لماذا تعزّز روسيا قواتها المسلّحة... وهل يجب أن يقلق الغرب؟

نشر في 25-03-2009 | 00:00
آخر تحديث 25-03-2009 | 00:00

• لمَ نطرح هذا السؤال راهناً؟

خاطب الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، الحضور في اجتماع مشترك لكبار الضباط والمسؤولين العسكريين في البلد أخيراً. فحدد خططاً شاملة هدفها تحديث القوات المسلحة وتطويرها. كانت هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها ميدفيديف خلال تجمّع مماثل بصفته الرئيس. لذلك اعتُبرت هذه مناسبة يحدد فيها موقفه كقائد أعلى للقوات بعد سنة من انتخابه.

• هل أعلن ميدفيديف أن روسيا عادت إلى التسلّح؟

نعم ولا. تشير تقارير كثيرة خارج روسيا إلى أنه ألمح بسباق تسلح جديد عندما شدّد على نية روسيا تحسين قدرتها النووية. فقد ذكر أن قدرة روسيا على إطلاق صاروخ نووي بعيد المدى تبقى أساسية بالنسبة إلى الدفاع الروسي. إلا أن محوره الرئيس ما كان إعادة التسلح، سواء بأسلحة نووية أو تقليدية، بل حاجة روسيا الملحة إلى تحديث قواتها المسلحة بمختلف أوجهها، من البنى والمعدات إلى أجور الجنود وأوضاعهم.

• إذاً، هل بدا متساهلاً مع الغرب؟

لا يسعنا قول ذلك. فقد وجه انتقاداً مبطناً إلى حلف شمال الأطلسي، الذي «لم يوقف جهوده الرامية إلى وضع بعض من بنيته التحتية العسكرية قرب حدودنا»، على حد تعبيره. إلا أننا نتوقع كلاماً مماثلاً من زعيم وطني يخاطب مجموعة من المسؤولين العسكريين. ولا شك في أننا كنا لنستغرب الوضع لو لم يشر ضمناً إلى خطط الولايات المتحدة لإقامة منشآت مضادة للصواريخ في بلدين كانا سابقاً عضوين في حلف وارسو وانضما اليوم إلى حلف شمال الأطلسي. لكن ميدفيديف حرص على عدم ذكر الولايات المتحدة أو أي بلد آخر بالاسم. وترك استعراض قوة روسيا العسكرية لوزير الدفاع أناتولي سيرديوكوف، الذي اتهم الولايات المتحدة بأنها تحاول تأمين إمداداتها بالمواد الخام (مثل النفط والغاز) بنشر قواتها في آسيا الوسطى وغيرها من المناطق.

• هل تحتاج روسيا إلى الإصلاح العسكري، وكيف؟

باستثناء العلم والزي العسكري الجديدين، بقيت القوات الروسية المسلحة على حالها منذ عهد الاتحاد السوفياتي. فهي لا تزال تعتمد إلى حد كبير على التجنيد الإجباري. ولم تتخلَّ عن بنية القيادة السوفياتية التي تفتقر إلى المرونة والتوازن (كل ضابط مسؤول عن جنديين ونصف). أضف إلى ذلك الأجور المتدنية جداً وأماكن السكن المخصصة للجنود التي بالكاد تُعتبر متحضّرة. علاوة على ذلك، يعود تاريخ معظم المعدات الثقيلة إلى 20 سنة مضت. أساء انهيار الاتحاد السوفياتي كثيراً إلى مكانة القوات المسلحة الروسية. فقد اعتبر كثر في روسيا انسحابها (أولاً من أوروبا الشرقية والوسطى ثم دول البلطيق فمعظم جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق في آسيا الوسطى ووسط القوقاز) هزيمة. وعلى رغم أن ألمانيا ساعدت القوات الروسية بتقديمها المال لتأمين مقرات سكنية لكثير من الجنود العائدين من ألمانيا الشرقية إلى روسيا، بقي النقص كبيراً. بعد ذلك، وقعت حربا الشيشان، ولم تحقق فيهما القوات الروسية نصراً يُذكر.

• أي مشاكل أخرى يجب معالجتها؟

ثمة مشكلتان صعبتا الحل. الأولى هي الفساد. يتفشى الأخير في القوات المسلحة، خصوصاً الوحدات الأقل أهمية، منذ أواخر العهد السوفياتي. لكنه تفاقم خلال تسعينيات القرن العشرين. فحاول الجنود بيع كل ما وقعت عليه أيديهم، من ملابس عسكرية وبنادق رشاشة إلى دبابات وغيرها من معدات ثقيلة. وهدفت عمليات البيع إلى كسب المال تارة وإلى سد حاجات الجنود الأساسية طوراً. أما المشكلة الثانية فهي سوء المعاملة. تعود هذه المشكلة أيضاً إلى زمن بعيد. فقد ظهرت مجموعة «أمهات الجنود» في ثمانينات القرن العشرين وشنت حملات ضد الممارسات التدريبية العنيفة. واليوم، يموت أكثر من ألف جندي سنوياً نتيجة مجموعة من الأسباب غير العسكرية، تشمل الحوادث وسوء المعاملة.

• ماذا أُنجز حتى الوقت الراهن؟

أولاً، نشأت مشاكل لوجستية بسبب عدد الجنود العائدين الكبير. كذلك برزت أولويات أكثر إلحاحاً، مثل الحاجة إلى تأمين المنشآت النووية المتداعية (قدّم حلف شمال الأطلسي التمويل والخبراء اللازمين لسد هذه الحاجة). واضطرت روسيا أيضاً إلى الدفاع عن حدود جديدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، مع انتشار معظم منشآتها العسكرية في المواضع الخطأ. مثلاً، في عام 1992، كانت حدود روسيا الأكثر تحصيناً مع النرويج لأنها الحدود الوحيدة التي جمعتها بحلف شمال الأطلسي. لكن نقطة ضعفها الأبرز في حقبة ما بعد السوفياتية صارت حدودها الجنوبية. كذلك برزت مقاومة للإصلاح بين كبار المسؤولين العسكريين في مختلف أقسام الجيش لأنهم خافوا على مراكزهم وخبراتهم. وأظهر فقدان الغواصة كورسك في أغسطس (آب) عام 2000 مدى تشرذم الجيش الروسي وتمرّده.

• ما الذي يجعل الإصلاح حاجة ملحّة راهناً؟

يقدّم الجيش والسياسيون الروس مجموعة من الأسباب، لكنّ سبباً واحداً يكفي لتوضيح توقيت هذا الإصلاح وأهميته: تجربة الحرب القصيرة مع جورجيا في شهر أغسطس (آب) الماضي. صحيح أن روسيا «فازت» وتمكنت من تأمين الإقليمين المواليين لروسيا في جورجيا (أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية)، لكن الحملة كشفت نقاط ضعف محرجة في القدرة الروسية. فعلى غرار بريطانيا التي اضطرت إلى إعادة توجيه جيشها من المعارك الافتراضية بالدبابات للسيطرة على أوروبا الوسطى إلى حروب الصحراء والمليشيات في أفغانستان والعراق، وجدت روسيا نفسها تحارب قوات جورجيا المتطورة، التي تضاهي قوات حلف شمال الأطلسي، ببنى ومعدات تعود إلى زمن الحرب الباردة.

•ماذا تعلّمت روسيا من الحرب مع جورجيا؟

أدركت روسيا في المقام الأول أن قواتها متخلّفة وغير مرنة. كذلك خسرت خلال القتال 66 جندياً، بمن فيهم نائب قائد القوات في ساحة المعركة، وأربع طائرات حربية. لكن يذكر بعض التقارير أن المسؤولين صُدموا بقدرة جورجيا التقنية العالية، التي شملت معدات الرؤية ليلاً، ما جعل القوات الروسية عرضة لخطر أكبر في الظلام. كذلك أكل الحسد الجنود العاديين بسبب المنشآت التي ينعم بها الجنود الجورجيون، وعمدوا في مناسبة على الأقل إلى تدميرها تنفيساً عن غضبهم. فتركت التجربة القيادة العليا في روسيا مصعوقة ومستعدة للتغيير للمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.

• لم تُنفَّذ أي عمليات إصلاح منذ عام 1992؟

لم تحدث أي محاولات تُذكر. أعلن بوريس يلتسين في التسعينات وفلاديمير بوتين بين عامي 2000 و2008 أنهما يريدان أن تنعم روسيا بقوات مسلحة محترفة. لكن الخطط وضعت جانباً غالباً بسبب الكلفة وربما بسبب خطر مفاقمة مشكلة البطالة بين الشبان. نجح بوتين في خفض فترة الخدمة الإجبارية من سنتين إلى سنة في الجيش. كذلك أصدر قراراً ينص على أن المتطوعين وحدهم يمكنهم الخدمة في الشيشان. علاوة على ذلك، رُفعت الأجور، إلا أنها ظلت متدنية. وساهمت خطة في تحسين مقرات الجنود السكنية. لكن كما أوضح ميدفيديف الأسبوع الماضي، كان التقدم بطيئاً.

• هل من سبب ليقلق الغرب؟

الجيش الروسي بحاجة ماسة إلى الإصلاح لأن الأخير لا يجعله أفضل وأكثر مرونة فحسب، بل يزيد أيضاً انضباطه وتحمّله المسؤولية. فيتراجع بالتالي خطر المواد النووية غير المؤمَّنة والجنود المتمردين. وفي النهاية، لا تقرر قدرة روسيا العسكرية ما إذا كانت تشكل خطراً على الغرب، بل موقفها السياسي.

هل ينجح الرئيس ميدفيديف في تحديث الجيش الروسي؟

نعم

- يبدو مصمماً. فقد عمد عند تسلّمه الرئاسة إلى صرف رئيس الأركان.

- أظهرت تجربة الحرب مع جورجيا أن ما عاد بالإمكان إرجاء تحديث الجيش.

- إذا أرادت روسيا زيادة نفوذها الدولي، أو حتى الحفاظ عليه، تحتاج إلى قوة قتال حديثة.

لا

- يتطلب تحديث قوة قديمة الطراز تشمل أكثر من مليون رجل جيلاً على الأقل.

- يعني تراجع أسعار النفط والغاز أن روسيا ما عادت قادرة على تحمّل أعباء مشروع مكلف مماثل.

- يشكل الجيش إحدى آخر المؤسسات الروسية التي لم تشهد أي إصلاح، ويريد البعض إبقاء الوضع على ما هو عليه.

back to top