خالد يوسف التلميذ على خطى الأستاذ في دكان شحاته
من يعرف المخرج خالد يوسف جيداً، يدرك أن يوسف شاهين، بالنسبة إليه، ليس مجرد أستاذ تعلّم منه أصول الإخراج وإدارة الممثلين وتقديم الوجوه الجديدة وغيرها من تفاصيل العمل الفني،
لكن تربط علاقة حياة بين رجل اختار أن يكون تلميذاً ومساعداً أول ومشاركاً لمبدع مجنون بالسينما، وبين هذا المبدع بالذات الذي لم يرزق بالذرية الصالحة، فاختار أحد تلاميذه ليكون امتداداً له.لماذا هذه المقدمة ونحن نتحدث عن فيلم خالد يوسف الجديد «دكان شحاته». ثمة أسباب كثيرة تدفع إلى المقارنة بين شاهين وخالد:الكتمان على ما يحصل داخل الدكان تماماً كما كان شاهين يقيم سياجاً من السرية على أحداث أي فيلم يتولى إخراجه، وعندما كان يُسأل أي ممثل مشارك في فيلم لشاهين، مهما بلغت درجة نجوميته، عن سبب إعراضه عن إعطاء تفاصيل عن دوره كان يجيب: «هذه أوامر الأستاذ». كذلك عندما سأل الصحافيون بطلي {دكان شحاته» عمرو سعد و عمرو عبد الجليل عن دوريهما، رفضا الإجابة بحجة أن «الأستاذ» خالد يوسف، يحرص على عدم إعطاء أي تفاصيل.وجوه جديدةيشبه اختيار خالد يوسف النجمة اللبنانية هيفاء وهبي، في أول خطوة له بعد غياب استاذه وملهمه، اختيار يوسف شاهين لهند رستم صاحبة الأنوثة الطاغية في خمسينيات القرن الماضي وستينياته في فيلمه «باب الحديد}.استعان خالد يوسف بعمرو سعد، وجه جديد أراد «أن يخبزه ويعجنه على طريقته» على غرار استعانة يوسف شاهين لمحسن محي الدين، الذي غادره في منتصف الطريق تاركاً له أمنية واحدة أن يمشي في جنازته، وهو ما لم يفعله محسن الذي سلك طريق الإلتزام الديني والإبتعاد عن الأضواء.قد يتحوّل عمرو عبد الجليل، على يد خالد مثلما تحول الممثل سيف عبد الرحمن على يد يوسف شاهين، أي ممثل لا يتم الإستعانة به سوى في أفلام خالد يوسف. يذكر أن عمرو عبد الجليل صاحب موهبة لم يُعد اكتشافها الا عن طريق خالد يوسف نفسه في فيلم «حين ميسرة} في الوقت الذي فشل فيه «الاستاذ» في جعله نجماً يخلف محسن محي الدين.خدمة القضايا الشائكةينتج « دكان شحاته» كيان إنتاجي وليد ينافس الكيانات الموجودة حالياً على الساحة السينمائية، هو عبارة عن تحالف بين الميلياردير المصري العالمي نجيب ساويرس مع شركة «الباتروس» وصاحبها كامل أبو علي، أخذ على عاتقه خوض غمار إنتاج أفلام لخالد يوسف، تتصدى للكثير من القضايا الشائكة. وكان ساويرس فشل سابقاً في تحقيق حلمه بأن يكون راعياً رسمياً لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، كذلك في إحراز أي نجاح يذكر في ميدان الإنتاج الموسيقي عن طريق شركته «فايم»، وفي شراكته مع جمال مروان، مالك شركة «ميلودي القابضة»، من خلال شركة «ميلودي فايم» للانتاج الموسيقي. هكذا أصبح لخالد يوسف شركة تنتج له أعماله من دون أن تتدخل في تفاصيل العمل، أو تفرض عليه شروطاً مسبقة، على غرار شركة «مصر العالمية»، التي يملكها غابي خوري إبن شقيقة يوسف شاهين وشقيقته ماريان.نصير الفقراءفي فيلمه «خيانة مشروعة» استضاف خالد يوسف الصحافي ابراهيم عيسى (فاز أخيراً بجائزة جبران تويني لحرية الصحافة) رئيس تحرير جريدة الدستور المصرية، على غرار يوسف شاهين الذي سبق أن استضاف الصحافي محمود سعد في فيلم «اسكندرية نيويورك».في «دكان شحاته « يستمر خالد يوسف في التعاون مع المؤلف ناصر عبد الرحمن، بعد تعاونهما في «هي فوضى؟» و{حين ميسرة»، ويبدو ناصر عبد الرحمن الكاتب الخاص لخالد يوسف ومترجماً لأفكاره المناهضة لكل ما هو سائد، تماماً مثل شاهين الذي كان يقف باستمرار على يسار الحاكم. رداً على تساؤل، في دردشة مع «الجريدة» مفاده أن مجرد انتقاده للظواهر الإجتماعية هو بحد ذاته من أفعال الديمقراطية، أجاب خالد: «نعيش ديمقراطية النباح»، يحمل هذا الجواب في طياته مدى تأثر خالد بأستاذه الذي كان ينتقد الأنظمة عموماً والأنظمة العربية خصوصاً، بطريقة لاذعة، وكانت تلك الأنظمة تغفر له لسانه السليط.كان يوسف شاهين نصير البسطاء والفقراء، وهو النهج الذي اتبعه تلميذه خالد يوسف عبر كشف عورات المجتمع العشوائي في فيلمه «حين ميسرة» فشكّل منعطفاً في السينما العربية، وظهر بعده ما يسمى بسينما العشوائيات وأطفال الشوارع من خلال سلسلة من الأفلام والمسلسلات التي تطرقت الى هذه القضية، لكنها لم تبلغ مستوى «حين ميسرة} وجرأته. في «دكان شحاته»، تستمر رحلة خالد يوسف في نصرة البسطاء وأصحاب الأحلام الضائعة. يقصد شحاته «أم الدنيا» طامعاً بالأمان العاطفي والكسب المادي، على غرار كل الناس، إلا أنه يفاجأ بأن «أم الدنيا» لم تكن يوماً تلك الأم الرؤوف أو الحنون، ويصطدم بهذا الواقع المؤلم.تم تصوير «دكان شحاته» في شوارع القاهرة وأزقتها، لا سيما «حي الحسين» الذي جمعت المشاهد فيه بين هيفاء وهبي والممثل عمرو سعد، وأخذت في معظمها في الفترة بين منتصف الليل وساعات الصباح الأولى وغادرت هيفاء المكان فور الإنتهاء من التصوير، فتجنب خالد يوسف بهذا التوقيت تجمهر الناس لرؤية النجمة اللبنانية، ما سهل التصوير. يؤكد خالد يوسف «أننا سنرى هيفاء مختلفة في الفيلم وأننا أمام ممثلة سيحكم الجمهور على أدائها». ليس خالد يوسف من النوع الذي يدافع عن خياراته بقدر ما يحسن اختيار من سيتعاون معهم، وقد يكون الممثل القدير محمود حميدة أحد مفاجأت الفيلم. حميدة الذي اختار تصوير مشاهده منفرداً قبل حلول شهر رمضان الماضي، كان له ما أراد، في خطوة تفسر نفسها بنفسها، فهو الممثل القدير الذي يعتبر أن بقية المشتركين في العمل ما زالوا في بداية الطريق، وهذا حقه لأنه عاشق للسينما ولم يخنها، مثل غيره من النجوم، على الرغم من كل المغريات المادية، ومعروف في الوسط الفني باعتداده بنفسه، وله الحق في ذلك. محمود حميدة ممثل وناقد ومشعل بمشاكل الأمة، فكان من الطبيعي أن يستجيب خالد يوسف لرغبته، وحسناً فعل ليزيد من قيمة الفيلم ورسالته.انتهى تصوير «دكان شحاته} وظهر الافيش على النحو التالي: «دكان شحاته فيلم لخالد يوسف»، على وزن «الآخر فيلم ليوسف شاهين». هكذا تستمر رحلة التلميذ الذي يشكل امتداداً فكرياً لاستاذه، ولكن يبقى في النهاية لخالد طريقته الخاصة في التعبير خصوصاً أنه يبدو أكثر قرباً من شباك التذاكر من استاذه، إذ يدرك كيفية مغازلته ليحقق المعادلة الصعبة بين الجودة والإيرادات، التي تشكل معضلة حقيقية يعاني منها مخرجو الجيل الحالي في السينما المصرية .