بندر بن سرور: حين يغني مدار الحزن

نشر في 10-04-2009 | 00:00
آخر تحديث 10-04-2009 | 00:00
ولد الشاعر بندر بن سرور في ليلة من ليالي الشتاء الباردة في ضواحي بلدة القرارة القريبة من محافظة الرّس، وكانت ولادته إرهاصة كونية تنبئ بانبثاق تجربة شعرية طالما ملأت الدنيا وشغلت الناس.

(بندر بن سرور) ذلك الطفل البدوي الذي ولد في وسط نجد وعاش طفولته راعيا يتنقل مع إبله حيث يوجد الماء والكلأ، فامتزجت أقدامه بتراب الأرض وامتلأ صدره من هوائها، ينطلق خلف نياقه بفكر خال وذهن صاف، حتى بدأت تؤثر بحنينها الذي يقطع نياط القلوب في قلب شاعرنا الشاب، فاكتمل مدار الحزن لديه بوفاة والده. ليعيش بقية عمره يتيم الأب، ثم يتيم الأم، بعد أن ذهبت إلى أهلها، وبقي عند عمه، فكان مختلفا عن أقرانه ممن يركضون خلف الإبل، حيث إنه كان يحمل هما وطموحا رائدا حمله في لحظة من اللحظات على ترك الإبل والاتجاه شرقا بحثا عن مكان يثبت فيه نفسه،

وقد توجه إلى الخرج، حيث تعلم فيها القراءة والكتابة، وأنهى المرحلة الابتدائية، بعد ذلك التحق بالسلك العسكري، ثم بعد فترة من الزمن توجه إلى الكويت بعد ظهور الطفرة الاقتصادية هناك، فعمل في الجيش الكويتي حتى وصل إلى رتبة رقيب، وواصل تعليمه حتى حصل على المتوسطة وقيل الثانوية، وقد تأثر شاعرنا بتلك البيئة المختلفة التي كانت تتفاعل في تلك الفترة في دولة الكويت، فزاد من ثقافته ومعرفته، وبعد سنوات من العمل كان الشوق للمرابئ يحدوه كل ما هب نسناس من الغربي، حتى لم يعد هناك مجال للصبر، فقرر شاعرنا العودة والرحيل إلى السعودية، ومن ثم التحق بأحد الأفواج لفترة قصيرة، ولكن النفس التي تعودت على الحرية والانطلاق أبت إلا أن تكون حرة، فتوجه الى طلب رزقه بنفسه، وتنقل جوالا بين عدد من الدول العربية، ولا تستغرب أن تجده في الإمارات، بائعا في أسواقها ومنشدا في قصر أميرها آنذاك.

وبقي بندر على هذه الحال كثيرا حتى أنهكته الطرق وشيبته المسافات، وتبادلته الأمراض، فأصبح مريضا، سقيما هرما وهو لم يتجاوز الأربعين من عمره، وفي رحلة من الرحلات، وبعد أن فرغ من مهمته، قرر زيارة أحد أصدقائه في ضواحي الدوادمي، وفي الطريق إليه وبعد أن تجاوز الدوادمي، أحس بألم فظيع ينهش صدره فأوقف سيارته في جانب الطريق عسى أن يخف الألم، وفعلا صمت الألم إلى الأبد، واسكت معه شاعرا من أعظم شعراء نجد. ومات بندر بن سرور- رحمه الله تعالى- عن عمر يناهز الأربعة والأربعين ربيعا (قيل) في عام 1405هـ، مات في غمرة نضجه، مات الجسد ولكن الروح لم تمت، لقد بقيت ترفرف في معانيه وأشعاره وأخباره، مات ذلك الشاعر المجدد لاغراض الشعر، حيث إنه غير ذلك الجمود الذي لا يخرج من جو القبيلة، فخرج بشعر ذاتي ينبع من النفس البشرية، فكان بندر عندما يتغنى بالشعر يحاول إرضاء الرغبة الشعرية الكامنة في روحه، في رومانسية عجيبه يقول بندر:

إن جيت أغني البيـت وافـي ومليـان

ولـولا معـانٍ بالغنـاء مـا شتقيلـه

وإن ضاق صدري شفي أمزح بالألحان

وإلا عـن الـزلات رجلـي ثقيـلـة

إنه يسمي القصيدة (أغنية) يغني ليمتع نفسه وليرضي الرغبة الشعرية الجامحة لديه وهي الوصف، فشاعرنا طرق أنواعا كثيرة منه في الغزل العفيف البعيد عن التبذل والانحلال والوصف والحكمة والنصيحة وغيرها:

والبنات البيض ضيحه ضدهنه

عود ريحانٍ بساتينـه مريفـه

يا عيون اللي سبوقـه خالفنـه

يفرد الخرب الموالف عن وليفه

خايفينه يـوم ساقـن يقلعنـه

ثقلوه وحـط بجناحـه كتيفـه

لقد أخفى شاعرنا «الغزل»... خلف صورة شعرية رائعة... (الوصف)

في بيان محبوبه الذي هو الصقر، إذ إن أحد كبار الشعراء في عصره- الأمير محمد السديري- عندما سمع الأبيات أقسم بأن بندر صقار ولد صقار، وذلك لبراعته في وصف الصقر.

وللسيارة نصيب كبير من وصفه، حيث إن بينه وبينها قصة عشق ووله:

راكب اللي مخ رجلينه خنازير وهوى

أشهبٍ في مقدمه بارقين وعكس تاج

متر في مترين كله مستبـرم سـوى

حايفه حطاب ما سمركة راع الكـراج

ومن حكمته:

أحدٍ ينام وحط راسـه بكمـه

وأحدٍ تخم النوم عينه وتخطيه

وأحدٍ يحاول بالردى بنت عمه

وأحدٍ يحاول ستر عذرا عوانيه

إنه شاعر تجري في دمه كل معاني النخوة والرجولة والحماسة، شاعر شرب الحكمة من كأس تجارب الأيام والسنين... وأريد أنا أن أكتب لكم إحدى قصائد بندر بن سرور الجميلة والتي تدل على شاعريته:

الله من عيـنٍ طرقهـا صواديـف

عميت ويبسن العـروق الصخافـي

شفت الوزا بالعين من عرض ماشيف

شفته وغيري من فطن له وشافـي

وقتٍ تغير فيه حتـى العواصيـف

جا في عواصيف الريـاح اختلافـي

شره قناطيـر وخيـره مقاطيـف

يفطن له اللي يرضـع الديدغافـي

كم واحدٍ جاله زمانه علـى الكيـف

واغترته نفسه يبـا الجـود وافـي

يطلع مطاليـع العيـا بالسواليـف

بين العذارا عـد روحـه اسنافـي

يفرح بهرجٍ بالقفا ويكره الضيـف

قتـات والقتـات بالنـار هـافـي

يعلق قصيره علقة النـار بالليـف

عيٍ ولـد عـيٍ زنـوده اضعافـي

ان رخصت الحذوه توقي عن الحيف

وان غليت الحذوه مشى اللاش حافي

يرقـد ويلحـق والدينـه تخاليـف

دايم ومرقـد ميـت النـار دافـي

هو مادرى ان الجود يبغى تكاليـف

سهـر الليالـي مقبـلاتٍ مقـافـي

يبغـى ايديـنٍ للعطايـا مغاريـف

ويبغى ارجـولٍ ماتمـل الوقافـي

والصبر بنحور السنين الشواحيـف

اللي قساهـن مثـل حـد الرهافـي

ما يقدرون الجود سـود الاطاريـف

امشاركة بيض النسـاء باللحافـي

يقدر عليها اللي حكم نجد بالسيـف

واودع قبايـل مع قبايل اولافــي

عبدالعزيز اللي يبـث المصاريـف

يجـدع قناطيـر الذهـب بالفيافـي

back to top