لماذا تبقى مشاكلنا عالقة؟ قضايا عمرها نصف قرن لم تجد حلولاً بسبب التردد واللاحسم

نشر في 05-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 05-09-2008 | 00:00
No Image Caption
تقف الحكومات المتتالية في مواجهة المشكلات المزمنة موقف العاجز بسبب التردد والخضوع لبعض الضغوط الداخلية، فلا هي قادرة على المضي في دورها التنموي المطلوب، ولا هي قادرة على وقف الفساد الإداري وتقوية العمل بالقانون وسيادة العدالة.

أن يطرح سؤال حول أسباب تعثر حل الكثير من المشكلات العالقة في الكويت، فإن ذلك يجرنا الى بحث ظروف نشوء كل مشكلة على حدة، اضافة الى ربط تلك المشاكل بمعوقات الحل وبشكل احادي أيضا.

ترزح اليوم ملفات عديدة تحت طائلة التأجيل والتسويف وعدم الاهتمام لعقود من الزمن، ما يتسبب في زيادة الكلف السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع مرور الوقت، ولئن كان من المهم كشف أسباب تعثر حل كل مشكلة من المشاكل المزمنة في البيئة الكويتية، فانه يمكن القول إن شيئا واحدا يقف وراء ذهنية «تأجيل الحلول» وهو التردد في اتخاذ القرار الذي هو سمة من سمات الادارة في الدولة، مشكلة غير محددي الجنسية كمثال تقف وراءها مخاوف سياسية واجتماعية واقتصادية عطلت حلها بشكل جذري لزمن تجاوز الخمسين عاما!، ولم يستطع أي مجلس وزراء أو مجلس أمة ايجاد حل ينهي مشكلة الآلاف منهم كما حدث في دول خليجية اخرى، وتتجاوب الحكومات الكويتية مع العديد من الضغوط الداخلية الداعمة لعدم الحسم، الامر الذي يؤدي الى تشريع قوانين جزئية لا تغني عن الحل الكلي. وكان هذا النمط من التعاطي مع المشاكل قد انسحب على قضية الحقوق السياسية للمرأة التي انتظرت اكثر من 40 عاما حتى تم الانتهاء منها في عام 2006 وبمؤازرة عوامل دولية، وخاض هذا الملف في تجاذبات اجتماعية ودينية غير واقعية الى أن انتهينا منه بعد طول تردد.

هذه امثلة عامة على مشكلة تعثر القرار الكويتي وتردده في حسم الكثير من المشكلات على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وعودا للحديث عن الاسباب التي تقف وراء مشكلة تعليق حل المشاكل المزمنة فانه يمكن القول إن الاسباب تتعدد بتعدد المشاكل، فتعثر اصلاح الجهاز الاداري تقف وراءه عوامل متعددة منها التوظيف الريعي الذي نتج عنه مع الوقت عدم القدرة على اتخاذ قرار بتخصيص بعض المؤسسات كما هي الحال في مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، ويرجع ايضا الى بناء أجهزة ادارية وهمية تخدم سياسات محددة، كما حدث في جهاز خدمة المواطن.

وتقف الحكومات المتتالية في مواجهة هذه الملفات العالقة موقف العاجز بسبب التردد والخضوع لبعض الضغوط الداخلية، فلا هي قادرة على المضي في دورها التنموي المطلوب، ولا هي قادرة على وقف الفساد الاداري وتقوية العمل بالقانون وسيادة العدالة. ويقف وراء ذلك غياب التخطيط الذي توج أخيرا بإلغاء الوزارة المسؤولة عن هذا العمل الحيوي في حياة الدول، والذي بات يشكل اساس كل المشاكل في علاقة الحكومة بالبرلمان.

خمسة أسباب وراء بطء القرار

الاقتصادي والناشط الحقوقي عبدالمحسن تقي مظفر يقول في هذا المجال إنه ليس من السهل تحديد جميع العوامل والأسباب التي أدت ولا تزال تؤدي إلى تأخرنا في إنجاز ما هو مطلوب بالنسبة الى المشاريع الكبرى والقضايا الأساسية التي ضربنا أمثلة لها فيما سبق. ولكن يمكن الإشارة إلى عدد من الأمور التي أسهمت في تفاقم هذه المشاكل، ويضيف: «سوف نفترض أن النية الحقيقية والرغبة الفعلية في الإصلاح الإداري والإنجاز قائمة لدى أصحاب القرار في الدولة، سواء في السلطة التشريعية أو لدى السلطة التنفيذية، واضعين في اعتبارنا أن القيادة السياسية تؤكد في كل مناسبة سياسية أو اجتماعية- وبصفة خاصة عند افتتاح كل دور تشريعي لمجلس الأمة- أنها جادة وحريصة على تحقيق الإصلاح الإداري والمالي في الكويت، لكن هناك جملة من الاسباب التي أصبحت تؤثر في بيئة القرار الكويتي ومنها مايلي:

التخطيط

أولا: غياب خطة تنموية معتمدة فلا أحد يستطيع أن يجادل في هذه الحقيقة، فالواقع المؤسف هو أن مجلس الأمة، ومنذ سنوات طويلة، يعتمد الميزانية السنوية للدولة من دون أن تكون مرتبطة بخطة تنمية بعيدة المدى، بل إن المجلس في أغلب الأحوال يهرول في اعتماد الميزانية السنوية في الأيام القليلة الأخيرة من دور انعقاده السنوي، في عجالة غريبة تبدو فيها أقرب إلى الاستهتار منها إلى الالتزام بأداء دوره ومسؤوليته تجاه أخطر موضوع يعرض عليه.

التضارب

ثانياً: تضارب الاتجاهات في مجلس الأمة فمع إيماننا الصادق بالنظام الديمقراطي الذي ارتضيناه جميعا منذ بداية عهد الاستقلال، وإدراكنا لأهمية الدور الإيجابي المهم لمجلس الأمة، لكننا نلاحظ أن كثيرا من الوقت والجهد يهدر عند عرض ومناقشة المشروعات الكبرى والقضايا الرئيسية داخل مجلس الأمة، ويرجع ذلك إلى تباين وجهات النظر حول هذه الأمور، وقد لا نرى بأسا في ذلك، إلا أنه عندما تتأثر هذه المناقشات بالمصالح الذاتية لبعض النواب، أو بالمزايدات بين الكتل والتيارات المتنافسة داخل المجلس، أو عند المزايدات على نطاق أوسع بين المجلس والحكومة، فإن كثيرا من القضايا تتعطل وكثيرا من المشاريع المهمة تتعرقل، علاوة على ذلك فإن بعض النواب- للأسف الشديد- يسعى إلى شراء رضا الناخبين فيندفع في اقتراح ما يسمى بالمشروعات الشعبوية على حساب المصلحة العامة الحقيقية للدولة، وعلى حساب مسؤولياتها والتزاماتها تجاه الأجيال القادمة، وبذلك تكون دغدغة عواطف الناخبين لها الأولوية، فتركن القضايا الوطنية الحقيقية وتؤجل.

المصالح

ثالثا: مصالح أصحاب النفوذ فكثيرا ما يتدخل أصحاب النفوذ من ذوي المصالح الذاتية الضيقة في تمرير بعض المشروعات، أو عرقلة الموافقة على غيرها، بطرق مختلفة. وتكون مساعيهم لدى المسؤولين في السلطة التنفيذية، أو من خلال بعض أعضاء مجلس الأمة، وتجد هذه المساعي استجابة في بعض الأحيان، فتختلق الحجج والمبررات لها، وذلك يؤدي إلى ضياع المصلحة الوطنية وتأخير بعض المشروعات الجادة أو إحلال مشروعات بديلة لها.

البيروقراطية

رابعا: البيروقراطية وسوء الإدارة، كلنا يدرك أن الفساد الإداري والبيروقراطية وعدم الإحساس بالمسؤولية من جانب الموظف العام، آفات تعانيها معظم مجتمعات الدول النامية، والكويت ليست مستثناة من ذلك. وبدلا من أن يكون الموظف في القطاع العام خادما للشعب كما هو مفروض، فإننا نجده- في كثير من المواقع- مستغلا لوظيفته، ويتعامل مع من يلجأ إليه بغطرسة واستعلاء، فيسيء بذلك إلى الهدف السامي الذي أنشئ من أجله الموقع الذي يعمل فيه. ومن المؤسف أن مثل هذا السلوك لم يعد مقتصرا على الموظفين في القطاع الحكومي، بل دخل- ولو على نطاق أضيق- في بعض مؤسسات القطاع الخاص.

التراخي

خامساً: التراخي في العقوبة، نلاحظ أن هناك استسهالا وتراخيا في تنفيذ الجزاءات وإيقاع العقوبات على بعض المقاولين الذين يوكل إليهم إنجاز بعض المشروعات ضمن فترة زمنية محددة، وتتدخل في ذلك المحسوبيات والمعارف والوساطات بل واحيانا يكون التراخي وغض النظر مقابل رشاو ومصالح مالية، وهذا الأمر يدعو إلى المزيد من المراقبة والحزم من قبل المسؤولين.

هذا عن الأسباب، أما عن التكلفة المالية والانعكاسات السياسية والاجتماعية فان المسألة تستدعي تقدير تكلفة التأخر في إنجاز المشروعات الكبرى وإقرار الحلول المناسبة للقضايا الأساسية بإجراء دراسات مفصلة في كل حالة من الحالات المذكورة أو غيرها، ولكن من المؤكد أن معظم المشروعات التي تأخرنا في إنجازها، للأسباب التي ذكرناها أو لغيرها من الأسباب، تتضاعف تكاليف إنجازها كلما مر بنا الوقت، بل الأهم من ذلك هو أننا ربما نكون الآن في أوضاع مالية مريحة تمكننا من الإقدام على المشاريع الكبرى، ولكن كيف نضمن أن مثل هذه الأوضاع المالية المريحة سوف تستمر معنا في المستقبل؟ إننا نتمتع الآن بفوائض مالية جيدة، وإذا لم نحسن التصرف فيها في تنفيذ ما لدينا من أفكار ومقترحات جادة الآن، فإننا حتما سوف نعض أناملنا فيما بعد ندما وتحسرا على فرصة عظيمة فاتتنا. أما عن الانعكاسات السياسية والاجتماعية لترددنا وتأخرنا في وضع وتنفيذ حلول للقضايا والمشاكل الأساسية التي يعانيها مجتمعنا الكويتي الآن فإن تقديرها ميسور لكل ذي عقل واع وضمير حي. إننا على سبيل المثال ندفع ثمنا إنسانيا باهظا أمام ضمائرنا وأمام المجتمع الدولي لترددنا حتى الآن في وضع نهاية حكيمة ومنصفة لمعاناة غير محددي الجنسية (البدون) الذين مضى عليهم نصف قرن وهم في انتظار وأمل. ومشكلة أخرى هي قضية ديوننا على العراق الذي ابتلي شعبه الشقيق بأفظع مما ابتلينا به من مآسي حكم الطاغية المستبد صدام حسين، وكذلك المشاكل الثانوية الأخرى معه، إنها تتطلب منا موقفا حاسما نراعي فيه الظروف الدولية المستجدة، ومواقف أشقائنا في دول الخليج العربية تجاه العراق، لكي نتجنب انعكاسات سياسية سلبية قد لا تكون في صالحنا على المدى البعيد، ونحن نعتقد أن هذه القضية تتطلب موقفا واضحا وحكيما من قيادتنا السياسية بعيدا عن مزايدات بعض أعضاء محلس الأمة التي تنطلق من منظور قصير الأمد في قضية خطيرة حساسة.

المشاريع الكبرى المتأخرة

تطوير حقول النفط الشمالية، مشروع المصفاة الرابعة، مشروع جسر الصبية، توسعة وتطوير المطار الدولي، تطوير جزيرة بوبيان وتحويلها إلى منطقة تجارية حرة، تطوير جزيرة فيلكا وتحويلها إلى منطقة سياحية، جسر فيلكا، مشروع جامعة الكويت في الشدادية، مشروع مترو الأنفاق، مشروع الطريق الدائري الأول، التعديلات على المخطط الهيكلي.

back to top