الاسم المضحك الذي أصبح الأكثر شهرة في العالم

نشر في 24-02-2009
آخر تحديث 24-02-2009 | 00:00
 د. عبدالخالق عبدالله ربما لا يوجد رئيس في العالم عانى بسبب اسمه كما عانى الرئيس الأميركي الذي يقول إنه كان يخجل من اسمه ولم يكن «سعيدا به أبدا»، بل ظل الاسم لغزاً محيراً بالنسبة إليه، خصوصا أنه قد ارتبط بلغز أكبر في حياته هو لغز أبيه الإفريقي الذي طلَّق والدته الأميركية وتركه يتيماً عندما كان عمره سنتين، ولم يتعرف أوباما على والده الغائب إلا من خلال الحكايات.

بعد مرور شهر على توليه منصب رئيس الولايات المتحدة، أصبح باراك أوباما هو الاسم الأكثر شهرة في العالم اليوم. لكن في كتابه الشيق بعنوان «الانسياق خلف الأمل»، الصادر عام 2006، يقول باراك أوباما إنه عانى كثيراً من اسمه، وإنه كان يواجَه دائما بالسؤال «من أين لك بهذا الاسم المضحك».

لقد كان الأطفال يضحكون من الاسم والبعض منهم لا يعرف كيف ينطق باراك أوباما. أما في مرحلة الشباب فقد كان اسمه الغريب يثير السؤال المحرج «هل أنت أميركي»؟ وعندما قرر أوباما الدخول إلى عالم السياسة، عام 2001 اقترح عليه بعض الأصدقاء أن عليه أولا أن يغيِّر اسمه، الذي يوحي باسم أسامه بن لادن، وذلك بدعوى أنه «لا يمكنك النجاح في دنيا السياسة في الولايات المتحدة بهذا الاسم الإرهابي». وعندما رفض باراك أوباما هذا الاقتراح الساذج، كان الجميع يستهزئ ويذكره باستمرار «هل تتوقع الفوز بأي مقعد بهذا الاسم الغريب والمنفر»؟

وظل سؤال الاسم يلاحقه خلال معركة الانتخابات الرئاسية، في صيف عام 2007، وجاء من يذكره «كيف ستصبح رئيسا للولايات المتحدة الأميركية باسم إفريقي وقبلي لا يمكن للفرد الأميركي العادي لفظه، ولا يمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد بالتاريخ والتراث والمجتمع الأميركي الغارق في عنصريته عندما يتعلق الأمر بانتخاب رئيس أقوى دولة في العالم والذي هو حكر على الرجل الأبيض البروتستانتي القادم من السلالة الأنجلوسكسونية».

ربما لا يوجد رئيس في العالم عانى من اسمه كما عانى الرئيس الأميركي الذي يقول إنه كان يخجل من اسمه ولم يكن «سعيدا به أبدا». بل ظل الاسم لغزا محيرا بالنسبة له، خصوصا أنه قد ارتبط بلغز أكبر في حياته هو لغز أبيه الإفريقي الذي طلَّق والدته الأميركية وتركه يتيما عندما كان عمره سنتين. لم يتعرف أوباما على والده الغائب إلا من خلال الحكايات، وعندما عاد ليزوره لفترة قصيرة جدا، لا تتعدى الشهر، بعد غياب طويل، وجد أوباما نفسه أمام «شبح أشد سواداً من سواد الليل»، وهو الذي تعود على والدته التي كانت «أشد بياضا من بياض الحليب».

ما تبقى من تلك الزيارة الخاطفة، وصية والده له «لا تنسى أبدا أنك ابن أوباما؟ ولا تنسى من أنت، ولا تنسى من أين أتيت، ولا تنسى إلى أي عالم تنتمي». لكن مشكلة أوباما الكبرى كانت أنه لم يكن يعرف إلى أي عالم ينتمي؟ كانت قضية الانتماء قضية مركزية في حياته. مَن أنا؟ ومَن هو باراك حسين أوباما؟ وهل أنا أميركي أم إفريقي؟ هل أنا أبيض أم أسود؟ هل أنا مسلم أم مسيحي؟ هل أنا من الفقراء أم الأغنياء؟ هل أنا من الأسياد أم من العبيد؟ وهل أنا من الناجحين أو الفاشلين في الحياة؟

كانت هذه الأسئلة تطارده دائما وتسيطر على تفكيره وتؤثر على سلوكه وتدفعه نحو عدم الاستقرار العاطفي والقيام بأفعال مشينة في شبابه بما في ذلك الإقبال على التدخين والإفراط في الشرب وتعاطي المخدرات في فترة من الفترات.

لقد سجل أوباما هفواته السلوكية بشفافية كبيرة في كتابه الشيق الصادر عام 1995، الذي حمل عنوان «أحلام أبي الإفريقي». في هذا الكتاب الذي هو اليوم من بين الكتب الأكثر مبيعا في العالم، يذكر أوباما بالتفصيل حقائق مدهشة عن طفولته الصعبة، والسنوات الأصعب التي قضاها في إندونيسيا بجانب زوج والدته لولو حيث تعرف من خلاله على الإسلام والمسلمين عن قرب، وعاش مع الفقر والفقراء، وأكل لحم الكلاب والأفاعي ووجبة دسمة من الجراد المقلي في إندونيسيا. لكن حياته في إندونيسيا أبعدته عن وطنه ولغته وجعلته من جديد يتساءل عن اسمه وهويته والعالم الذي ينتمي له. فهو أميركي وإفريقي لكن يعيش في بلد إسلامي. كانت والدته حريصة أن تتحدث معه باللغة الإنكليزية وتذكره باستمرار أنه أميركي. أما صوت والده الغائب فيدعوه بقوة «لا تنسى من تكون، أنت من إفريقيا ومن عائلة أوباما التي تنتمي إلى قبلية آل «لو» في كينيا». لكن الواقع من حوله لا يمت بصلة إلى أميركا أو إفريقيا.

يقول أوباما إنه كان يشعر في معظم مراحل حياته «بفراغ نفسي وداخلي كبير». وكان يطرح على نفسه السؤال كيف يمكن ملء مثل هذا الفراغ؟ وكيف يمكن التحرر من هذا الفراغ الوجودي؟ لم يتحقق لأوباما الاطمئنان والاستقرار والهدوء الداخلي والثقة بالنفس والمعنى العميق للانتماء إلا عندما قام بأول زيارة له إلى كينيا وتواصل عن قرب مع عائلته الإفريقية الممتدة.

شعر أوباما بالارتياح في كينيا خلال شهر واحد أكثر مما كان شعر بالارتياح في أميركا خلال أكثر من عشرين سنة. ووجد الاستقرار النفسي في تواصله مع أسرته الإفريقية أكثر من الاستقرار الذي كان يشعر به في أحضان أهل والدته في جزر هاواي أو في شيكاغو حيث قضى الجزء الأهم من حياته كناشط اجتماعي لا يملك سوى سلعة واحدة هي «الامل بمستقبل أفضل».

خلال رحلته الإفريقية شعر أوباما بالارتياح من اسمه. فالكل في كينيا يعرف معنى أوباما وقبيلة أوباما، وتاريخ الاسم ودلالاته ويلفظه بيسر وسلاسة وذلك على عكس الحال في وطنه أميركا. والعالم في إفريقيا كله أسود وليس أبيض أو خليطاً من الأبيض والأسود. السواد في إفريقيا عادي في حين أنه غير عادي في أميركا. يقول أوباما «كم هو مريح وطبيعي هذا اللون الأسود الذي لم يكن مريحاً لي في طفولتي». والأهم من ذلك «يعود الابن إلى الأب، ويشعر بالامتلاء والاكتفاء ومن دون نفاق أو خجل أو ارتباك». فجأة تصالح أوباما مع اسمه وتعرف على ذاته وشعر بالامتلاء الذي لم يشعر به في كل حياته.

لكن في كينيا اكتشف كل عيوب كينيا التي فقدت روحها وباعت نفسها للمادة. وفي إفريقيا اكتشف كل عيوب إفريقيا التي لم تعد إفريقيا بعد تجربة الاستعمار الذي شوه وعبث بتاريخها وناسها وتراثها بعمق. أما عائلته الإفريقية الممتدة فقد اكتشف أنها تعيش صراعات وانقسامات وخلافات على الفتات من إرث والده. فالحياة في كينيا كما الحياة في أميركا ليست وردية بل هي صعبة كل الصعوبة. واكتشف أوباما صحة المثل القائل «من طلع من داره قل مقداره».

عاد أوباما سريعاً إلى وطنه بعد أن أصبحت أمور كثيرة واضحة كل الوضوح في ذهنه بما في ذلك اسمه الغريب. لكن زيارة إفريقيا دفعته نحو الإصرار على تحقيق ما لم يتمكن والده من تحقيقه من أحلام، بما في ذلك معجزة وصول أول أميركي باسم إفريقي غريب ومضحك إلى البيت الأبيض.

تقول تجربة أوباما، إنه لا ينبغي لأحد أن يخجل من اسمه، مهما كان مخجلا، فقد يكون الاسم المضحك في يوم من الأيام، الاسم الأكثر شهرة في العالم.

* أكاديمي وباحث إماراتي

back to top