قلب العروبة المحتل

نشر في 25-03-2009
آخر تحديث 25-03-2009 | 00:00
 بلال خبيز يقترح غيورا إيلاند وهو رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق في مقالة نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت أن تعمد إسرائيل إلى تبني اقتراح من اثنين حيال مشكلة غزة: إما إعادة احتلال القطاع مع ما يترتب على مثل هذا الفعل من تبعات دولية وإقليمية وداخلية بالنسبة لإسرائيل، وإما الاعتراف بحكومة «حماس» والتعامل مع قطاع غزة كدولة قائمة بذاتها.

لا يخفى أن الاقتراح الأول يكاد يكون مستحيل التحقق، فإجازة إعادة احتلال القطاع عسكرياً تحتاج إلى موافقات دولية متعذرة تماماً، وإلى أسباب تدعو إليها بات توافرها في حكم المستحيل، مما يعني أن الاقتراح الفعلي الذي يقترحه إيلاند هو الاعتراف بـ«دولة غزة» وفك أي ارتباط معها وتركها لتدبير أحوالها على ما تشتهي وتريد.

من جهته يرى السيد خالد مشعل في الرسالة الأميركية الموجهة إلى إيران بمناسبة عيد النيروز أن تغيراً ملحوظاً يطرأ على السياسة الأميركية حيال المنطقة وأن الاتصال الدولي بـ«حماس» أصبح مسألة وقت.

لا سبب يدعو أيا كان للاعتراض على التقارب الأميركي–الإيراني، ولا سبب أيضاً للاعتراض على الإقرار الإسرائيلي بما يعتبره إيلاند عملاً بمقتضى الوقائع ليس أكثر، وحيث إن الإشارات التي تصدر من طهران تؤكد ألا أعداء أزليين لطهران، وأن كل الملفات قابلة للمناقشة، وأن بوادر حسن النية الأميركية، كما تراها طهران، تتمثل في رفع الحصار عن طهران والإفراج عن الأصول المالية المجمدة. فيما قد تقابل طهران هذه البادرة الإيجابية بالعمل على تثبيت الاستقرار في أفغانستان، كخطوة أولى، تليها خطوات أخرى لم يتضح مداها بعد. فإن الوقائع أو الإشارات التي تستبق الوقائع وتؤشر عليها تفيد أن المنطقة مقبلة على تغييرات كبيرة تنحو نحو تثبيت الأمر الواقع في كل مكان، وترك كل شيء على حاله الراهنة بوصفه من المعطيات النظامية التي يمكن لها أن تستمر طويلاً ومديداً في المنطقة.

على أساس المعطيات التي تفرزها الخريطة الأمنية والسياسية الراهنة في المنطقة يمكن القول إن الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية أخذت بالجملة ما كانت إدارة بوش تريد أخذه بالمفرق، وإن المقاومة والممانعة التي جوبهت بها أميركا لم تكن طوال هذه الفترة الدامية من عمر المنطقة، إلا طلباً ملحاحاً من الممانعين والمقاومين أن يتم اعتمادهم وكلاء أميركيين يدورون في الفلك الأميركي، وبذلك ختم أوباما مرحلة الصراع في المنطقة على تثبيت موازين قوى إقليمية لكنها قطعاً لا تمس ولن تمس أو تعدل في موازين القوى العالمية. كما لو أن الولايات المتحدة الأميركية أقرت بزيادة عدد وكلائها في المنطقة المولجين لتسويق سياساتها أو فرضها على نحو تظهر كما لو أن لا يد لها فيه.

وإذا ما حصل ما يتمناه خالد مشعل والملا محمد عمر والسيد حسن نصرالله فإن ذلك يعني من دون لبس ولا تدليس نهاية عهد المنازعات والمناوشات المسلحة في المنطقة والقبول بالحدود الجديدة والمستجدة، واعتبار الوقائع الحالية الشاذة في فلسطين ولبنان وأفغانستان بمنزلة نظام ثابت لا يمكن تغيير مادة من مواده أو حال من أحواله إلا عبر نبش متجدد لأحشاء المنطقة برمتها، وفتح لأبواب صراعات أخرى أكثر دموية وأقل أملاً.

هكذا تختم المقاومات انتصاراتها بتثبيت ما يمكن اعتباره تراجعاً عما كانت الأحوال عليه قبل انطلاقاتها. دولتان مغلقتان في أراضي 1967 وليس ثمة بينهما غير ما صنع الحداد، ودولة فوق الدولة في لبنان، وتشريع نظام في أفغانستان يكاد يكون أكثر سوءاً مما كانت عليه الحال إبان حكم طالبان الصريح. في المقابل، لم تتهاوَ مملكة إسرائيل التي وصفها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بأنها أوهى من بيت العنكبوت، ولم تنسحب الجيوش الأميركية من المنطقة، ولم تتضرر مصالحهما.

أليس من حق الفلسطيني أو العراقي أو اللبناني أن يسأل مقاوماته اليوم لماذا بذلنا كل هذا الدم؟ وكم كان ثمن الأعمار التي أهدرت والأرزاق التي استبيحت زهيداً، ما دامت هذه المقاومات كانت تبتغي فقط اعترافاً أميركياً بحقها في الحكم؟

هنيئاً لأهل المقاومات بتيجانهم. لبنان بعد النصر بات محتلاً من ثلاث جهات على الأقل، واحدة منها إسرائيل، وفلسطين أصبحت محتلة من ثلاث جهات أخرى، وطبعاًً إسرائيل واحدة منها، والأرجح أن سورية الكبيرة والقوية وذات القلب الكبير، على حد وصف وزير الخارجية السوري وليد المعلم، أصبحت هي أيضاً محتلة من ثلاث جهات وليس بين المحتلين عربي واحد، هناك في دمشق حيث ينبض قلب العروبة منذ فجرها.

* كاتب لبناني

back to top