مطلوب موقف مسؤول لمواجهة أزمة مواقف السيارات سوء التخطيط العمراني والتراخيص الوهمية وفساد البلدية أسباب المشكلة

نشر في 14-07-2008 | 00:00
آخر تحديث 14-07-2008 | 00:00
يوماً بعد يوم، وبنايةً بعد بناية، وسيارةً بعد سيارة، تزداد أزمة مواقف السيارات في البلاد، ومعظم المباني الاستثمارية الحديثة، والمدارس والجامعات والمستشفيات والمستوصفات والمطاعم والبنوك تعاني نقصاً في المواقف، نظراً إلى غياب التخطيط السليم وانعدام الرؤى المستقبلية لدى المسؤولين ذوي الصلة بهذه المشكلة، والتقاعس عن حلها كجزء من الفساد المستشرى بصورة خطيرة في جميع مرافق الدولة ومفاصلها.

أزمة المواقف خلقت مشكلات بين المواطنين، وتركت مشاهد غير حضارية في الأماكن العامة، كالوقوف على الأرصفة وأمام المحلات، فضلاً عن الحوادث والمخالفات المرورية، وفي بعض المناطق تبدو مناظر تجمعات السيارات مخيفة، بسبب الفوضي الكبيرة، لاسيما في أماكن التجمعات السكانية الكثيفة، كمنطقتي السالمية وحولي، وفي منطقة العاصمة، حيث يرتادها المراجعون لبعض الوزارات والمؤسسات الحكومية.

مسؤول في وزارة الدولة لشؤون البلدية تذرع بأن جهاز البلدية هو جهاز تنفيذي فقط، ينفذ نصوص القانون وما يصدره المجلس البلدي من لوائح ونظم وإجراءات، وبأن هناك معايير ثابتة حددتها النظم العالمية متبعة في تقدير المساحات الخاصة بكل سيارة، لأن لكل سيارة قياساتها التي تختلف عن غيرها، لافتاً إلى أن أي نظم أو معايير توضع، فإنها تكون مبنية على الدراسات العامة التي تصب في مصلحة المواطنين أولاً.

وأوضح المسؤول، الذي لا يحبذ ذكر اسمه، أن متوسط عدد الأسرة الكويتية 8 أفراد، والحد الأدنى الذي حددته البلدية لحركة السيارة 60 مترا مربعا، لكن يمكن تقليل حجم هذه المساحات، مشيرا الى أن البلدية ألزمت أصحاب السكن الاستثماري توفير هذه المواقف طبقاً للقياسات التي يحددها المهندس المعماري، لكي تحفظ للمواطنين والمقيمين حق الدخول والخروج في أي وقت، والهيكل التنظيمي للبلدية يحتوي على قطاع كامل متكامل، يتبع وزير الدولة لشؤون البلدية، مهمته الرقابة والتفتيش، ملحقة به إدارة كاملة تسمى إدارة خدمة المواطنين، مهمتها استقبال الشكاوى المقدمة من المواطنين ومتابعتها ووضع كل الحلول لها، لكن المواطنين المتضررين لا يشتكون، وعليهم التوجه إلى أفرع البلدية التي يتبعونها، وهي موجودة في كل محافظة من محافظات الكويت، وذلك لتقديم شكاواهم.

الاختناقات المرورية

وأضاف: «لدينا بعض الاقتراحات والمشاريع المستقبلية، التي بدورها ستعمل على تخفيف حدة الاختناقات المرورية وحل أزمة المواقف، وتسهيل دخول وخروج السيارات في انسيابية من دون معاناة، منها على سبيل المثال لا الحصر مراجعة نظم السير في الشوارع، واستخدام الاتجاه الواحد لتخفيف حدة الزحام، وأيضاً استغلال بعض المساحات الفضاء وتحويلها إلى مواقف للسيارات، بعد التأكد من عدم تأثيرها على الخدمات الوجودة في المنطقة».

واعتبر أنه «يجب تغيير اختصاصات بعض الأراضي بعد موافقة مالكيها من المستثمرين، والزامهم عند بناء عقاراتهم أن تضم مواقف للسيارات، تكون متعددة الأدوار، إضافة إلى بعض الامتيازات الاخرى، والتي تتضمن حصول أصحاب العقارات على مردود مالي بشكل مباشر ومستمر، يساعدهم على تسديد قروض البنوك التي حصلوا عليها لإتمام عملية البناء، كإنشاء بعض الفلل المتلاصقة على أسطح المباني، لافتاً إلى أن ذلك يتطلب عمل صيانة دورية وبصفة مستمرة، لضمان الجودة وتلافي الأعطال».

وقال: إن «إدارة الطرق والمباني هي المسؤولة عن إعطاء التراخيص لمواقف السيارات بواسطة قسم الطرق، المختص بوضع المعايير والموازين لكل موقف ولكل مخطط بعد الدراسة الكافية، وتحديد عدد السيارات التي تضمها كل بناية، وعلى أساسها يحدد عدد الشقق التي تضمها البناية وفقاً للشروط العامة، مع توزيع الاختصاصات ووضع معايير معينة، لبيان مدى إمكان استخدام هذه الارض كموقف للسيارات، والموافقة أو الرفض تتم بناء علىها، بعد رفع تقرير بها إلى الجهات المختصة»، مشيرا الى أنه في ظل وجود النظام الالكتروني الجديد «تراجعت إمكانية إصدار تراخيص وهمية».

المستوى المعيشي

رئيس اللجنة الفنية في المجلس البلدي المهندس عادل الخرافي أكد أن «الاختناقات المروية من أكثر المشكلات التي تعانيها الكويت هذه الايام، بسبب صعوبة حركة المركبات في الشوارع، والتي ترتبت عليها أزمة المواقف» معتبرا أن «الاختناقات المرورية وأزمة المواقف بمنزلة وجهين لعملة واحدة» وأوضح أن «المستوى المعيشي في الكويت يؤهل المواطنين لاقتناء أكثر من سيارة، فكان من واجبنا كمجلس بلدي، إلزام المستثمرين توفير مواقف للسيارات، ما يعود بالنفع عليهم ايضاً، لان توفير المواقف عنصر أساسي من عناصر دعم الاستثمار».

وبيَّن الخرافي أنه إذا أردنا مستقبلا أفضل فعلينا وضع مشكلة المواقف نصب أعيننا، ووضع الحلول المناسبة لها، باعتبارها أمراً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه، وأهميتها لا تقل عن أهمية كفاءة العقار نفسه.

واعتبر الخرافي أن «وجود بعض التراخيص الوهمية التي يستخرجها بعض أصحاب المشاريع الاستثمارية أمر واقع» مرجعا ذلك إلى ضعف الرقابة من قبل جهاز البلدية، وعدم التزام أصحاب المشاريع، وقال: «لا نستطيع التكهن بنسبتها إن كانت كبيرة أو صغيرة، التلاعبات موجودة في كل الانشطة والانظمة داخل جهاز البلدية، وهذه جريمة واضحة، ونحن لا نريد دغدغة مشاعر المواطنين أو كسب الرأي العام بهذه الاعترافات، لكن قناعاتنا بوجودها أمر واقع، وبأساليب مختلفة يتفنن فيها عقول المخالفين لكي يصلوا إلى مرادهم، ونحن في المجلس البلدي نعمل بكل قوانا لتنفيذ القوانين واللوائح الصادرة من المجلس البلدي، تلافياً لحدوث مثل هذه الحالات، أما الرقابة والتدقيق فهي من مهام وزير البلدية، والجهاز التنفيذي بداخل البلدية».

مشروع المواقف الذكية

وأشار الخرافي الى وجود صعوبة في تطبيق القانون رقم 5 لـسنة 2005 الذي حدد المخالفات والعقوبات لكل من يتعدي على سنتيمتر أو متر مربع من أملاك الدولة، نظراً إلى المبالغة في قيمة المخالفة وضعف الرقابة من جهاز البلدية، لافتا الى أن العضو السابق والوزير الحالي د. فاضل صفر والعضوة المهندسة فاطمة الصباح، قدما كثيراً من الأفكار والمشاريع لبناء المواقف، من بينها مشروع المواقف الذكية، والذي يعد من أفضل تصاميم المواقف المعمول بها في جميع البلدان المتقدمة والمتطورة، ويعمل على تسهيل حركة دخول المركبات وخروجها.

وأوضح أن 60 مترا مربعا، وهي المساحة التي أقرها القانون المذكور، كافية لسكن شخصين (وهي الاستوديو)، واستطرد بأن التعديات التي تحدث من بعض المواطنين على أملاك الدولة هي نتيجة لحاجاتهم إلى مكان لصف سياراتهم، لافتاً إلى أن إدارة الطرق والمباني تشارك في المسؤولية، ولكن النصيب الأكبر تتحمله البلدية، لاسيما في موضوع المواقف، وذكر أن عدم الالتزام ظاهر في عدم القدرة على اقامة المواقف حتى في العقارات الصغيرة، خصوصاً الـ 500 متر الاستثمارية التي لا يمكن تنفيذها على أرض الواقع.

مشاريع وخطط مستقبلية

عضو المجلس البلدي يوسف الصويلح أكد أن المجلس البلدي «يعمل جاهداً على توفير وإنشاء مواقف خاصة للسيارات متعددة الأدوار،عن طريق استغلال أراضي الدولة الفضاء بصورة مثالية». وشدد على أهمية أن يدقق جهاز البلدية ويراجع كل التصاريح التي يمنحها، ولا تصدر أي تصاريح إلا بعد المعاينة والتأكد من صحة العقار، لتفادي إصدار أي تصاريح وهمية، وتلافياً للتلاعبات التي تحدث في بعض الأحيان وكشف المخالفين.

وأوضح الصويلح أن هناك «نسبة وتناسبا بين مساحة العقار ومساحة مواقف السيارات» وأوضح في السياق ذاته أن هناك «مخططات ومشاريع مستقبلية يدرسها المجلس البلدي في طريقها لأن تقر، وسيساعد وجودها على حل مشكلة الزحام ويحد من الاختناقات المرورية التي تعانيها البلاد هذه الايام، كإنشاء مترو الانفاق وخطوط سكك حديدية».

سوء التخطيط

المقيم سليمان السيد (40 عاما)، يعمل معماريا في إحدى شركات البناء، أكد أن «المواقف مهمة لكل بناية، ولا نستطيع الاستغناء عنها، سواء كانت بناية سكنية أو تجارية أو صناعية، من مدارس وبنوك ومستشفيات وورش السيارات» مشيراً إلى أن هذه المباني تحديداً يتردد عليها كثير من المواطنين والمقيمين، وهي بحاجة إلى مواقف تواكب عدد السيارات التي تزورها بصفة يومية، وعلى مدار الساعة.

وأضاف السيد أنه «لابد من إعادة النظر في المخططات التجارية الجديدة من قبل البلدية، ومحاولة معالجتها بزيادة مساحتها بنسبة تتراوح بين 50 و100 متر مربع أمام كل بناية، وتخصيص هذه المساحة للمواقف فقط، كما هو الحال في كثير من الدول المتقدمة»، معتبرا أن الاختناقات المرورية التي تعانيها البلاد في كثير من المناطق هذه الايام «ليس سببها سوء التنظيم المروري بل سوء التخطيط العمراني، فالكويت في حاجة إلى مساحات أوسع من مواقف السيارات، ومحاسبة كل من يملك بناية تحتوي على أكثر من أربع شقق على الأقل، ولم يوفر المواقف المناسبة الخاصة بها».

الوقوف الخطأ

المواطن صالح خليل (37 عاما) من سكان محافظة حولي، قال: إن «الوقوف الخطأ يثير غضب الآخرين دائما، لكن ماذا يمكنك أن تفعل إن لم تجد موقفاً أمام هذا المجمع أو المطعم أو البنك، وأحياناً حتى أمام منزلك، فالجميع هنا لا يعطي المواقف اهتماماً، ولهذا تبدو أزمة المواقف قائمة في كل مكان» وأوضح صالح أن «المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة بصورة خاصة تجد المصلين أمامها يغلقون الشوارع أحيانا، وآخرون يقفون على الرصيف أو أمام المنازل المجاورة للمسجد، مسببين لنا المضايقات، ونحن نعطيهم العذر لأن كل هذا ناتج عن قلة المواقف، ولو كانت البلدية تراقب وتلزم كل صاحب مجمع أو متجر أو غيره من المباني الاستثمارية الكبيرة بتوفير موقف خاص، لما كانت هناك مشكلة من الاساس».

أضاف خليل أن كثيراً من المخططات التجارية وغير التجارية تحتاج إلى اعادة النظر فيها من جديد، لعدم احتوائها على مواقف للسيارات، وهناك أيضا بعض البنايات المكونة من 15 شقة، وربما أكثر أحيانا، لا توجد بها مواقف سيارات، مما يجبر ساكنيها على الوقوف أمام المنازل المجاورة، مسببين لهم ازعاجاً ومضايقات. ولاحظ انه رغم الاختناقات والمخالفات المرورية والمشاكل الناتجة عن مضايقات الآخرين بسبب قلة المواقف فإن شيئا لم يتغير، فمنذ زمن بعيد والبلد ينشئ المجمعات والمؤسسات والمدارس والمساجد والبيوت والبنوك دون أن تعطي المواقف أي اهتمام يذكر، بعكس الدول المتقدمة التي تعطي المواقف جل اهتمامها، وتترك أمام المنازل مجالاً فسيحاً يسمح بوقوف نحو عشر سيارات على التوالي دون مضايقة، لكن الوضع يختلف في بلادنا، وتبقى البلدية على وضعها... ويبقى وضعنا ايضاً على حاله.

تعطيل مصالح الموطنين

المقيمة سها فضالي تعمل مديرة علاقات عامة في إحدى الشركات، قالت: إن «عدم توافر المواقف صار يلقي بآثاره السلبية على حياة المواطنين والمقيمين، وأصبحت الكويت، تعاني الاختناقات المرورية وأزمة الوقوف، والناس يجدون صعوبة في إيقاف سياراتهم، مما جعل الكثيرين يخرجون قبل مواعيدهم بساعة تقريباً لضمان وجود مكان يوقفون فيه سياراتهم.

وأضافت فضالي: «لم نكن نواجه هذه الازمة والاختناقات المرورية في السابق، وهذا طبعاً بسبب الزيادة السكانية من مواطنين ومقيمين، والتي صاحبتها زيادة في عدد السيارات، مع عدم وجود مواقف خاصة للسيارات، مما يؤثر كثيرا في مصالح المواطنين ويعطلها، ومن خلال عملي كمديرة للعلاقات العامة، صادفت كثيراً من العملاء، من مختلف الجنسيات يتأخرون في المجيء إلينا بسبب عدم وجود موقف قريب من شركتنا أو لامتلاء المواقف الخاصة بنا، فيضطرون الى العودة في اليوم التالي، وأن يبكروا طبعاً في المجيء لضمان الحصول على مكان لسياراتهم».

عقاب المخالفين

يعاقب المخالف لقانون البلدية بعدم توفير مواقف للسيارات في البنايات الجديدة بـ«غرامة لا تقل عن دينار كويتي، ولا تزيد على عشرة دنانير كويتية، عن كل يوم يمتنع فيه عن تنفيذ ما قضى به الحكم من إزالة أو تصحيح الأعمال أو الهدم أو الترميم أو التجميل أو رد الشيء إلى أصله، وذلك بعد انتهاء المدة التي تحددها البلدية لتنفيذ الحكم، وتتعدد الغرامة بعدد المخالفات، ولا يجوز الحكم بوقف تنفيذ ما قضي به من العقوبات التكميلية المذكورة، وتبدأ المدة المقررة للتنفيذ على المالك الجديد من تاريخ انتقال الملكية إليه، وتطبق في شأن المالك الأحكام الخاصة بتلك الغرامة، ولا تسري أحكام هذه المادة على الأحكام التي اتخذت في شأن عدم تنفيذها الإجراءات الجنائية في تاريخ سابق على العمل بهذا القانون».

المواقف الذكية

المشروع النموذجي للمواقف الذكية نفذته شركة الشرق والغرب الإماراتية لأحد الفنادق في مدينة الشارقة، ووفقاً للتقنية المستعملة آليا، سيتم تسليم السيارة في الدور الأرضي لتنقل إلى الأدوار المتكررة، ثم تعاد السيارة عند الطلب إلى المكان ذاته بإشارة من الحاسوب المخصص لهذا الغرض أو باستعمال الهاتف النقال، ومدة الانتقال من الأعلى إلى الأسفل أو العكس حوالي 25 ثانية فقط، ويتوافر مدخلان لاستقبال السيارات ومخرجان لتسليمها، ويصل العدد الإجمالي للمواقف إلى 200 موقف، موزعة على ارتفاع 115 متراً.

back to top