ديوانيات الاثنين: الحدث ليس بعيداً ولا يمكن نسيانه (5)

ديوانيات الاثنين تنطلق بهدوء عند جاسم القطامي في الشامية

نشر في 10-02-2009
آخر تحديث 10-02-2009 | 00:00


منذ تسعة عشر عاماً وتحديداً في الرابع من ديسمبر 1989، حين كانت الكويت تعيش زمنا مأزوماً بلا دستور، بدأت «الحركة الدستورية»، وهي تحالف شعبي موسع قاده 30 نائباً في مجلس الأمة الذي حُلَّ عام 1986، وفعاليات مبدعة من مختلف قطاعات الشعب الكويتي، المطالبةَ بإعادة العمل بالدستور الذي تم الانقلاب عليه وتعليق بعض مواده وفرض الرقابة المسبقة على الصحافة وقمع حرية التعبير في الثالث من يوليو 1986.

وبما أننا نعيش هذه الأيام في أجواء تأزيمية وحالة احتقان سياسي ملحوظ، وتتردد أقاويل هنا وهناك عن أن النية قد تتجه إلى انقلاب ثالث على الدستور، فإنه من الضرورة بمكان التذكير بما جرى في البلاد آنذاك عسى أن تنفع الذكرى. على مدى هذه الحلقات تروي «الجريدة» قصة التحرك الشعبي بين عامي 1986 و1990.

وسائل جديدة

في مواجهة رفض السلطة الكامل للتعامل مع العرائض الشعبية، ومع توسع «الحركة الدستورية» لتشمل تكتل النواب ومجموعة الـ45، كان لابد من التفكير بتطوير أسلوب المطالبة والضغط، لأن الضغط على النواب بات كبيراً في مواجهة أسئلة مثل: «ماذا فعلتم خلال الفترة الماضية؟» أو «ماذا نستطيع كمواطنين أن نقدم؟» إذ إن لقاءات النواب وعرائضهم كانت تجري بمعزل عن الرأي العام. وفي مقابل تلك التساؤلات ازداد الضغط على النواب مع رفض السلطة لاستقبال العرائض والمذكرات على مدى ثلاث سنوات والتعتيم الإعلامي المفروض من خلال الرقابة المسبقة على الصحف، فجاءت كل هذه العوامل لتضغط على النواب لاستحداث وسائل جديدة لعملهم. فكان الموضوع محل بحث في اجتماعات النواب ظهيرة الثلاثاء، فاقترح بعضهم القيام بمسيرة حاشدة، في حين رأى آخرون أن في ذلك تصعيداً للموقف وقد يحمل استفزازاً للسلطة، بينما رأى فريق ثالث أن تُصاغ عريضة جديدة بأسلوب حاد توجه إلى السلطة، لكن هذه الفكرة لم تلقَ قبولاً ايضاً. وفي غمرة الأفكار، برزت فكرة عقد لقاءات عامة مع المواطنين في ديوانيات النواب مساء كل يوم اثنين، على أن تحدد ديوانية معينة لكل لقاء، وبذلك يستغل النواب عدم انطباق قانون التجمعات على ديوانياتهم في حشد التأييد والتواصل المباشر مع الجمهور. وانطلقت بهذه الفكرة شرارة ما عرف بعد ذلك بـ«ديوانيات الاثنين».

بدأ النواب بالتعاون مع مجموعة الـ45 بشحذ الهمم للدعوة إلى أول لقاءات الديوانيات، الذي تقرر أن يكون بعد صلاة العشاء بديوانية النائب جاسم القطامي بالشامية في يوم الاثنين الرابع من ديسمبر 1989. وفي وقت كانت وسائل الاتصال بدائية، مقارنة بما هي عليه الآن، بدأ مناصرو الحركة الدستورية اتصالاتهم بالدعوة إلى ديوانية القطامي.

اللقاء الأول

حل الظلام باكراً في تلك الليلة الشتوية، وكانت عقارب الساعة تشير إلى السادسة والنصف مساءً حين بدأ النواب يتوافدون إلى ديوانية القطامي واحداً تلو الآخر، وأخذ الناس يتوافدون معهم تباعاً حتى غصت قاعة الديوانية بالناس، فجلست البقية في ساحتها الخارجية بينما اختار البعض البقاء بسياراتهم تجنباً للبرد الخفيف في ذلك المساء، خصوصاً بعد أن علموا أن وقائع الندوة ستنقل على محطة الأف إم عبر جهاز يبث لمدى قصير على موجات الراديو للموجودين قرب الديوانية، ولم يكن هذا الأسلوب غريباً آنذاك، إذ سبق استخدامه أثناء الحملات الانتخابية لمجلس 1985.

قدر الحضور تلك الليلة بـ700 شخص، وهي بداية رآها النواب مشجعة لعملهم، فاستغلوا الفرصة ليعلنوا في بداية الجلسة أن اللقاء المقبل سيكون في ديوانية النائب مشاري العنجري بمنطقة النزهة مقابل جسر الروضة، كما لفت إلى ذلك جاسم القطامي في بداية حديثه الذي أعلن في بدايته أنه بداية من هذا الأسبوع سيبدأ النواب زيارات منتظمة كل أسبوع لديوان أحد النواب، مشيراً إلى ضرورة التزام الأسلوب العقلاني الهادئ وعدم اللجوء إلى العنف، قائلاً: «نحن مضطرون أن نسلك سلوكا دستوريا ترضى فيه كل تعليمات وزارة الداخلية، وحريصون أن تكون دواويننا كما هي».

وتحدث النائب أحمد السعدون الذي قوبل بتصفيق حاد عند تقديمه، فأكد أن هذا الحضور يدل على مدى تمسك الشعب الكويتي بنظامه الدستوري وعلى تمسكه ايضا بحقه في المشاركة الشعبية، مبيناً أن فكرة التواصل مع المواطنين عبر الدواوين كانت قد بدأت في بعض ديوانيات النواب منذ بداية العام ثم توقفت في فترة الصيف، مضيفاً أن النواب بدأوا الاتصال بجمعيات النفع العام، وقدم شرحاً وافياً لطبيعة التحركات التي يقوم بها النواب ومجموعة الـ45 منذ حل مجلس الأمة «واحتلال مبنى مجلس الأمة احتلالاً عسكرياً» وحتى اليوم. كاشفاً ان تجاوب المواطنين فاق توقعات النواب، فالعريضة الشعبية كانت فكرتها أن يأتي كل نائب بـ50 توقيعاً من كل دائرة إلا أن الإقبال كان كبيراً، وأضاف: «كان لبيان وزير الإعلام الشيخ جابر المبارك الذي حذر من خلاله، بشكل غير مباشر، المواطنين من التوقيع أثراً إيجابياً، إذ ساهم في نشر الخبر عن العريضة، وقد أفادنا وزير الإعلام في ذلك من حيث لا يعلم». مشدداً على مواصلة التحرك الشعبي عبر عقد اللقاءات بشكل أسبوعي في ديوانيات النواب.

الحاقدون

ثم فتح باب الحوار ووجه بعض الحضور أسئلة عن طبيعة التحرك القادم وما قام به النواب خلال الفترة الماضية، وتحدث الدكتور خالد الوسمي بصفته امين سر لجنة التنسيق لمجموعة الـ45، مؤكدا مطالبة الشعب بعودة الحياة الدستورية، وطرح اقتراحا بتشكيل لجنة للدفاع عن الدستور الكويتي، شارحاً ما قامت به اللجنة لإيصال العريضة وآلية عمل مجموعة الـ45.

وتحدث النائب محمد الرشيد متسائلاً عن الضرر من بقاء الديموقراطية والشفافية في العمل قائلاً إن «وجود الديموقراطية يعطي سمعة جيدة للدولة ما في بالمنطقة مثلها»، مشيراً إلى حديث ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد لدى لقائه مجالس المحافظات، وهي مجالس حاولت من خلالها السلطة توفير بديل عن مجلس الأمة، إذ قال الشيخ سعد للحضور «اتركوا الحاقدين»، وعلق الرشيد على ذلك في ديوانية القطامي قائلاً: «من هم الحاقدين؟ هل القصد اللي ما يقبلون التعيين؟ اللي ما يتعاونون معاك وما يتعاونون على الباطل؟ الناس تتعاون مع الحق ما يتعاونون مع الباطل فهل هؤلاء يستحقون كلمة حاقدين؟».

وقال أحد الحضور للنائب أحمد الربعي، إن الحكومة تطالب أن تُحل قضية لبنان على الطريقة الشرعية ومن خلال البرلمان والدستور اللبناني، سائلا: «ليش نصير مثل عين عذاري؟»، فرد الربعي: «هناك مشكلة لدينا كدولة، ولا يجب أن نغالط أنفسنا ونعتقد أننا دولة عظمى وباستطاعتنا حل مشكلات العالم بينما قضيتنا معلقة، وأعتقد أن علماء السياسة لو درسوا الوضع في الكويت سيستغربون من أن المعارضة مسؤولة والطرف الآخر غير مسؤول بينما العادة العكس، فعادة الناس اللي يعارضون هم اللي يتم اتهامهم بروح اللا مسؤولية وهم من يستخدمون عادة كلمات نابية ويكسرون القانون، بينما في الكويت انقلبت الموازنات، فالمعارضة في الشارع هي من يريد الدستور ويحترمه، وصاحب القرار والسلطة السياسية هي التي تكسر الدستور ويستخدم لغة أخرى، لغة الحاقدين، وهذه نترفع عنها».

اعتداء على الحقوق

وتحدث النائب حمد الجوعان رداً على سؤال لأحد الحاضرين عما إذا كان التجمع في الديوانية مخالفا للقانون أم لا، خصوصاً في ظل وجود قوانين مقيدة، وقال الجوعان: «أنا لا أريد أن أتطفل على الكثيرين من القانونيين اللي حاضرين اليوم، فحسب ما أشوف هناك جمهرة من المحامين وأنا آخرهم ولست بأولهم، ولا أعتقد أن هذه الجمهرة موجودة في هذا الاجتماع وهي تعلم أنها تخالف القانون... الأمر الآخر هو أن القانون مثل أي نص كل واحد يقرأه على كيفه، ضعاف النفوس تقرأ بعض النصوص وتنشر من خلال قراءته السوس، وقراءتنا لنصوص الدستور أقوى من قراءة أي نص قانوني، فالدستور أبو القوانين وهو لم يحظر هذه الاجتماعات»، وأضاف الجوعان: «لا أريد أن أتكلم كإنسان قانوني... أنت سلبتني من حقي الأساسي، أنا أتحدث كمواطن إنسان تعرضت للاعتداء ومن حقي أن ألتقي بإخواني المواطنين لندفع معاً هذا الاعتداء .. وكون هذا الاجتماع قانوني أم لا أنا أسألك سؤال أول، هل هناك اعتداء على حقوقي أم لا... إذا كانت الإجابة نعم فاجتماعنا قانوني». واختتم القطامي اللقاء «لأن الناس برة يقولون لي إنهم تعبانين وبردانين». ووسط التصفيق، أثناء خروج الجمهور، قام بعضهم بالسلام على أصدقاء قدامى لم يتوقعوا رؤيتهم، وتوجه آخرون إلى النواب للسلام عليهم والحديث معهم، في حين ازداد الشعور بينهم بصلة ما تجمع الموجودين الذين تواعدوا على اللقاء مجدداً في الأسبوع القادم بديوانية مشاري العنجري بالنزهة «مقابل جسر الروضة».

نواب الحركة الدستورية

1- أحمد عبدالعزيز السعدون

2- صالح يوسف الفضالة

3- حمد عبدالله الجوعان

4- مبارك فهد الدويلة

5- أحمد نصار الشريعان

6- راشد سيف راشد الحجيلان

7- سامي أحمد المنيس

8- مشاري جاسم العنجري

9- سعد فلاح طامي

10- دعيج خليفة الجري

11- ناصر فهد البناي

12- فيصل عبدالحميد الصانع

13- د. يعقوب محمد حياتي

14- هاضل سالم الجلاوي

15- حمود حمد الرومي

16- محمد سليمان المرشد

17- يوسف خالد المخلد

18- د. ناصر عبدالعزيز صرخوه

19- عبدالعزيز عبداللطيف المطوع

20- أحمد يعقوب باقر

21- د. أحمد محمد الخطيب

22- د. أحمد عبدالله الربعي

23- د. عبدالله فهد النفيسي

24- جاسم محمد القطامي

25- عبدالله يوسف الرومي

26- سالم عبدالله الحماد

27- عباس حبيب مناور

28- جاسم محمد العون

29- خالد عجران العجران

30- خميس طلق عقاب

31- مبارك حمد الزوير (انضم للحركة فترة بسيطة ثم انسحب)

32- جاسر خالد الجاسر (انضم للحركة فترة بسيطة ثم انسحب وخاض انتخابات المجلس الوطني)

33- علي عبدالله الخلف (انضم للحركة فترة بسيطة ثم انسحب وخاض انتخابات المجلس الوطني)

بين «غاندي» و «وضاح»

أيام ديوانيات الاثنين كتبت مجموعة من القصائد والزهيريات تحت الاسم المستعار «غاندي» الرامز إلى المعارضة السلمية ، ووُزعت أيامها في الديوانيات الاثنينية، ويحتفظ بعض الأصدقاء بنسخ منها، كالصديق حمد مانع العجمي الموثّق والناشط خلال أزمة الحل غير الدستوري، لكني بعد 20 عاما من تلك الأزمة لم أجد بين أوراقي الصفراء إلا زهيريتين، هذه إحداهما:

يا حيف حكّامنا يسِمعون راي اللاش

إللي يبيع الوطن واهل الوطن ببلاش

اليوم سوقه انتعش ياخذ أنواطه كاش

عن الشعب من فوّضك .. يـ المدعي بالعدل

الكلب ذيله أبد معلوم ما ينعدل

خسران يا بو الكلك إحسب حسابك عدل

للدار دمنا ثمن .. وانته تبيع ابلاش

غاندي

(وضّاح حالياً)

من أشعار ديوانيات الاثنين

نوابنا والنعم

نوابنا والنعم كلكم على راسي

وقت الشدايد ذخر حقي ومتراسي

مثل الصخر عزمكم مثل الجبل راسي

لان الحديد بلهب وانتوا فلا لنتوا

واللي سأل من بعث أمه نقول انتوا

وإن قلتو قال الشعب كلنا نقول منتوا

واللي سعى بحقنا عيني وعلى راسي

عاشق وطن

ديسمبر 1989

(يتبع)

شاهد ملفات فيديو توثيق حلقات ديوانيات الاثنين على يوتيوب

700 شخص غصت بهم الديوانية فاستمع بعضهم لوقائعها عبر موجات الـ «أف. إم»

النواب تداولوا فكرة مسيرة حاشدة أو عريضة شديدة اللهجة فانتهوا إلى الأسلوب الهادئ عبر لقاءات الدواوين

نحن مضطرون إلى أن نسلك سلوكاً دستورياً هادئاً ترضى فيه كل تعليمات وزارة الداخلية - جاسم القطامي

مبنى مجلس الأمة احتُلّ احتلالاً عسكرياً... وتجاوب المواطنين مع العريضة فاق توقعاتنا - أحمد السعدون

الناس يتعاونون مع الحق ولا يتعاونون مع الباطل فهل يستحقون أن يطلق عليهم كلمة حاقدين؟ - محمد الرشيد معلقاً على كلام الشيخ سعد
back to top