المستشار علي الموسوي لـ الجريدة: دعوة المرشد إلى إصدار قانون للأحوال الجعفرية في محلها... ونفتقر إلى وجود قضاة متخصصين لا تضاد بين إصدار القانون وإغلاق باب الاجتهاد... ويتعين إنشاء محكمة جعفرية مستقلة عدد الشيعة في الجسم القضائي الكويتي لا يتجاوز أصابع اليد... ويجب قبول خريجي الحوزات

نشر في 25-01-2009 | 00:00
آخر تحديث 25-01-2009 | 00:00
No Image Caption
قال المستشار القانوني والمتخصص في قضايا الفقه الجعفري سيد علي الموسوي، إن دعوة المستشار فيصل المرشد إلى وجود قانون للاحوال الجعفرية في الكويت في محلها، وإنه كان من المطالبين بوجود قانون للاحوال الجعفرية، لافتا إلى أنه لا يوجد أي تضاد بين اصدار مثل هذا القانون، وبين فكرة عدم اغلاق باب الاجتهاد.

وأضاف لـ «الجريدة» أن حل مشكلة القضاء الجعفري ليس باصدار قانون يجمع المسائل المتفرقة التي وردت في منهاج الصالحين للسيد السيستاني او السيد الخوئي او غيرهما من الفقهاء، بل ان المشكلة تكمن في عدم وجود قضاة متخصصين ومطّلعين على الاسس والمبادئ التي يقوم عليها الفقه الإمامي، ولا من قانون يصدر في الكويت لتنظيم قضاء الاحوال الجعفري، وفي ما يلي الحوار مع الموسوي:

* ما رأيك في دعوة رئيس محكمة الاستئناف وعضو المجلس الاعلى للقضاء المستشار فيصل المرشد إلى ضرورة إصدار قانون للاحوال الجعفرية في أكثر من لقاء أجرته معه «الجريدة»؟

ننطلق في تعليقنا هذا مما ورد في «الجريدة» من تصريح منسوب الى المستشار فيصل المرشد، الذي نعرفه بعلمه وحسن خلقه وتواضعه، وأنا معه في قوله بضرورة اصدار قانون يريح المتقاضين ويعمل على استقرار الاحكام القضائية، وكنا وعدد من الزملاء ندعو الى ذلك منذ سنين، بل شاركنا في اعداد مشاريع قوانين بهذا الشأن، لكننا فشلنا في اقناع ذوي الاختصاص، سواء في السلطة التشريعية او التنفيذية، بتبني احد تلك المشاريع والعمل على اخراجه الى حيز الواقع، وبالتالي فتصريح المستشار ينبئ بحصول تطور كبير ومفاجئ في التعامل مع هذا الملف الذي كان سببا في الكثير من المآسي على مستوى الحياة الشخصية لنسبة كبيرة من المواطنين وغيرهم من المقيمين.

* هل نحن في حاجة إلى قانون للاحوال الجعفرية في الكويت؟ وهل يتعارض ذلك مع فكرة المذهب الجعفري التي تقوم على ان باب الاجتهاد مفتوح؟

نعم، اننا في حاجة الى قانون للاحوال الجعفرية بالكويت، وأما الاجابة على السؤال الثاني فهي النفي، فلا نرى اي تضاد بين اصدار مثل هذا القانون وبين فكرة عدم اغلاق باب الاجتهاد، وذلك من دون الخوض في بيان الادلة اختصارا للوقت، ومع ذلك فإن التساؤل الآتي يبقى قائما: ما المقصود بقانون الاحوال الجعفرية الذي يتعين صدوره ويحقق ما اشار اليه المستشار المرشد بالقول: يريح المتقاضين ويعمل على استقرار الاحكام القضائية؟ وهل يكفي صدور قانون يتضمن بعض الاحكام الشرعية الواردة، اصلا، بما يسمى «الرسائل العملية»، وهي التي تشتمل على الفتاوى التي يحتاج إليها عامة الناس في حياتهم العملية؟ وهل المشاكل التي تعانيها الدائرة الجعفرية تنحصر في عدم وجود قانون للاحوال الشخصية؟... وردا على هذه الاسئلة نقول إن ما تحتاج إليه الدائرة الجعفرية ليس نقل الاحكام الشرعية من كتب الرسائل العملية ووضعها في كود يصدر تحت عنوان قانون الاحوال الجعفرية، فمثل هذا القانون لن يكون له اي دور في حل المشاكل التي تعانيها الدائرة، ولن يؤدي الى راحة المتقاضين، كما لا يعمل على استقرار احكام القضاء.

وأضاف «لنضرب مثالا يوضح هذه الحقيقة، ان من الثابت الذي عليه اجماع فقهاء الإمامية منذ الشيخ المفيد، والشريف المرتضى، مرورا بالعلامة الحلي والشهيدين حتى الفقهاء المعاصرين، ضرورة وقوع الطلاق امام شاهدين عدلين، وهم لم يختلفوا في القول ببطلان اي طلاق لم يقع كذلك، ومثل هذا الطلاق والعدم سواء، ويترتب على ذلك استمرار الزوجية بين الزوج وزوجته التي ألقى عليها كلمة الطلاق بغير حضور الشاهدين، وعلى الرغم من وضوح هذا الحكم وعدم الخلاف فيه، لكن الدوائر الجعفرية بكل مراحلها تقوم باجراء الطلاق من دون اعتبار لشرط وقوع الطلاق امام الشاهدين، والذي يعد ركنا من اركان الطلاق لا يقع من دونه، ومع بقاء الزوجية شرعا وتفريق الزوجين بموجب الحكم تبقى الزوجة معلقة، فهي لا تستطيع الزواج ما دامت باقية على ذمة الزوج الاول، كما يقول الحكم الشرعي وفقا لمذهب الزوجين، اما اذا تزوجت فان الكارثة حلت حيث اختلاط الانساب، و... مثال آخر: من المستقر في الفقه والقضاء الجعفري ضرورة العمل بفتوى المرجع الاعلى في تحديد الحكم الشرعي الواجب التطبيق على المنازعات القائمة، وليس من حق المحكمة مخالفة الفتوى حتى ان كانت محكمة التمييز، لكن ذلك بالتحديد ما يحصل عملا (شرحنا هذا الموضوع في تعليق لنا على حكم محكمة التمييز-لم ينشر هذا البحث بعد)».

* هل مشكلة القضاء الجعفري تنتهي بإصدار قانون؟

ان حل مشكلة القضاء الجعفري ليس بإصدار قانون يجمع المسائل المتفرقة التي وردت في منهاج الصالحين للسيد السيستاني او السيد الخوئي او غيرهما من الفقهاء، بل ان المشكلة تكمن في عدم وجود قضاة متخصصين ومطلعين على الاسس والمبادئ التي يقوم عليها الفقه الإمامي، ولا بد لاي قانون يصدر في الكويت، لتنظيم قضاء الاحوال الجعفري، ان يكون شاملا كل الجوانب، ومن اهمها اعداد الكوادر المتخصصة من قضاة ومستشارين وموظفين اداريين.

وبعبارة اخرى، فان اصلاح القضاء الجعفري لا يتم الا باصدار قانون بانشاء محكمة جعفرية مستقلة بكل مراحلها ولا ترتبط باي جهة اخرى، الا في ما يتعلق بالجانب الاداري من الارتباط بالمجلس الاعلى للقضاء ووزارة العدل.

ويجب ان يتضمن القانون آلية لتوفير العدد الكافي من القضاة، على ان يكون قضاة محكمة التمييز من المتخصصين الذين درسوا في الحوزات الدينية ووصلوا الى مرحلة مقبولة من الفهم الفقهي، ويمكن الاكتفاء بدرجتي الابتدائية والاستئناف اذا ترأس دوائر الاستئناف من يحمل مثل هذه المواصفات، بشرط ان تكون الاحكام الصادرة عنها نهائية وغير قابلة للطعن بها في محكمة التمييز.

* لماذا لا يقر المجلس الاعلى للقضاء زيادة عدد القضاة والمستشارين لرئاسة الدوائر الجعفرية في الكويت؟

الافضل الذي نراه يحقق ما اشار اليه المستشار المرشد من راحة المتقاضين، هو الاستفادة من اعداد الشباب الكويتي ممن درسوا في الحوزات العلمية، وتخرجوا فيها، فهم اولى من غيرهم في فهم الاحكام الشرعية، وحسن تطبيقها على المنازعات المطروحة امام القضاء، اما القول إن خريجي الحوزات الدينية لم يدرسوا قانون المرافعات، وينقصهم معرفة المسائل الاجرائية، فانه مردود عليه، اولا: لأن خريج الحوزة لا يصعب عليه ذلك بدليل ما نراه يحصل في الدول التي تسير وفق هذا المنهج، كما في البحرين، ولبنان، وقد شاهدنا كبار القضاة الذين يمكن اعتبار عصرهم هو العصر الذهبي لقضاء الاحوال الجعفري في الكويت، لم يكونوا من خريجي الحقوق، ومع ذلك فانهم التزموا بما كانت تفرضه عليهم احكام قانون المرافعات من مسائل اجرائية، فضلا عن انه من السهل بالنسبة للشباب الكويتي من خريجي الحوزات، اعداد دورات خاصة بهم من خلال المعهد القضائي، لا تزيد على ثلاثة اشهر كحد اقصى، ومن ثم تعيينهم كقضاة متخصصين في الاحوال الشخصية الجعفرية، علما بان ذلك لا يتعارض مع احكام قانون تنظيم القضاء المعمول به الآن، فضلا عن ضرورة النص عليه في اي قانون قد يصدر بانشاء المحكمة الجعفرية.

* ما رأيك بعزوف القضاة من ابناء المذهب الجعفري عن قبول ترؤس دوائر الأحوال الجعفرية؟

أولا: ليس في الجسم القضائي الكويتي، من الشيعة الا بما لا يتجاوز اصابع اليد، لاسباب منها: حصر اختيار القضاة من بين من عمل في النيابة، وذلك على خلاف ما يحصل في كثير من الدول ومنها مصر، ومن المعلوم ان القبول في النيابة ليس بالامر السهل! ومنها ان القضاة الشيعة يقدرون حقيقة انهم لم يدرسوا الفقه الجعفري في المدارس او الجامعات التي تعلموا بها وتخرجوا فيها، الامر الذي يجعلهم يتهيبون ركوب هذا المركب الصعب، ليقحموا انفسهم في ما لا طاقة لهم به.

ثانيا: اذا صح القول إن ذلك هو ما دفع المحكمة الكلية الى اسناد بعض الدوائر الى القضاة العرب! فلماذا اختارت من العرب من لا شأن له بالقضاء الجعفري، ولا علم له حتى بالمبادئ الاساسية للمذهب؟ فضلا عن المباني الفقهية؟

ألم يكن هناك قضاة من العرب الشيعة كانت تستطيع المحكمة الاستعانة بهم؟!

ألم تستعِن في السابق بقضاة افاضل من لبنان والعراق؟ قدموا الى الكويت، فأدوا الرسالة بكل صدق وامانة، وقد أشرنا في ما سبق الى وجود عدد من الشباب الكويتي ممن درس في الحوزة العلمية، ونال قسطا وافرا من علوم الفقه والاصول وغيرهما من العلوم المساندة، وتعرف على المباني، والمبادئ التي ارتكز عليها الفقه الامامي، كما انهم ابناء البلد، وعلى علم بالاعراف، والعادات الاجتماعية فيها، فهؤلاء اولى من غيرهم، في تحمل مسؤولية القضاء والفصل في المنازعات الخاصة بابناء المذهب.

* يرى البعض أن عدم فتح دائرة في محكمة التمييز يعود إلى قلة الطعون التي لا تستدعي تخصيص دائرة مختصة؟

هناك مشكلة اخرى لا تقل اهمية عن السابقة، هي مشكلة القضاة المتخصصين، واصرار الجهاز القضائي الكويتي على اختيار القضاة الشرعيين الجعفريين من بين خريجي كليات الحقوق، وهذه الكليات ليس من ضمن مقرراتها الدراسية احكام الفقه الجعفري، فلم يطّلع خريجوها يوما على الفقه الجعفري، بل ولم يسمع البعض منهم عن هذا الفقه شيئا، في وجود عدد من خريجي الحوزات الذين درسوا الفقه بها، ونالوا شهاداتها، وهم الاحرص، مضافا إلى التخصص على حسن تطبيق الأحكام الشرعية إذا تم تعيينهم في منصب القضاء.

وهذا ما قام به المشرع اللبناني، حيث قرر في الفصل الثاني، من الكتاب الثاني، شروط التعيين في ملاك القضاء الشرعي، إذ نصت المادة (450) على الآتي: لا يقبل في ملاك القضاء الشرعي الجعفري إلا من كان: أولا: لبناني الجنسية، وثانيا: تخرج في النجف الاشرف او اي جامعة اسلامية حائزا منها شهادة الدروس الدينية العليا، وقد اضاف في بعض بنود القانون ضرورة التزام القاضي بالزي الديني، لما له من اهمية وتأثير في نفوس المتخاصمين واستعدادهم لحل المنازعات بالود والاصلاح.

back to top