اللوبي الإيراني مرة أخرى!

نشر في 15-10-2008
آخر تحديث 15-10-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي لم أكن أتصور أنني سأتفق يوما مع مايطرحه الشيخ يوسف القرضاوي ولا يمكن له أن يتصور أن يتفق معي أيضا، ولكنه أيّد في أحاديثه الصحافية أخيرا، ما قلته في مقال سابق نشر هنا في «الجريدة» عن اللوبي الإيراني في مصر وفي بقية البلدان العربية. وما إن نطق الشيخ بخطورة إيران على العالم العربي، حتى قام اللوبي الإيراني في مصر وما وراءها بحملة ضد الشيخ. الغريب أن من انتقدوا الشيخ كانوا من الإسلاميين الذين شاركوه في السابق عداءه للغرب. وهنا انقسم الجمعان، وهذا دليل واضح على أن قضية هؤلاء ليست إسلاماً، لا سنياً ولا شيعياً، ولكنها السياسة. فلو كانت القصة إسلاما أو مذهبية، لانتفض السنة لمناصرة السنة، لكن ما نراه اليوم هو انتفاضة السنة لمناصرة إيران الشيعية. إذن الولاء السياسي لا الولاء المذهبي هو المحرك هنا. وأن أموال إيران، لا الغيرة على الدين، هي التي تحرك الجموع الآن.

كما ذكرت سابقا لدينا في المنطقة مشروعان: مشروع أميركي يريد إعادة رسم خريطة المنطقة العربية من الخارج، ومشروع إيراني يهدف إلى تقويض العالم العربي من الداخل. إذا كانت أميركا تستخدم الغزو كوسيلة للتقسيم، فوسيلة إيران هي تقوية حركات أصولية داخل الدول كي تبتلعها وتقوضها من الداخل، حركات سياسية لها جيوش وإعلام وقنوات تلفزيونية.

واضح كالشمس اليوم أن العالم العربي يقع بين مطرقة الفرس وسندان الأميركيين، العالم العربي اليوم مفعول به في مشروعين أحدهما أميركي والثاني فارسي. ورغم أن كثيرا من العرب مغرمون بتحليل المشروع الأميركي الهادف إلى تقسيم العرب من الخارج، فإن كثيرا منهم يخجلون من الحديث المباشر عن المشروع الفارسي الهادف إلى تقويض العالم العربي من الداخل. لدينا اليوم كتاب ورجال إعلام يروجون للمشروع الإيراني علانية وبفجور صارخ تحت شعار التصدي للهجمة الأميركية على المنطقة. هؤلاء هم الرجال أنفسهم الذين هجموا على الشيخ القرضاوي، ومعظمهم من المصريين. مصر اليوم هي معقل اللوبي الإيراني في المنطقة، وفيها من رجال إيران من هو قادر على أن يخيف وبيتز كل من ينطق بكلمة ضد المشروع الإيراني.

لا نستطيع أن ننطق حرفا واحدا ضد احتلال إيران لجزر العرب في دولة الإمارات، إذ تحتل إيران جزر أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى، كما أن لإيران نفوذا غير مباشر في كل المنطقة التي أسماها ملك الأردن بالهلال الشيعي، الغريب أن اللوبي الإيراني في الإعلام العربي أخرس أي صوت يتحدث عن الاحتلال الإيراني.

أساس السيطرة الإيرانية في المنطقة هو استراتيجية إيرانية ثلاثية الأبعاد. البعد الأول، يتمثل في تحالف إيران مع دول عربية، والبعد الثاني، سيطرتها ودعمها لحركات تملك الشارع في بعض الدول العربية، أما البعد الثالث، فهو يتمثل في وجود لوبي إيراني قوي في الإعلام العربي من مالكي الصحف والصحافيين والكتاب والمعلقين ممن يتصدرون صفحات الرأي في أهم الصحف العربية، وكذلك مقدمي ومعدي البرامج في كثير من التلفزة والراديو العربي. إيران اشترت العشرات من الصحف والصحافيين، ومصر هي مركز التشيع الصحافي اليوم، وهذا ما قاله الشيخ القرضاوي.

إيران اليوم تسيطر على أهم حركتين مسلحتين في العالم العربي هما «حماس» في فلسطين و«حزب الله» في لبنان. حركة «حزب الله» اكتسبت شرعية وشعبية بعد خروج الإسرائيليين من لبنان، وصفق لها الجميع، وادعى بعضهم أن الشيعة في لبنان هم الوحيدون الذين طردوا إسرائيل من أراضيهم، أما أراضي السنة فمازالت ترزح تحت الاحتلال مما جعل العرب يصدقون بأن إيران هي المخلص للعرب من براثن الاحتلال. انظر ماذا يحدث اليوم؛ يوجه سلاح إيران ضد السنة في لبنان، وفي مصر من يروجون لذلك، لأن فلوس الثورة الإسلامية قد أعمت القلوب. الشيء نفسه يحدث في فلسطين حيث يصفق العرب لـ«حماس» وينتقدون محمود عباس وحركة «فتح».

مفهوم أن تسيطر إيران على «حزب الله» الشيعي في لبنان، ولكن غير المفهوم هو سيطرة إيران على جماعة اصولية سنية في فلسطين. ولكن الأخطر اليوم هو تغلغل إيران أيضا في الإسلاميين الحركيين كلهم الذين يسيطرون على الشارع في كثير من الدول العربية، جماعات تدعى لزيارة طهران وأحيانا تمول من طهران. لإيران اليوم علاقات خاصة بفروع جماعة الإخوان المسلمين كلهم، في مصر، وفي الأردن، وفي دول الخليج. البعد الأخطر للهيمنة الإيرانية في المنطقة، هو سيطرة اللوبي الإيراني على الإعلام العربي وتخويف كل من ينتقد إيران وربما تكفيره.

الناظر إلى اللوبي الإيراني في القاهرة مثلاً يرى عجباً، فهناك مئات الكتاب الذين يروجون لإيران في أهم الصحف المصرية، وهناك أيضاً صحف بأكملها تُجيَّر لحساب دول من بينها إيران، وهناك كتاب وصحافيون يُدعون إلى طهران بشكل أسبوعي. الكتاب أنفسهم هم مالكو الشاليهات الفخمة والفيلات الراقية على شواطئ البحر الأبيض والبحر الأحمر، وهم ذاتهم الذين هاجموا الشيخ القرضاوي لأنه تجرأ على انتقاد التشيع الإيراني المسيس. فمن منا يجرؤ على انتقاد إيران في ظل هيمنة اللوبي الإيراني على الإعلام العربي؟

* مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية IISS

back to top