إنما الأعمال بالنتائج

نشر في 08-10-2008
آخر تحديث 08-10-2008 | 00:00
 بلال خبيز بات الخلاف العربي-الإيراني صراعاً سياسياً وأمنياً واقتصادياً وهو في الطريق لأن يتحول ثقافياً وعسكرياً، والأرجح أن إيران قد تتسبب في نزاع طويل ومرير لا يعلم إلا الله حجم المعاناة التي قد تنتج عنه إذا ما تحول إلى حرب مصيرية.

هل أعطى برنار كوشنير، وزير الخارجية الفرنسية، إسرائيل ضوءاً أخضر فرنسياً لمهاجمة إيران. الكلام الذي قاله الوزير الفرنسي في حديثه مع صحيفة هآرتس، يوحي بأن الضربة الإسرائيلية لإيران أصبحت من تحصيل الحواصل. التوقيت مهم، والانتهاء من الاستعدادات العسكرية اللوجستية له حظه من الأهمية أيضاً، فضلاً عن محاولات أخيرة لتحريك بعض خيوط الدبلوماسية مع حلفاء إيران وأعدائها، ومن هم بين بين. والنتيجة، ثمة حرب في الأفق. حرب لا يؤخرها إلا احتمال اتساعها وشمولها دولاً لم تكن في الحسبان. حرب، أقل ما فيها أنها تطاول معظم منطقة الشرق الأوسط بنيرانها. وفي هذا المجال يجدر بالمرء أن يتأمل في واقعتين:

الحديث العصبي المتزايد عن محاولات إيرانية لتشييع أهل السنّة في غير بلد من البلاد العربية، وحمّى التسلح التي تضرب دول الجوار الإيراني على نحو غير مسبوق.

في الواقعة الأولى، يبدو أن الدول التي تجاور إيران أخذت تستعد فعلاً لاحتمالات تعرضها لقصف صاروخي، بل إن بعض المحللين العرب، جعلوا يلومون الدول العربية على التلكؤ في حفر قناة بحرية تغني العرب عن استخدام مضيق هرمز. التسلح جار على قدم وساق، والخشية من تعرض دول الخليج العربي لقصف بالصواريخ الإيرانية باتت على الألسن بعدما كانت محبوسة في القلوب. لكن المؤسف في هذه المعادلة فعلاً أن الحرب المرجحة الوقوع لها طرفان رئيسان، إسرائيل وإيران، وأن الخشية العربية لا تتأتى من الطائرات الإسرائيلية بل من الصواريخ الإيرانية. ذلك أن التصريحات الإيرانية حيال استهداف الدول العربية بالصورايخ معلنة منذ وقت بعيد، مما يعني أن ثمة انقلابا في المعايير لابد أن يحصل في القريب العاجل. وبصرف النظر عن قرب وقوع الحرب زمنياً أو تأخره، إلا أن «السيف قد سبق العذل»، وبات الخلاف العربي-الإيراني صراعاً سياسياً وأمنياً واقتصادياً وهو في الطريق لأن يتحول ثقافياً وعسكرياً، والأرجح أن إيران في هذا المعنى، وهي تمعن في تدخلاتها في الدواخل العربية، من اليمن إلى الكويت فالبحرين فالعراق، مروراً بفلسطين ولبنان وسورية، قد تتسبب في نزاع طويل ومرير لا يعلم إلا الله حجم المعاناة التي قد تنتج عنه إذا ما تحول إلى حرب مصيرية. وأغلب الظن أن الدول العربية الكبرى، ممثلة بالمملكة العربية السعودية ومصر، مازالت تتجنب خيارات التصعيد المباشر، لأن قادتها يعلمون أن مثل هذا التصعيد إذا ما وصل إلى انفجار في أي مكان من المنطقة قد يؤدي إلى حروب تطهير لا سابق لها في التاريخ، وقد يكون من نتيجتها تغييرات شاملة في خريطة المنطقة برمتها. والحق أن إيران الخمينية تعرف أنها تغرف من تراث أقلوي في المنطقة، لكنها لا تكف عن إذكاء نار الخشية هذه، لأنها تعرف أن الطرف الآخر يخشى أن تنفلت الفتنة من كل عقال.

في الواقعة الثانية، لابد أن الدول العربية الكبرى نفسها تدرك أن السلوك الإيراني خارج إيران وداخلها على حد سواء سيؤدي في النتيجة إلى حرب قاسية. أقسى بكثير مما يظن وزير الخارجية الفرنسي. وحيث إن أسوأ الاحتمالات التي قد تصيب المنطقة يتمثل فعلاً في حرب سنية-شيعية لا تبقي ولا تذر، وقد تشترك فيها دول وأمم لم تدخل بعد في البازار، من باكستان إلى إندونيسيا، فإن قادة هذه الدول ينظرون إلى التهديد الإسرائيلي لإيران بوصفه الشر الأصغر. إذ يعلم الجميع أن فتنة شيعية-سنية ستحرق أخضر المنطقة ويابسها، وتنهي بضربة قاضية كل ما تدعي إيران الدفاع عنه، أي الحقوق الفلسطينية المشروعة. ومن جهة ثانية لا بد أن العرب يعلمون أن حرباً إسرائيلية-إيرانية بصرف النظر عن نتائجها وعن المهزوم فيها والمنتصر، تبقي المنطقة في ميدان الصراع الأصلي. أي في ميدان الصراع العربي-الإسرائيلي بوصف إيران طرفاً مساعداً فيه وطارئاً عليه. وأكثر ما يخشاه العرب أن تستعديهم إيران في مثل هذه الحرب، ليس لأنهم يخشون الدخول في حرب مع نظام الملالي، بل لأن مثل هذا الاستعداء سيلحق أشد الضرر بقضية العرب الأولى، وهي السعي لإيجاد حل متوازن للقضية الفلسطينية والصراع العربي-الإسرائيلي.

يوم دخل «حزب الله» في حربه الأخيرة ضد إسرائيل، قال القادة السعوديون إنها مغامرة غير محسوبة. الأرجح أن عناصر عدم الحسبان تتوضح الآن تماماً، فتحت عباءة الادعاء الكبير بتبني الحقوق الفلسطينية والعربية في الصراع مع إسرائيل، ثمة سعي حثيث لتدمير كل ما تبقى من هذه القضية، بقصد أو من دون قصد، لكننا في السياسة لا نستطيع أن نقول: إنما الأعمال بالنيات، فالأعمال في السياسة تقاس بالنتائج، وقد باتت النتائج واضحة لكل من له عينان ويريد أن ينظر بهما.

* كاتب لبناني

back to top