فلسطين 2008 دولتان... والقضية على طريق الهاوية
كان عام 2008 بالنسبة الى فلسطين وقضيتها، عام تكريس الانقسام السياسي والجغرافي بين حركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية، من جهة، وحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ يونيو 2006، من جهة اخرى، وفشلت كل محاولات التوصل الى تسوية بين «فتح» و«حماس»، كما فشل مؤتمر الحوار الفلسطيني الذي كان مقرراً عقده في القاهرة برعاية مصرية.وشهد عام 2008 ايضا فشل مسار المفاوضات، الذي أطلق بعد مؤتمر انابوليس الذي انعقد في نوفمبر 2007، بين السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية، بعد رفض الاسرائيليين تقديم اي تنازل، خصوصاً وقف الاستيطان في الضفة، وذلك رغم سعي ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش الى التوصل الى اتفاق قبل مغادرتها البيت الابيض، ورغم الزيارات المكوكية التي قامت بها وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس.
وكان الوضع الانساني المأساوي، الذي عاشته غزة تحت الحصار، الاكثر قسوة في المشهد الفلسطيني منذ سنوات، إذ عاش مليون ونصف المليون فلسطيني بالحد الادنى من المواد الغذائية والطبية، ومعظم الوقت دون كهرباء ولا ماء، وفي ظل الخوف من انهيار اتفاق التهدئة بين «حماس» واسرائيل وعودة القصف والاغتيالات. تعزيز السيطرةعززت حركة حماس طوال عام 2008 سيطرتها على قطاع غزة، واستفادت من التهدئة التي وقعت مع اسرائيل لاحكام سيطرتها الامنية على القطاع، بعد ان قضت على كل الجيوب المعارضة لها، ورغم الحصار الاسرائيلي الذي فرض كعقاب جماعي على سكان غزة، فإن الحركة تمكنت من الصمود بل وتشددت في مواقفها.وأعلن قادة «حماس» في الذكرى الـ 20 لتأسيس الحركة في شهر ديسمبر، في احتفال جماهيري حاشد تمسكهم بغزة ورفضهم التفاوض مع اسرائيل ورفضهم شروط حركة فتح للحوار. ومع انتهاء اتفاق التهدئة بين «حماس» واسرائيل، يبدو الافق مسدودا امام الفلسطينيين القاطنين في غزة، حيث يبقى الحصار مفروضا عليهم ويبقى الوضع الامني مقلقا مع احتمالات شن إسرائيل عملية عسكرية واسعة ضد «حماس»، في أعقاب انتهاء صلاحية اتفاق التهدئة في 19 ديسمبر، إذ تجددت التهديدات المتبادلة بين الطرفين. حصار الزيتونشهد موسم قطاف الزيتون في شهري أكتوبر ونوفمبر، الذي يعتبر احد المصادر الحيوية للاقتصاد الفلسطيني، حوادث عديدة، إذ هاجم المستوطنون في الضفة الغربية المزارعين الفلسطينيين، كما عرقل الجيش الاسرائيلي حركتهم خصوصا في المناطق القريبة من المستوطنات، وبلغ حجم الخسائر الاقتصادية في الضفة أكثر من 16 مليون دولار من جراء الحرق والقلع لأشجار الزيتون، وكذلك منع المواطنين من الوصول الى أراضيهم للاعتناء بها.ولم تسلم اراضي الفلسطينيين داخل الخط الاخضر من هذه الحملة، إذ تعرضت كروم الزيتون في الناصرة ومحيطها للحرق والقلع. تفجير الجدار الحدودي مع مصرأقدم مسلحون من حركة حماس في 23 يناير 2008 على تفجير جزء من الجدار الحدودي مع مصر، ما دفع آلاف الفلسطينيين المقيمين في قطاع غزة المحاصر الى الدخول الى الاراضي المصرية بشكل غير شرعي، ولاقت تلك الخطوة ادانة واسعة لما تشكله من انتهاك للسيادة المصرية. عباس رئيساً لدولة فلسطينفي وقت استمر الانقسام الجغرافي والسياسي بين حركتي فتح وحماس، اصبحت قضية انتهاء ولاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس في التاسع من يناير 2009، مادة خلافية بين الحركتين. وفي السياق بادر المجلس المركزي لـ «منظمة التحرير الفلسطينية»، في 27 نوفمبر، الى انتخاب عباس رئيسا لدولة فلسطين، الى جانب رئاسته للسلطة الوطنية، وذلك لتجنب اي فراغ في المؤسسات، الامر الذي رفضته «حماس» واكدت انها لن تعترف بعباس بعد التاسع من يناير. ورفضت «حماس» ايضا دعوات عباس المتكررة الى اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، وذلك بعد ان فشلت محاولة مصر لجمع الفصيلين المتناحرين في مؤتمر حوار وطني. اشتباكات في غزةلم يقتصر التوتر بين حركتي فتح وحماس على المواقف السياسية، ففي 25 يوليو، قتل خمسة من ناشطي «كتائب عز الدين القسام»، الجناح العسكري لـ «حماس» في تفجير على شاطئ غزة. اتهمت «حماس» حركة فتح بالوقوف ورائه، واعتقلت اكثر من 300 شخص أغلبيتهم كوادر واعضاء في حركة فتح في غزة. وفي 2 اغسطس، قتل تسعة فلسطينيين وجرح اكثر من تسعين آخرين في غزة في اشتباكات بين شرطة «حماس» واعضاء في «فتح» من افراد اسرة «حلس». وانتهت الاشتباكات بهروب 108 من مقاتلي «فتح» من القطاع، وسمحت اسرائيل لهم بدخول اراضيها واللجوء الى الضفة، بعد حصولهم على ضمانات تتعلق بأمنهم، وبعد وساطات مع «حماس»، عاد في شهر اكتوبر القيادي «الفتحاوي» احمد حلس الى غزة.غزة: حصار وتهريبفي ظل الحصار المفروض منذ سيطرة حركة حماس في يونيو 2007، ورغم اتفاق التهدئة الذي امن قدرا من الاستقرار للغزيين فإن الحصار اتخذ ابعادا اخرى اواخر عام 2008 حين بادرت اسرائيل الى اغلاق المعابر، ردا على ما اسمته خرق «حماس» للتهدئة. وشهد القطاع ازمة الحجاج، اذ منعت «حماس» حجاج القطاع، الذين منحوا تأشيرة عبر السلطة الوطنية الفلسطينية، من السفر مشترطة ان يمنح حجاجها تأشيرات مماثلة، مما ادى عمليا الى حرمان الحجاج الغزيين من اداء فريضة الحج، كما تصاعدت عمليات التهريب من الاراضي المصرية الى غزة عبر الانفاق، رغم الحملة المصرية لمنع ذلك ورغم الحوادث التي تصيب الانفاق، والتي ادت الى مقتل عشرات المهربين. انتشار في الخليلشهد عام 2008 انتشار قوات الامن الفلسطينية في مدن الضفة الغربية، وكان آخرها انتشار 600 عنصر في مدينة الخليل في شهر أكتوبر، لتصبح الخليل المدينة الثالثة التي تنتشر فيها قوات الأمن الفلسطينية بالتنسيق مع إسرائيل بعد نابلس وجنين. وأعلنت السلطة الفلسطينية أن هدف هذه الانتشارات هو تنفيذ حملات أمنية تستهدف المطلوبين للعدالة بهدف توحيد البندقية الفلسطينية، والاجابة عن الشروط الدولية لدفع عملية السلام، لكن حركة حماس اعتبرت ان هذه الحملات موجهة ضدها، خصوصا مع ازدياد الاعتقالات بحق انصارها الموجودين في الضفة. كسر الحصار تمكنت حركة «غزة حرة» بالاشتراك مع «الحملة الاوروبية لكسر الحصار» من تنظيم اربع رحلات الى قطاع غزة، لكسر الحصار المفروض من قبل اسرائيل وايصال المساعدات الانسانية الى اكثر من مليون ونصف المليون شخص، ووصلت اول سفينتين وهما «الأمل» و«الكرامة»، الى سواحل غزة يوم 23 أغسطس. وحاولت سفينة ليبية ان تكسر الحصار لكن البحرية الاسرائيلية اجبرتها على العودة، بينما تمكنت سفينة قطرية من الوصول الى غزة يوم 20 ديسمبر، كما اعلنت عدة جهات عربية نيتها ارسال سفن تضامن الى غزة، ولكن يبقى وصولها الى القطاع مرهوناً بموافقة اسرائيل.