوي الذي ولد في وسط نجد وعاش طفولته راعيا يتنقل مع إبله حيث يوجد الماء والكلأ، فامتزجت أقدامه بتراب الأرض وامتلأ صدره من هوائها، ينطلق خلف نياقه بفكر خال وذهن صاف، حتى بدأت تؤثر بحنينها الذي يقطع نياط القلوب في قلب شاعرنا الشاب، فاكتمل مدار الحزن لديه بوفاة والده. ليعيش بقية عمره يتيم الأب، ثم يتيم الأم، بعد أن ذهبت إلى أهلها، وبقي عند عمه، فكان مختلفا عن أقرانه ممن يركضون خلف الإبل، حيث إنه كان يحمل هما وطموحا رائدا حمله في لحظة من اللحظات على ترك الإبل والاتجاه شرقا بحثا عن مكان يثبت فيه نفسه،
وقد توجه إلى الخرج، حيث تعلم فيها القراءة والكتابة، وأنهى المرحلة الابتدائية، بعد ذلك التحق بالسلك العسكري، ثم بعد فترة من الزمن توجه إلى الكويت بعد ظهور الطفرة الاقتصادية هناك، فعمل في الجيش الكويتي حتى وصل إلى رتبة رقيب، وواصل تعليمه حتى حصل على المتوسطة وقيل الثانوية، وقد تأثر شاعرنا بتلك البيئة المختلفة التي كانت تتفاعل في تلك الفترة في دولة الكويت، فزاد من ثقافته ومعرفته، وبعد سنوات من العمل كان الشوق للمرابئ يحدوه كل ما هب نسناس من الغربي، حتى لم يعد هناك مجال للصبر، فقرر شاعرنا العودة والرحيل إلى السعودية، ومن ثم التحق بأحد الأفواج لفترة قصيرة، ولكن النفس التي تعودت على الحرية والانطلاق أبت إلا أن تكون حرة، فتوجه الى طلب رزقه بنفسه، وتنقل جوالا بين عدد من الدول العربية، ولا تستغرب أن تجده في الإمارات، بائعا في أسواقها ومنشدا في قصر أميرها آنذاك. وبقي بندر على هذه الحال كثيرا حتى أنهكته الطرق وشيبته المسافات، وتبادلته الأمراض، فأصبح مريضا، سقيما هرما وهو لم يتجاوز الأربعين من عمره، وفي رحلة من الرحلات، وبعد أن فرغ من مهمته، قرر زيارة أحد أصدقائه في ضواحي الدوادمي، وفي الطريق إليه وبعد أن تجاوز الدوادمي، أحس بألم فظيع ينهش صدره فأوقف سيارته في جانب الطريق عسى أن يخف الألم، وفعلا صمت الألم إلى الأبد، واسكت معه شاعرا من أعظم شعراء نجد. ومات بندر بن سرور- رحمه الله تعالى- عن عمر يناهز الأربعة والأربعين ربيعا (قيل) في عام 1405هـ، مات في غمرة نضجه، مات الجسد ولكن الروح لم تمت، لقد بقيت ترفرف في معانيه وأشعاره وأخباره، مات ذلك الشاعر المجدد لاغراض الشعر، حيث إنه غير ذلك الجمود الذي لا يخرج من جو القبيلة، فخرج بشعر ذاتي ينبع من النفس البشرية، فكان بندر عندما يتغنى بالشعر يحاول إرضاء الرغبة الشعرية الكامنة في روحه، في رومانسية عجيبه يقول بندر:إن جيت أغني البيـت وافـي ومليـانولـولا معـانٍ بالغنـاء مـا شتقيلـهوإن ضاق صدري شفي أمزح بالألحانوإلا عـن الـزلات رجلـي ثقيـلـةإنه يسمي القصيدة (أغنية) يغني ليمتع نفسه وليرضي الرغبة الشعرية الجامحة لديه وهي الوصف، فشاعرنا طرق أنواعا كثيرة منه في الغزل العفيف البعيد عن التبذل والانحلال والوصف والحكمة والنصيحة وغيرها:والبنات البيض ضيحه ضدهنهعود ريحانٍ بساتينـه مريفـهيا عيون اللي سبوقـه خالفنـهيفرد الخرب الموالف عن وليفهخايفينه يـوم ساقـن يقلعنـهثقلوه وحـط بجناحـه كتيفـهلقد أخفى شاعرنا «الغزل»... خلف صورة شعرية رائعة... (الوصف)في بيان محبوبه الذي هو الصقر، إذ إن أحد كبار الشعراء في عصره- الأمير محمد السديري- عندما سمع الأبيات أقسم بأن بندر صقار ولد صقار، وذلك لبراعته في وصف الصقر.وللسيارة نصيب كبير من وصفه، حيث إن بينه وبينها قصة عشق ووله: راكب اللي مخ رجلينه خنازير وهوىأشهبٍ في مقدمه بارقين وعكس تاجمتر في مترين كله مستبـرم سـوىحايفه حطاب ما سمركة راع الكـراجومن حكمته:أحدٍ ينام وحط راسـه بكمـهوأحدٍ تخم النوم عينه وتخطيهوأحدٍ يحاول بالردى بنت عمهوأحدٍ يحاول ستر عذرا عوانيهإنه شاعر تجري في دمه كل معاني النخوة والرجولة والحماسة، شاعر شرب الحكمة من كأس تجارب الأيام والسنين... وأريد أنا أن أكتب لكم إحدى قصائد بندر بن سرور الجميلة والتي تدل على شاعريته:الله من عيـنٍ طرقهـا صواديـفعميت ويبسن العـروق الصخافـي شفت الوزا بالعين من عرض ماشيفشفته وغيري من فطن له وشافـيوقتٍ تغير فيه حتـى العواصيـفجا في عواصيف الريـاح اختلافـيشره قناطيـر وخيـره مقاطيـفيفطن له اللي يرضـع الديدغافـيكم واحدٍ جاله زمانه علـى الكيـفواغترته نفسه يبـا الجـود وافـييطلع مطاليـع العيـا بالسواليـفبين العذارا عـد روحـه اسنافـييفرح بهرجٍ بالقفا ويكره الضيـفقتـات والقتـات بالنـار هـافـييعلق قصيره علقة النـار بالليـفعيٍ ولـد عـيٍ زنـوده اضعافـيان رخصت الحذوه توقي عن الحيفوان غليت الحذوه مشى اللاش حافييرقـد ويلحـق والدينـه تخاليـفدايم ومرقـد ميـت النـار دافـيهو مادرى ان الجود يبغى تكاليـفسهـر الليالـي مقبـلاتٍ مقـافـييبغـى ايديـنٍ للعطايـا مغاريـفويبغى ارجـولٍ ماتمـل الوقافـيوالصبر بنحور السنين الشواحيـفاللي قساهـن مثـل حـد الرهافـيما يقدرون الجود سـود الاطاريـفامشاركة بيض النسـاء باللحافـييقدر عليها اللي حكم نجد بالسيـفواودع قبايـل مع قبايل اولافــيعبدالعزيز اللي يبـث المصاريـفيجـدع قناطيـر الذهـب بالفيافـي