فعاليات سياسية ومدنية: دعوة السلفي إلى عدم التصويت للمرأة تناقض الدسـتور... ويلفُّها الخوف من المرأة أكدت أن الكويت بلد دستوري ومدني وأن الدعوة تعد ضد المساواة بين الجنسين
استنكرت قوى مدنية وفعاليات حقوقية وسياسية، إصدار التجمع السلفي بياناً يُحرِّم فيه التصويت «للمرأة المرشحة»، مشيرة إلى أنهم حللوا الحصول على صوت المرأة كمنتخبة ، بينما حرَّموا مشاركتها في صنع القرار عندما أصبحت منافسة، لشعورهم بقوتها في هذه الانتخابات، مؤكدة أن هذه الدعوة تتعارض مع الدستور والقوانين.
دعت رئيسة مجلس إدارة الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية شيخة النصف الناخبين والناخبات إلى عدم الالتفات الى اي فتاوى أو شائعات تهدف الى تقليص دور المرأة في العملية السياسية وتقليل فرص وصولها الى مجلس الأمة، مذكرة بأنه عندما تمت المطالبة باقرار حقوق المرأة السياسية حدث خلاف حاد بين من كان ينادي بحقوق المرأة ومن كان يعارضها، وحاول صف المعارضين، ومن بينهم الحركة السلفية، ارباك الناس بين الصواب والخطأ وبين الشرعي والاجتماعي، لكننا تصدينا لمحاولاتهم، وبينا أن المرأة صارت وزيرة ونائبة ورئيسة وزراء في دول عربية واسلامية مجاورة، ولا يعقل أن يكون دينهم غير ديننا، وبعد المواجهات والمناظرات بيننا وبينهم التي أدت في النهاية الى فشلهم في تحقيق خطتهم المتمثلة في عدم وصول المرأة الى البرلمان، بادروا إلى إصدار فتوى من جمعية الاصلاح، أفتوا خلالها بعدم جواز وصول المرأة الى مجلس الأمة لاعتبارات اجتماعية، الا أن الكويت لا ينطبق عليها ذلك، لاسيما أننا دولة ديمقراطية متطورة. ورأت أن اطلاق مثل هذه الفتاوى يهدف الى اثارة البلبلة بغرض الحصول على الأصوات الانتخابية، وهو دليل على افلاسهم، مؤكدة عدم وجود أي شبهة شرعية في تولي المرأة منصب عضو مجلس الأمة، اذ إنه ليس ولاية عامة، وعلى الناخبات عدم الالتفات الى مثل هذه الفتاوى، متسائلة لماذا لم تصدر الحركة السلفية هذه الفتوى منذ عام 2005 عندما حصلت المرأة على حقوقها السياسية؟ الارهاب الفكري أعربت مرشحة الدائرة الثالثة الدكتورة أسيل العوضي عن استيائها من بيان الحركة السلفية بشأن حرمة التصويت للمرأة المرشحة، واعتبرت ذلك شكلاً من أشكال الإرهاب الفكري والتعدي الفاضح على الدستور والقانون، مبينة أن البلاد يحكمها القانون الذي منح المرأة حقها السياسي في الانتخاب والترشيح، لافتة إلى أن بعض التيارات الدينية تفضل أن تأخذ صوت المرأة فقط دون النظر إلى دورها في بناء المجتمع، ودونما حتى الالتفات إلى قضاياها الملحة. وبينت العوضي أن الهجوم العلني والمبطن على المرأة نتاج متوقع لسنوات من التعليم التلقيني الأحادي الجانب، ونتيجة عقود من تجاهل الحريات والحقوق الدستورية التي كفلها الدستور للمواطنة، ونتيجة طبيعية لرعاية السلطة لقوى لا تحترم ولا تفقه الرأي والرأي الآخر، مشيرة إلى أن التراجعات الحكومية في تطبيق القانون وانتهاكها المنظم للدستور، روحاً ونصاً، والسعي إلى تحجيم الحريات الشخصية والعامة هو ما شجع السلف وغيرهم على الانقلاب على الدستور والقانون، فأدخلوا البلاد في الماضي، ومازالوا يسعون إلى إدخالها في حروب الفتاوى الدينية المتضاربة. تجاهل الدستور أما رئيس الجمعية الكويتية لحقوق الانسان المحامي علي البغلي، فقال إن بيان الحركة السلفية الذي صدر قبل أيام، والذي حرض الناخبين والناخبات على عدم التصويت للمرشحات، بحجة أنها ولاية عامة ليس جديداً ولا مستغرباً على المنتمين لهذه الحركة المنغلقة والأصولية، والذين تجاهلوا الدستور الذي نص على المساواة بين أفراد المجتمع، فضلاً عن أن المرأة نالت حقوقها السياسية بناء على قانون صدر من مجلس الأمة ووقع من صاحب السمو أمير البلاد، مشيرا الى أن الانتقائية هي التي تحكمهم، اذ يأخذون ما يتوافق مع تفكيرهم، ويعارضون ما سواه، مضيفا أن استناد الحركة إلى عدم جواز التصويت للمرشحات بحجة أنها ولاية عامة لا تجوز للمرأة هو رأي ليس له قبول في أوساط المسلمين، فالمسلمون من الجزائر الى اندونسيا لا يؤمنون به، ومعتنقوه هم الجماعة السلفية المتشددة في أفغانستان وباكستان، أما بالنسبة لبقية المسلمين فيضربون بهذا الرأي عرض الحائط، لأنه غير جائز شرعاً ولا قانونا.ً عورة وحض البغلي المرشحين التابعين لهذه الحركة ومن يؤمنون بأفكارها على توضيح رأيهم في ما ذهبت اليه الحركة السلفية، فهل هم مع التصويت للمرشحات ام لا، مضيفاً: «كما أن التساؤل واللوم يقع على جمهور النساء الذي يجب أن يعي رأي الجماعة السلفية فيهن»، مبديا استغرابه من النساء التي تصوت لمصلحة المرشحين التابعين لهذه الحركة بعد اصدار مثل هذه الفتوى في حقهن، مذكرا بأن مناصري المرأة قاتلوا من أجل حصول المرأة على حقوقها السياسية، بينما تعمل هذه الحركة على حصر دورها في المنزل والفراش، اذ تعتبر المرأة عورة. واستغرب البغلي الافتاء بأن منصب عضو مجلس الأمة ولاية عامة، في حين ان المرأة تبوأت المنصب الوزاري الذي به صلاحيات تفوق بكثير صلاحيات المنصب النيابي، لاسيما أن عضو مجلس الأمة لايستطيع اتخاذ قرار منفرد، بينما يحق للوزير ذلك، فهذا تناقض ونفاق تمارسه هذه الحركات، ونحتج وبصوت عال على هذا الرأي. فتوى تحريضية من ناحيتها، قالت مرشحة الدائرة الأولى د. معصومة المبارك إن فتوى الحركة السلفية هي فتوى تحريضية ضد دولة القانون والمؤسسات، وضد مبدأ المساواة الذي نص عليه الدستور الكويتي، وتعود بنا هذه الفتوى الى المربع الأول، إذ تناست الحركة أن الكويت دولة مؤسسات يحكمها القانون ولا تحكمها الفتاوى، فقانون الانتخابات الذي تم تعديله وأعطى المرأة حق الترشح والانتخاب صدر من مجلس الامة وفق قنواته التشريعية. واشارت الى أن مثل هذه الفتاوى يأتي بهدف التشويش على الناخبين والناخبات، في محاولة يائسة وبائسة منهم بهدف احباط تقدم المرأة المرشحة، التي أصبحت تمثل لهم منافسة قوية تزعجهم، وذكرت بالعديد من الفتاوى التي صدرت أيام الانتخابات، ومن بينها فتوى أطلقت في انتخابات 2006، والتي أفتت بعدم جواز مخالفة الزوجة لرأي زوجها في التصويت، ومثل هذه الفتاوى تعطينا مؤشراً إلى أنه بالرغم من الممارسة الديمقراطية الطويلة ومشاركة الحركة السلفية في العملية السياسية، فإنها مازالت تستخدم أسلوب الفتاوى في العملية السياسية، بهدف تشويش الرأي العام. حلال وحرام ومن جهتها، استنكرت مرشحة الدائرة الثالثة د. هيا المطيري «إصدار التجمع السلفي بيانا يحرم فيه التصويت للمرأة المرشحة»، لافتة إلى «أنهم حللوا الحصول على صوت المرأة كمنتخبة، غير أنهم حرَّموا مشاركتها في صنع القرار عندما أصبحت منافسة». وقالت إن التيارات في الدائرة الثالثة تحاول إغلاق الدائرة أمام الكفاءات غير المنتمية للتحالفات المتناقضة ومنعها من الوصول إلى البرلمان والمشاركة في صنع القرار، مشيرة إلى أن هذا يشمل جميع التيارات من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. مخالفة للدستور ومن جهته، رفض نائب رئيس جمعية الخريجين د. بدر الديحاني دعوة الحركة السلفية إلى عدم التصويت للمرأة خلال الانتخابات المقبلة، مؤكدا أن هذه الدعوة تتعارض مع الدستور، مشددا على أن الكويت دولة مدنية ديمقراطية دستورية، والأمة مصدر السلطات كما تنص على ذلك المادة السادسة من الدستور. وأوضح الديحاني في تصريح خاص لـ«الجريدة» أن الهدف من هذه الدعوة هو التأثير على نتائج الانتخابات، لافتا إلى أن هذه الدعوة تمثل إحدى الوسائل الدعائية، وجاء استخدام الفتاوى لاعتقاد الحركة بقوة المرأة في هذه الانتخابات، مؤكدا أن الحركة السلفية لديها موقف من الديمقراطية والدستور منذ ثمانينيات القرن الماضي، إذ إنهم لا يؤمنون بالديمقراطية. وقال الديحاني إن الأمة هي التي تقرر التصويت لأي من المرشحين، مؤكداً أن المرأة جزء أساسي من الكويت، وأن الدستور لم يفرق بين الذكر والأنثى في الحقوق والواجبات، مستغرباً كثرة الفتاوى خلال الفترة الأخيرة في العديد من القضايا والمسائل، «فنحن دولة مدنية لا دولة دينية، وهذه الفتاوى لا تعني المجتمع». مكيافيلية ومن جانبه، قال أمين عام جمعية الدفاع عن المال العام عبدالكريم الشمالي إن هذه الدعوة تمثل قمة «المكيافيلية» في التعامل مع المرأة، فمن جانب يسعون إلى الحصول على صوتها، ومن جانب آخر يدعون إلى عدم التصويت لها، مشيرا إلى أن ديدن الحركات الدينية هو الحط من قدر المرأة، لافتا إلى أن هذه الدعوة تعد محاولة واضحة للالتفاف على الدستور والقوانين، وهي استمرار لنهجهم الواضح في محاربة المرأة. وأوضح الشمالي «أننا نرفض مناقشة هذه الأمور وفق معايير الفتاوى ومحاولة جرنا إلى مدعي التدين»، مشددا على أن «الكويت دولة مدنية دستورية»، مشيرا إلى أن هذه الدعوة تبين بما لا يدع مجالا للشك، تخوف الحركة السلفية من بروز بعض الأسماء خلال الحملة الانتخابية وبالتالي هي محاولة مباشرة لمحاربة وصول المرأة إلى البرلمان، بغض النظر عن كفاءتها، قياسا إلى العديد من المرشحين الرجال. وقال الشمالي: «نستغرب دعوة عدم التصويت للمرأة، وكان أولى بهم محاربة الظواهر الدخيلة على الديمقراطية، مثل الفرعيات القبلية أو الطائفية وظاهرة شراء الأصوات التي يقودها بعض حلفائهم دائما». طاعة ولي الأمر أشادت مرشحة الدائرة الثالثة د. رولا دشتي بالإسلام وبأنه دين التسامح والمصدر الأول للعدالة الاجتماعية والمساواة، فقد كفل الحريات والحقوق كما الواجبات، وحثنا على طاعة ولي الأمر في الامتثال لما يحقق الوحدة السياسية من منظور الحاجة الملحة لضمان التوازن بين أفراد المجتمع الواحد. وقالت د. رولا دشتي إن دعوة ولي الامر صاحب السمو أمير البلاد جاءت صريحة وواضحة لكل المواطنين بلا استثناء، بأن يعينوا ويتعاونوا في اختيار الانسب والاصلح كي يمثلهم في مجلس الأمة، ضمن الاطر الديمقراطية التي كفلها لهم الدستور، للارتقاء بالوحدة الوطنية وصونها عن كل ما يهدد سلامتها، وترسيخ مبادئ التعاون والتلاحم والتكاتف بين المواطنين جميعا، ومد جسور الثقة والتآخي، ونبذ التعصب والتحزب والمزايدات، ثم أشارت د. رولا دشتي الى ان «الاجتهادات في التشريع الاسلامي رحمة للناس وتيسير لأمورهم الدينية والحياتية، ومن الواجب علينا عدم الانغلاق على انفسنا، وحرمان وطننا الغالي من نعمة الشراكة بين ابناء الوطن الواحد، لذا علينا اليوم ان نتحمل مسؤوليتنا كاملة امام وطننا، وألا نخلط الاوراق في المنافسة السياسية الحرة تحت لواء الديمقراطية المشروعة، اللهم الا اذا كان المراد عدم قبول الآخر كشريك أساسي وفعال في المنظومة المجتمعية، إذ اننا نعيش في بلد يستنبط احكامه من الدستور وللمرأة حقوق كما أن عليها واجبات». التحالف الوطني: التيارات الدينية تنظر إلى المرأة على أنها وسيلة شدَّد أمين عام التحالف الوطني الديمقراطي خالد الفضالة على أهمية دور المرأة في العملية الانتخابية، سواء كانت مرشحةً أو ناخبة، لافتاً الى أن المرأة جزء رئيسي، لا مكمل في المجتمع، وأن لها حقوقاً وعليها واجبات تجاه الدولة، مؤكداً أن مشاركتها في الانتخابات النيابية حق كفله الدستور ويحميه القانون. واعتبر الفضالة، في تصريح صحافي، أن الدعوة التي أطلقتها الحركة السلفية للناخبين والناخبات لعدم التصويت للمرشحات تأتي في اطار الحملة الدينية المستمرة للانقضاض على الحياة الدستورية وهدم المبادئ المدنية للدولة، مشيراً إلى أن التيارات الدينية المتأسلمة تنظر إلى المرأة على أنها وسيلة لتحقيق أهدافها والوصول الى غاياتها. وطالب الفضالة القوى الدينية السياسية بتحديد موقفها من مثل تلك الدعوات المشبوهة والمحرضة على الانقلاب على القانون والحقوق الدستورية، مبيناً أن أمام القوى الدينية خيارين، إما أن تعلن تأييدها لهذه الدعوة، وبالتالي تكشف لقواعدها النسائية حقيقة الموقف من المرأة، وإما أن تتبرأ منها، وتؤكد احترامها لحق المرأة في المشاركة في التصويت والترشح، واختيار من يمثلها في مجلس الأمة دون النظر الى الجنس.